أدى الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري لإنتاج الطاقة الكهربائية طيلة العقود الماضية إلى مشكلة الاحتباس الحراري وتلوث المياه والتراب والهواء على كوكبنا، ما أدى فيما بعد إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض وازدياد التصحر والجفاف وارتفاع مستويات البحار والمحيطات، لذلك يسعى الخبراء والباحثون إلى إيجاد مصادر طاقة أقل تلويثًا لكوكبنا كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والوقود الحيوي.

يُعرف الوقود الحيوي بأنه الوقود المستخرج من أي كتلة حيوية مثل النباتات والطحالب وفضلات الحيوانات ويُعتبر من مصادر الطاقة المتجددة نظرًا لقدرتنا على تجديد وتكثير هذه الموارد الحيوية بعكس الوقود الأحفوري غير القابل للتجديد مثل النفط والفحم الحجري والغاز الطبيعي.

يُعد الوقود الحيوي أقل تكلفةً وأقل ضررًا للبيئة مقارنةً مع الوقود الأحفوري وخاصةً بعد الارتفاع الكبير في أسعار النفط وازدياد المخاوف نظرًا لمساهمته الكبيرة في ظاهرة الاحتباس الحراري. يعبر العديد من النقاد عن مخاوفهم بشأن ازدياد الاعتماد على الوقود الحيوي بسبب التكاليف البيئية والاقتصادية المتعلقة بعمليات التكرير واحتمالية إزالة مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وإنتاج المواد الغذائية.

أنواع الوقود الحيوي

يمكننا الاعتماد على بعض أنواع الوقود الحيوي المستخدمة منذ وقتٍ طويلٍ مثل الخشب الذي يُستخدم كمادة أولية يتم حرقها لإنتاج الحرارة التي تشغل المولدات في محطات توليد الطاقة الكهربائية، إذ تقوم العديد من منشآت الطاقة المتواجدة حاليًا بحرق العشب أو الأخشاب أو أنواع أخرى من الكتلة الحيوية.

يحظى الوقود الحيوي السائل بأهمية خاصة بسبب البنية التحتية الهائلة المتاحة للاستفادة منه وخاصة تجهيزات النقل، يُعد الإيثانول الوقود الحيوي السائل الأكثر إنتاجًا ويتم صنعه بتخمير النشأ أو السكر، وتتصدر منتجيه كلٌ من البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية.

يُصنع الإيثانول في الولايات المتحدة بشكل أساسي من حبوب الذرة ثم يُمزَج مع مادة البنزين لإنتاج الغاز -وهو وقود يشكل الإيثانول 10% منه- بينما في البرازيل فيُصطنع الإيثانول بشكل أساسي من قصب السكر ويُستخدم عادةً بنسبة 100% أو يُمزج مع البنزين لتكون نسبة الإيثانول 85%.

تطورت تقنيات اصطناع الوقود الحيوي السائل ما أدى إلى نشوء الجيل الثاني أو ما يدعى بالإيثانول السليلوزي المستخرج من كتلة حيوية منخفضة القيمة وحاوية على نسبة عالية من السليلوز مثل الأخشاب ومخلفات المحاصيل والنفايات الحيوية. يُصطنع الإيثانول السليولوزي من تفل قصب السكر -نفايات ناتجة عن معالجة السكر- أو من الأعشاب المزروعة في مناطق منخفضة الجودة ثم يُضاف الإيثانول السليولوزي إلى البنزين لأن معدل تحويل الوقود الحيوي في الجيل الثاني أقل من الجيل الأول.

يُعد وقود الديزل الحيوي ثاني أكثر أنواع الوقود الحيوي السائل انتشارًا ويُصطنع من النباتات الزيتية مثل فول الصويا أو زيت النخيل وبكميات أقل من مصادر زيتية أخرى مثل فضلات طهي الدهون في المطاعم، يُستخدم هذا الوقود الحيوي في محركات الديزل ويُمزج عادةً مع وقود الديزل الأحفوري بنسب مختلفة.

استخدام الطحالب والسيانوبكتيريا مصدرًا للجيل الثالث من وقود الديزل الحيوي يبشر بالخير على الرغم من صعوبة تطويره اقتصاديًا. تُشكل الدهون 40% من وزن العديد من أنواع الطحالب ما يجعلها مصدرًا واعدًا لوقود الديزل الحيوي إذ تشير بعض التقديرات إلى أن الطحالب والسيانوبكتيريا تنتج وقودًا حيويًا أكثر بعشرة أضعاف إلى مئة ضعف من تقنيات الجيل الثاني.

