عندما يفكر المرء في أفضل طريقةٍ لتخفيف القلق عادةً ما تكون الفعاليات الأولى التي تخطر في باله هي ممارسة الرياضة والتأمل. إذ تفيد تلك النشاطات في تهدئة بعض الأشخاص. لكن مع ذلك لا تعد هذه الطرق الوحيدة الفعالة في تخفيف القلق.

على مرّ السنوات السابقة، أصبحت دفاتر التلوين المخصصة للكبار، هواية مفضلة لكثير من الأشخاص الذين يبحثون عن الاسترخاء والهدوء. وقد وجد الباحثون أن التلوين قد يكون طريقةً فاعلة في تخفيف القلق وتحسين الصحة، مع أنه نشاط بسيط. وقد أكد المتخصصون على أنه طريقة سهلة لتخفيف التوتر والقلق وتفادي الاحتراق النفسي، خاصة عند دمجه مع تمارين اليقظة.

تساعد اليقظة الذهنية (Mindfulness) في تمرين التنفس على الانتباه، والتركيز لما يحدث في اللحظة الحالية، دون الاهتمام على ما قد يحدث من مشتتاتٍ للذهن أو أفكار أو أحاسيس.

يستخدم بعض الأشخاص بعض أساليب اليقظة الذهنية في أثناء التأمل لتساعدهم على الانتباه، يفيد تنظيم التنفس والتركيز عليه في البقاء بعيدًا عن مشتتات الدماغ والتفكير فقط في اللحظة الحالية.

يعمل التلوين بالطريقة ذاتها على مساعدة الناس على التركيز على الحاضر. ومن أجل ذلك، أُقيمت مجموعة من الدراسات للتأكد مما إذا كانت يقظة الذهن أثناء التلوين تساعد على تحسين صحة المرء.

أُجري في إحدى الدراسات أبحاثٌ على طلاب جامعيين حول تأثير اليقظة الذهنية في أثناء التلوين على صحتهم النفسية. ووزعوا 72 مشاركًا على مجموعتين. تلقّت إحدى هاتين المجموعين صفحةً للتلوين ووجب عليهم تركيز كامل أذهانهم على التلوين.

تضمنت تعليمات البحث إرشاداتٍ لاسترخاء الجسم، وتوجيه انتباههم وتركيزهم على فعالية التلوين والإحساس بها، وكيفية التصرف حين تغفل عقولهم عن المهمة. ولونت المجموعة الأخرى دون يقظة أذهانهم في أثناء الفعالية.

أفادت المجموعة التي أعطيت توجيهاتٍ لليقظة بعد هذه الجلسة عن شعورهم بقلقٍ أقل وتركيز أكثر بعد التلوين. لكن لم تحظَ المجموعة الأخرى التي لم تضع كامل تركيزها في أثناء التجربة بفوائد مشابهة.

يشير ذلك لفائدة اليقظة الذهنية الكاملة في أثناء التلوين في تخفيف القلق والتوتر. لم يعجب بعض المشاركين تلقيهم للأوامر في أثناء التلوين، ما أدى لتقليل فوائد اليقظة أثناء التلوين.

أجريت تجربة أخرى لدراسة تأثير استخدام مقاطع الفيديو في تعليم 35 أستاذًا في بريطانيا كيفية التلوين بكامل يقظتهم الذهنية. وُزّع المشاركون على مجموعتين. طُلب من إحدى المجموعتين اليقظة والتركيز في أثناء تلوينهم يوميًا على مدى 5 أيام. بينما استكملت المجموعة الأخرى أعمالها الأسبوعية كالمُعتاد.

أبلغ الأساتذة الذين كانوا على يقظة ذهنية في أثناء التلوين عن انخفاض مشاعر القلق لديهم، ومرونةٍ وتركيزٍ أكثر، وساعدهم على أداء نشاطاتهم المعتادة وحصدهم لأفضل النتائج.

بقيت بعض الأسئلة تجول في الخاطر بعد التجربة، عمّا إذا كانت اليقظة عند التلوين تقدم الفوائد ذاتها التي يقدمها التأمل التقليدي. من ثم، أقيمت تجربة أخرى تقارن التلوين بالتأمل.

دُرس الفرق بين اليقظة الذهنية عند التلوين، ونوع محدد من التأمل يدعى التأمل العاطفي (loving-kindness meditation). يساعد هذا النوع من التأمل على توجيه تركيز المرء على الأفكار والأماني الإيجابية والحسنة، ما يزرع الخير في نفسه ونفوس الآخرين. وقد أظهر أيضًا تحسنًا في الصحة وتقليل التوتر والقلق.

قسمت التجربة 180 مشاركًا إلى مجموعتين. أعطيت المجموعة الأولى ورقة للتلوين وتعلموا كيفية التلوين بعاطفية (loving-kindness colouring). وتعلمت المجموعة الأخرى كيفية ممارسة التأمل العاطفي.

بيّنت النتائج أن التأمل والتلوين العاطفيين ساعدا الناس بنفس القدر على تخفيف القلق وزيادة الانتباه. يدل ذلك على أن التأمل والتلوين بتركيز يعملان بشكل متساوٍ على تقليل التوتر.

التركيز واليقظة

تظهر الدراسات باختصار أن التلوين له فوائد عديدة تتمثل في الراحة وتحسين المزاج، خاصة عند تركيز كامل الذهن في أثنائه. قد يعود ذلك لفائدة اليقظة الذهنية في تذكير الناس بأهمية العيش في الوقت الحاضر وتخطي المشاعر التي تسبب لهم التوتر والقلق. وتشير دراسات أخرى إلى وجود منافع صحية أخرى للانتباه واليقظة، مثل تخفيف الآلام والأرق.

إذا أراد أحدهم تعلم ممارسة اليقظة الذهنية في أثناء التلوين، فيجب عليه أولًا إيجاد مكان هادئ ومريح خالٍ من أي مشتتاتٍ للانتباه. ويجب اختيار مواد العمل بإتقان. إذ قد يسبب وجود الكثير من الألوان بعض التشتت. تكون عادة صفحات التلوين المجردة والبسيطة مفيدةً في التركيز على نشاط التلوين نفسه أكثر من التفكير في اختيار الألوان المنطقية للأشياء، مثل الشجر والعيون.

ويجب على المرء مراقبة أفكاره في أثناء التلوين. إذا سرح في خياله أو ظهرت أفكارٌ ومشاعرٌ أخرى، عليه أن يتركها ببساطة. ويعيد تركيزه لعملية التلوين وحركات يديه. يتعلق الأمر بالوجود في الوقت الحاضر، فإذا أحس المرء بتشتت تفكيره عليه أن يترك تلك الأفكار ويعود للتلوين من جديد.

إذا كان الشخص غير مهتم بالتلوين، بيّنت الدراسات أنه يمكن دمج اليقظة الذهنية والتركيز في مجال واسع من النشاطات الأخرى مع تحقيق الفوائد ذاتها على العافية والصحة النفسية. على سبيل المثال يساعد كل من الرسم والحياكة الناس على تخفيف توترهم. ويفيد أيضًا أداء المهام المنزلية بكامل التركيز والانتباه مثل غسيل الأطباق. ويقلل المشي أيضًا من التوتر والقلق.

لتلك النشاطات رغم سهولتها وأنواعها المتعددة تأثير إيجابي على صحة المرء ووجوده في اللحظة الحالية عند ممارستها بتركيز وانتباه.

اقرأ أيضًا:

هل نمارس التأمل الواعي بطريقة صحيحة؟

التأمل اليومي قد يبطئ تشيّخ الدماغ

ترجمة: رهف وقّاف

تدقيق: غفران التميمي

المصدر