التقطت نتائج اصطدامٍ ملحمي بين نجمين أحدهما نجم نيوتروني على الأقل، لأول مرةٍ في نطاق المليمتر من الأطوال الموجية للتردد الراديوي.

النتيجة عبارة عن تسجيل انفجار أشعة غاما قصيرة الأمد؛ وهي واحدةٌ من أكثر الانفجارات المرصودة حتى الآن طاقةً، وواحدةٌ من ألمع التوهجات اللّاحقة التي قد رأيناها حتى هذه اللحظة.

يمكن أن تساعد البيانات العلماء على معرفة المزيد حول هذه الأحداث المتطرفة، وتأثيرها في الفضاء المُحيط بها.

توجد فترةٌ زمنيةٌ مذهلةٌ لهذا الحدث، فالضوء الذي يبدو أنه قد سافر من 6 إلى 9 مليار سنةٍ ضوئيةٍ عبر الكون، لكي يُلتَقط بواسطة مصفوفة أتاكاما الضخمة في نوفمبر من عام 2021.

يقول وان فاي فونغ وهو فيزيائي من جامعة نورث ويسترن: «هذا الانفجار القصير لأشعة غاما هو محاولتنا الأولى لرصد حدث كهذا في مرصد ألما».

من الصعب جدًا الحصول على وهجِ ما بعد الانفجارات القصيرة لذلك فإنه من المدهش رؤية هذا الحدث وهو يُشع بضوءٍ ساطع.

بعد العديد من السنوات من رصد هذه الانفجارات، فإن هذا الاكتشاف المفاجئ يفتح آفاقًا جديدةً للدراسة، ويحفزنا لرصد المزيد منها في مرصد ألما، وغيرها من المصفوفات التلسكوبية في المستقبل.

الرشقات من أشعة غاما هي أقوى الانفجارات المعروفة في الكون. في غضون 10 ثوانٍ فقط، انفجار أشعة غاما يمكن أن يبعث طاقة أكثر مما تبعثه شمسنا في 10 مليارات سنة.

وهذه الرشقات مهمة، كما رأينا في أول تصادم لنجم نيوتروني لوحظ على الإطلاق. لأنه في انفجارات كهذه تتشكل العناصر الثقيلة مثل الحديد وتُقذف إلى الكون.

نحن نعلم أن تصادمات النجوم النيوترونية تنتج نوعًا من رشقات أشعة غاما تُعرف باسم رشقات أشعة غاما قصيرة الأمد، وهي تدوم لأجزاء من الثانية، وتُخلف وهجًا ساطعًا عندما يصطدم المقذوف من الانفجار، ويتفاعل مع الغاز في الوسط بين النجمي. وعادةً لا تُرصد هذه الرشقات في الأطوال الموجية الراديوية، ما يُشكّل صعوبةً في تفسيرها.

أوضح عالم الفيزياء الفلكية تانومي لاسكار من جامعة رادبود في هولندا: «هذه الانفجارات تحدث في مجرّاتٍ بعيدةٍ، ما يعني أن الضوء القادم منها قد يكون خافتًا قليلًا لمرصدنا على الأرض. إذ قبل مرصد ألما، كانت المصفوفات المليمترية غير حساسة بشكل كافٍ لرصد هذه التوهجات».

بسبب كون هذا الحدث المسمى GRB 21116A بعيدًا جدًا، كان غير قابلٍ للرصد بأجهزتنا الفلكية الحالية لموجات الجاذبية.

التقطت ناسا أشعةً سينيةً نشطةً مرافقةً للانفجار القصير بواسطة رصد نيل جيريلز سويفت.

ومع ذلك، فإن المجرّات البعيدة كالمجرة المضيفة لـ GRB 211106A غيرُ قابلةٍ للرصد بالأطوال الموجية للأشعة السينية. والغبار في المنطقة يعني أن أشعة هابل البصرية لم تكن أفضلَ في تحديد المصدر.

ولهذا السبب، فإن العلماء الذين يعملون فقط على الأشعة السينية اعتقدوا أن موقع الانفجار كان قريبًا نسبيًا، لذلك توجهوا الى ألما. كانت تلك أول مرة تُستخدم فيها الموجات المليمترية لمحاولة الرصد، وتسجيل حدث انفجارِ أشعةِ غاما .

قال لاسكار: «كشفت ملاحظات هابل حقلًا من المجرات لا يتغير».

وأردف قائلًا: «إن حساسية ألما التي لا تُضاهى قد مكنتنا من تحديد موقع انفجار أشعة غاما في هذا المجال بدقةٍ أكبر. إذ تبيّن أنها مجرة أخرى خافتةٌ وبعيدةٌ جدًا. هذا بدوره يعني أن انفجار أشعة غاما قصير الأمد هو أقوى مما توقعنا في البداية، ما يجعلها من أكثر الانفجارات سطوعًا وطاقةً على الإطلاق».

عندما تصطدم النجوم النيوترونية، فالنتائج ستكون مبهرةً. إذ إن الانفجار يكون مصحوبًا بتدفقاتٍ من المواد التي تنفجر إلى الخارج بنسبةٍ مئويةٍ معينةٍ من سرعة الضوء.

إذا كنا محظوظين فإن هذه التدفقات تُوجّه بطريقةٍ تجعل أحدها موجهًا بدرجة كبيرةٍ أو قليلةٍ نحونا، عندها نرى التدفق في شكل انفجار أشعة غاما.

رصد الطول الموجي بالمليمتر سمح للباحثين بقياس بعض خصائص GRB 211106A، وبالتحديد الزاوية الأولى التي انطلقت منها شرارةُ الانفجار، التي يمكن استخدامها للاستدلال على معدلات انفجارات أشعة غاما الشمسية في الكون، وقياس طاقة الانفجار بدقةٍ.

قالت عالمة الفلك جينفيف شرودر من جامعة نورث ويسترن: «الأطوال الموجية المليمترية يمكنها أن تخبرنا عن كثافة البيئة المحيطة بمنطقة الانفجار. وعندما تندمج مع الأشعة السينية يمكنها إخبارنا عن الطاقة الفعلية للانفجار.

وذلك لأن الانبعاث بمدى الأطوال الموجية المليمترية يمكن رصده لفترة أطول من الأشعة السينية. ويمكن أن يُحدد الانبعاث المليمتري أيضًا عرض نفثة انفجار أشعة غاما».

وجد الباحثون أن انفجار GRB 211106A يمتلك خصائص غير معتادةٍ، سواءٌ في مجرته المضيفة، أو حالته النشطة.

وهذا يشير في نهاية المطاف إلى وجود تنوع كبير في خصائص انفجار أشعة غاما النجمية مما هو معروفٌ حاليًا؛ ذلك يعني أن المراقبة والتصنيف المستمر لهذه الأحداث هو أمر مُبَّرَر.

لذا، قد تكون هذه أول غارةٍ مليمترية من هذه الانفجارات المذهلة ومن غير المحتمل أن تكون الأخيرة.

يقول فونغ: «ألما يتجاوز حدوده في الأطوال الموجية المليمترية ويسمح لنا برؤية التحركات الخافتة في الكون، عن طريق هذا النوع من الضوء، وذلك لأول مرة».

وأردف قائلًا: «بعد عقدٍ من مراقبة انفجارات أشعة غاما قصيرة الأمد، يبدو أمر استخدامنا لقوة هذه التكنولوجيا الجديدة مدهشًا. فهي تساعدنا في فهم أسرار الكون العميقة».

اقرأ أيضًا:

رصد أشعة غاما غريبة مصدرها جسم قريب من الأرض!

اكتشاف مجرة جديدة تدور منذ نشأة الكون

ترجمة: مصطفى عبدالعظيم

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر