كما لو أن هذه السنين من الإرهاب والحرب لم تكن كافية لإثارة رعب الناس في سوريا، التي باتت تشهد الآن أحد الأمراض المتفشية وهو ما يُطلق عليه الليشمانيا «leishmaniasis» أو الداء الآكل للحم (نتيجة لوجود تقرّحات جلدية عميقة قد تمتدّ للنسيج الداخلي، فتظهر وكأن هناك قضمة أخذت من جسم المريض)، إن هذا المرض الذي يصيب الجلد في الحقيقة ليس بآكل للحم، بالرغم من وجود بعض الأنواع في البرازيل وأجزاء أخرى من أمريكا الجنوبية المعروفة بالليشمانيا آكلة اللحم. وتعتبر ذبابة الرمل «Sandfly» الناقل للمرض إثر تغذّيها على الدم ونقل الإصابة من شخص إلى آخر، فيدخل الطفيلي إلى مجرى الدم ثم يصيب الخلايا البلعمية (الأكولة) «Macrophage» المناعية التي تعتبر الخط الدفاعي الأولي للجهاز المناعي في التخلص من الأجسام الغريبة والدخيلة على جسم المريض، ثم تتسبّب في انتقال هذه الخلايا إلى الغشاء الطلائي المخاطي حول منطقة الأنف والفم، وهناك يقوم الجهاز المناعي بمهاجمة الطفيلي مما يتسبب بدمار كبير للمنطقة تاركًا علامات لا تزول على وجه المصاب. في أماكن اخرى كالهند؛ فإن هناك نوع أخر من طفيلي الليشمانيا يصيب الكبد والطحال، حيث يتضخّم العضو المصاب بشكل كبير ثم ينتج الموت نتيجةً لتلف هذه الأعضاء الحيوية، وهو ما يُعرف بالليشمانيا الإحشائية.

حيث وضّح رئيس الهلال الأحمر الكردي في سوريا بأن المشكلة تصبح أسوء بكثير، نتيجة لنشاطات الدولة الإسلامية وتركهم للجثث تتعفن في الشوارع، ولكن إعزاء السبب الرئيسي إليهم في انتشار المرض يعتبر نوعًا ما غير دقيق، وذلك لإن الليشمانيا في الحقيقة من الأمراض المستوطنة في سوريا لعدة قرون، وقد عُرفت في السابق بـ”حبة حلب”. كما أن ذبابة الرمل لا تتغذّى على الأجسام الميتة، إذ إنها تحتاج لامتصاص الدم من الضحية، وبذلك فإن إعزاء انتشارها بشكل مباشر للدولة الإسلامية يتعبر غير صحيح، ومع ذلك فإن الأحداث السياسية في سوريا ووجود الإرهاب أدّى إلى تدهور الوضع الصحي والرعاية الطبية بشكل عام؛ وبالتالي انتشار هذا المرض بشكل واسع.

اليوم، هناك ما يقرب 1.3 مليون مصاب بالليشمانيا حول العالم في المناطق المدارية والمناطق شبه المدارية. في أغلب الحالات تكون الإصابات جلدية كالتي في سوريا. إن طبيعة المرض الذي ينتشر في المناطق الفقيرة حول العالم نظرًا لفقدان المقومات الصحية فيها، الأمر الذي لا يجلب الكثير من الانتباه من أجل تطوير علاجات جديدة أو لقاحات. إلّا أنه يوجد أكثر من علاج لليشمانيا، وبعض الأنواع يمكنها التخلص من المرض نهائيًا في جسم الانسان، ولكن لا زال العلماء متحيرين في أفضل علاج لليشمانيا الجلدية من الأنواع الأربعة المعروفة؛ وذلك نظرًا لآثارها الجانبية الخطيرة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. إن أفضل علاج لليشمانيا الجلدية هو مجموعة الامفوتريسين «Amphotericin» والذي تظهر فعاليته الكبيرة بعد عدة حقنات في التخلّص من المرض، ولكنه هو الآخر لا يخلو من الآثار الجانبية كالحمى والصداع والتقيؤ. بينما تستغرق العلاجات القديمة عدة أسابيع لتظهر نتائجها. فحين أُصيب مقدم البرامج التلفزيونية المغامر بين فوغل «Ben Fogle» بالليشمانيا الجلدية؛ فقد خضع لعلاج يحتوي على عنصر الانتيموني «Antimony» السام، الذي جعله يشعر بالمرض الشديد ويرقد في الفراش ويخسر الكثير من وزنه قبل أن يشفى من المرض.

كما أن هناك بعض المخاوف من انتشار الإصابات في أوروبا نتيجة لوصول بعض اللاجئين المصابين بالليشمانيا، إلّا أنه لا يوجد ما يدعو للقلق؛ فذباب الرمل -وليس المصاب- هو من ينقل المرض، وكذلك فإن طبيعة الأجواء الباردة في أوروبا لا تترك فرصة لنجاة الذبابة وتكاثرها. ومن الجدير بالذكر أن الليشمانيا الإحشائية مستوطنة في بعض الأماكن جنوب أوروبا مثل إسبانيا وإيطاليا وجنوب فرنسا. لكن كما يبدو بأن هذا المرض لا يظهر إلّا لدى الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة كالمصابين بالايدز. الأمر الذي يسلّط الضوء على كون الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المزدهرة ذوي التغذية الجيدة والمقوّمات الصحية المناسبة؛ أقل عرضةً لخطر الإصابة بالليشمانيا. كما يجب أيضًا الأخذ بعين الاعتبار أن الأنواع المختلفة من ذباب الرمل مسؤولة عن نقل أنواع مختلفة من الطفيليات، فالذبابة التي تنقل الليشمانيا الإحشائية لا يمكنها أن تنقل الليشمانيا الجلدية من الأشخاص اللاجئين. وبالطبع هناك وجود لذبابة الرمل التي تنقل الليشمانيا الجلدية في جنوب أوروبا إلّا أنها قليلة جدًا، ولكن تركيا قد تكون معرضةً بشكل أكبر لانتشار الإصابات.

إن الاهتمام بالأمراض الخطيرة والمتفشيّة ليس بالأمر الجديد؛ ففي العام الماضي شهدت المطارات في أوروبا وجود الكثير من اللافتات للتحذير من فيروس الايبولا، وخضع الأشخاص القادمين من غرب افريقيا للفحوصات الفورية للتأكّد من عدم وجود الفيروس أو أعراضه. ولكن يجب التعامل بحذر مع التنبيه من انتشار الأمراض في البلدان المتطوّرة حيث الرعاية الصحيّة وبرامج الصحة العامة متمكّنة من منع المرض وعلاجه في حالة وجوده، حتى في الحالات التي يمكن لهذه الأمراض أن تنتشر من خلالها. بالإضافة إلى القدرة الكبيرة على علاج المصابين التي تخلق الفرصة المناسبة لرعاية اللاجئين المصابين اعتمادًا على الظروف السابقة الذكر التي ستمنع الليشامنيا من إصابة الأشخاص الآخرين وطبيعة التغذية الجيدة للاوربيين؛ فإن المخاوف من انتشار هذا المرض غير منطقية.

هذا المقال مقتبس من الحوار الذي أجرته مجلة «The Conversation» مع الدكتور مايكل باريت «Michael Barrett» البروفيسور في مجال الكيمياء الحيويّة للطفيليات من جامعة جلاسكو University of Glasgow، حول انتشار الليشمانيا في سوريا.


المصدر