تشمل أنواع الوقود الحيوي الأخرى كل من غاز الميثان والغاز الحيوي -المُستخرَج من تحلل الكتلة الحيوية بغياب الأكسجين- والميثانول والبيوتانول ثنائي ميثيل الإيتر.

الاعتبارات الاقتصادية والبيئية

يجب أخذ الطاقة اللازمة لإنتاج الوقود الحيوي بالاعتبار من أجل تقييم صحيح ودقيق لفوائده الاقتصادية. على سبيل المثال، تستهلك عملية زراعة محصول الذرة لإنتاج الإيثانول كميات مُعتبرة من الوقود الأحفوري في المعدات الزراعية وتصنيع الأسمدة وعمليات النقل وتقطير الإيثانول ما يجعل الذرة مصدرًا مكلفًا للطاقة بينما يُعد اصطناع الإيتانول من قصب السكر أقل كلفةً وتقل الكلفة في حالات استخراج الإيثانول السليولوزي والديزل الحيوي من الطحالب.

تعتمد فوائد وأضرار الوقود الحيوي البيئية على آلية اصطناعه. يُعد الوقود الحيوي مصدرًا للطاقة المتجددة إذ لا يساهم الوقود الحيوي النباتي في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ، أما من الناحية العملية فيؤدي اصطناع الوقود الحيوي الزراعي إلى انبعاثات إضافية من غازات الاحتباس الحراري التي تُلغي فوائد استخدام الطاقة المتجددة. تشمل هذه الانبعاثات كلًا من غاز ثاني أكسيد الكربون المستخدم في حرق الوقود الأحفوري أثناء عملية الإنتاج وأكسيد النيتروز الناتج عن معالجة التربة بالأسمدة الآزوتية.

يُشكل استخدام الأراضي الزراعية عاملًا رئيسيًا في تقييم فوائد الوقود الحيوي إذ إن استخدام المواد الأولية الغذائية لإنتاج الجيل الأول من الوقود الحيوي أشعل الجدل حول الغذاء مقابل الوقود إذ يؤدي استخدام الأراضي الزراعية وتحويل المواد الأولية الغذائية إلى وقود حيوي إلى ازدياد أسعار الغذاء وصعوبة توافره ما عزز التنافس على المصادر الطبيعية في العالم.

على سبيل المثال، يؤدي اصطناع وقود الديزل الحيوي إلى تدمير الغابات الاستوائية لإفساح المجال لزراعة نخيل الزيت. إن استمرار فقدان المصادر الطبيعية يلعب دورًا سلبيًا في زيادة تعرية التربة وتقليل التنوع الحيوي في مناطق الحياة البرية.

من أهم عيوب الوقود الحيوي قلة التنوع في مصادره، فهي محصورة في الذرة وفول الصويا وقصب السكر ونخيل الزيت. يتضمن أحد البدائل استخدام خليط من الأنواع المختلفة إذ يمكن أن يؤدي تحويل الأراضي الزراعية المتدهورة التي خرجت من الإنتاج إلى مصادر وقود حيوي عالية التنوع إلى زيادة مساحة الحياة البرية وتقليل التعرية وتنظيف الملوثات في المياه وامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتخزينه كمركبات كربونية في التربة ما يؤدي إلى استعادة خصوبة الأراضي المتدهورة. يمكن فيما بعد حرق هذا الوقود الحيوي لتوليد الكهرباء أو تحويله إلى وقود سائل مستقبلًا.

تستمر التجارب والنقاشات لإيجاد الطريقة المناسبة لتنمية الوقود الحيوي لتلبية جميع الاحتياجات في آنٍ واحد، ولكن من المرجح أن يستمر النمو السريع في إنتاج الوقود الحيوي. تُعد إزالة غاز ثاني أكسيد الكربون أحد الوعود المميزة للوقود الحيوي بالتعاون مع تقنية احتجاز الكربون وتخزينه. تعتمد هذه الرؤية على إزالة محاصيل الوقود الحيوي لغاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء أثناء نموها ثم تخزينه في مستودعات طويلة الأجل كالتكوينات الجيولوجية تحت الأرض أو الرواسب في أعماق المحيطات أو كمواد صلبة كالكربونات.

اقرأ أيضًا:

ثروة من نفايات الوقود الحيوي في خطوة واحدة

هل يمكن أن يكون عشب البحر العملاق المصدر التالي للوقود الحيوي؟

ترجمة: حسن دعبول

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر