كان يعتقد عند بداية ظهور العملات المشفرة مثل البيتكوين أنها ستسخدم في هيئة أموال رقمية فقط، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى استثمارات مضاربة، عدا عن خصائصها السلبية مثل هدرها الكثيف للموارد وتقلباتها المستمرة في الأسواق. شهدت الأشهر الستة الأخيرة انخفاضًا في أسعار كبرى العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم بأكثر من 55% من قيمتها، ما دعا البعض إلى المناداة بضرورة تنظيم العملات المشفرة لاحتواء تقلباتها السريعة.

يلوم البعض في انخفاض الأسعار الحاصل عملة مشفرة بعينها تسمى تيرا، إذ يفترض أنها مرتبطة بالدولار الأمريكي وانهيارها سيؤثر بطبيعة الحال في سوق العملات المشفرة، في حين ينسب البعض الآخر انهيار سوق العملات الحالي إلى مزيج من الأسباب المتعددة.

لسنوات عديدة، كانت أسعار الفائدة تقترب من الصفر، ما جعل الاستثمار في السندات المصرفية وسندات الخزانة غير مرغوب به، في الوقت الذي ازدادت فيه جاذبية الاستثمار بالعملات المشفرة والرموز الرقمية غير القابلة للاستبدال NFTs. الجدير بالذكر أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا أقرا مؤخرًا زيادة أسعار الفائدة بأعلى نسبة منذ عام 2000.

أدى استمرار جائحة كوفيد 19 بالتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة تقلبات السوق أيضًا.

أُسست بيتكوين في البداية لتكون غير معنية بالحكومات أو البنوك، إلا أن المستثمرين لم يكونوا كذلك، فكانوا يخففون من مصادر الخطر المحدقة بمحافظهم المالية وذلك بتخلصهم من عملاتهم المشفرة.

كيف تؤثر خسائر العملات المشفرة في تحسن المناخ؟

تستهلك البيتكوين وحدها ما يقارب 118.47 تيرا واط من الكهرباء المنزلية في السنة، ما يفوق استهلاك الثلاجات المنزلية في الولايات المتحدة مجتمعة، ويعد تعدين البيتكوين طريقةً ممنهجة لإهدار الطاقة، إذ تتضمن عملية التعدين أجهزة حاسوبية مخصصة تأخذ لقطات عشوائية باستمرار لتخمين سلسلة رقمية طويلة. يشار إلى الطاقة الحاسوبية المستهلكة في عملية التعدين بمعدل تجزئة الشبكة.

إذا انخفض معدل التجزئة لأي سبب من الأسباب، سواء أكان بسبب انقطاع التيار الكهربائي أم انخفاض الأسعار، تُعدل صعوبة عملية تخمين سلسلة الأرقام بهدف ضمان قدرة الشبكة على العثور على رابح جديد كل عشر دقائق. يحصل الرابح بعد ذلك على فرصة للتحقق من المعاملات التي تعالجها الشبكة ويُمنح 6.25 عملة بيتكوين معدنة حديثًا.

تعتمد ربحية عملية تخمين سلسلة الأرقام على المبلغ الذي دفعته شركة التعدين لإعداد حواسيبها والطاقة اللازمة لتشغيلهم. أشارت الأبحاث مؤخرًا إلى أن الصين فرضت قيودًا صارمة بشأن عمليات تعدين البيتكوين في أغسطس 2021، بعدما زادت كثافة الكربون الناجم عن عملية التعدين بنحو 17%، مع استخدام 25% فقط من معدّني البيتكوين لمصادر الطاقة المتجددة مقابل اعتماد أكثر من 60% منهم على الفحم والغاز الطبيعي بحسب التقديرات، في حين زعم مجلس تعدين البيتكوين في مسحه الذي ضم ما يقرب من نصف معدّني البيتكوين في الربع الأول من 2022 أن إجمالي استخدام الطاقة المتجددة في عملية التعدين بما فيها الطاقة النووية وصل إلى 58%.

يزداد هدر شركات التعدين للأموال المصروفة على الكهرباء بازدياد سعر العملة المشفرة التي تعدنها، بل قد تفوق التكاليف قيمة العملة أحيانًا. نظريًا، يجب أن يقل الحافز لإهدار المال والطاقة اللازمين لتعدين البيتكوين بانخفاض سعرها، ما سيؤثر إيجابًا في المناخ. المدهش في الأمر أن معدل تجزئة الشبكة والبصمة الكربونية ما تزالان قريبتين جدًا من أعلى مستوياتهما على الإطلاق، والذي يبلغ نحو 200 كوينتيليون تجزئة في الثانية وسطيًا. يبدو أن تعدين البيتكوين بأسعارها الحالية ما يزال مربحًا نظرًا إلى حجم الاهتمام المستمر بها، لكن يبقى السؤال إلى متى؟

نقطة التحول ودوامة الانهيار

انخفضت قيمة البيتكوين مؤقتًا إلى ما دون التكلفة اللازمة لتعدينها عدة مرات من قبل، دون حدوث ضرر كبير وطويل المدى لمعدل التجزئة، لكن إذا استمر ركود سوق العملات المشفرة مدةً طويلة، سنرى العديد من معدني العملات المشفرة يقلعون عن الأمر.

قد يلجأ معدّنو عملة البيتكوين ذوي المعدات والتكاليف العالية إلى بيع ممتلكاتهم من العملة مع انخفاض ربحية تعدينها، ما سيخلق المزيد من تقلبات البيع في السوق. تبدو فكرة الإقلاع المؤقت عن التعدين مقنعةً نوعًا ما بالنسبة للمعدّنين الأصغر الذين يستخدمون الطاقة المتجددة في عملياتهم.

قد يتسبب تأثير الدومينو نتيجةً لإغلاق شركات التعدين الكبرى الواحدة تلو الأخرى في انخفاض أسعار العملات المشفرة وانبعاثات الكربون بوتيرة متسارعة.

يطلق على هذا الحدث في عالم العملات المشفرة اسم دوامة انهيار البيتكوين.

يوجد عدة نقاط تحول أخرى يجب مراعاتها بجانب معضلة أسعار تعدين البيتكوين، ألا وهي ورطة كبار المستثمرين نتيجةً لشرائهم البيتكوين بأسعار عالية.

بحسب بعض المصادر، رفع الرئيس السلفادوري «نجيب بقيلة» إجمالي احتياطي بلاده من عملة البيتكوين إلى نحو 2300 عملة، ما يساوي 72 مليون دولار أمريكي بحسب سعر البيتكوين عند كتابة هذا المقال. تستدعي خسائر السلفادور في البيتكوين المخاوف من تخلف البلاد الوشيك عن سداد ديونها، الأمر الذي سيتسبب بخسائر كبيرة لأولئك الذين لا سلطة لهم على المقامرة التي يخوضها رئيس البلاد.

حظر البيتكوين أو مقاطعتها

استفاد مطورو العملات المشفرة وشركات التعدين من عدم الاستقرار الاقتصادي وغياب اللوائح التنظيمية وسهولة الوصول إلى مصادر الطاقة الرخيصة سابقًا، إضافةً إلى تسعيرهم للموارد التي يستخدمها السكان المحليون لأغراض إنتاجية أيضًا. تميل هذه المجتمعات عمومًا إلى مواجهة أزمة المناخ الحادة، التي تساهم فيها عملية تعدين العملات المشفرة.

تسعى الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى أن تبدو حريصة على أن تحتل العملات المشفرة مكانها في النمو الاقتصادي، إلى أن انهيار سوق العملات أوضح أن البيتكوين عديمة الفائدة في عمليات التبادل المالي ولا يمكن الاعتماد عليها بصفتها استثمارًا آمنًا لا يخسر قيمته.

في أعقاب الأزمة المالية بين عامي 2008 و2010، وعدت الحكومات بفرض قيود صارمة على الأدوات المالية غير الموثوقة ذات التقييمات الوهمية. يمكن عد الإجراءات الصارمة المتخذة بشأن العملات المشفرة اليوم مفيدةً للمناخ العالمي واستقرار الاقتصاد، لكن إن لم تكن جهود التنظيم البيئي على مستوى عالمي وكاف من التنسيق وتضافر الجهود، فقد تستمر الأذية المناخية التي تسببها العملات المشفرة وعمليات تعدينها.

اقرأ أيضًا:

هل تقضي البيتكوين على البنوك المركزية؟

هل تحتاج البنوك المركزية إلى عملة رقمية؟

ترجمة: ذوالفقار مقديد

تدقيق: نور عباس

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر