بسبب التطور الكبير في مجالهم، يتسابق علماء الأحياء الفلكية في إيجاد أفضل السبل لمناقشة الاكتشافات الخارقة المحتملة مع العالم. يقول بعض كبار علماء الأحياء الفلكية إنه قريبًا سنكون قد وجدنا أدلة مقنعة على وجود حياة خارج كوكب الأرض. وربما سيمتد احتمال وجودها إلى حواف الكون المرصود وإلى ما هو أبعد حتى مما نستطيع رصده.

قد تأتي مثل هذه الإجابات بحلول نهاية ثلاثينيات القرن الحالي عبر العديد من المشاريع التي تهدف إلى البحث عن الحياة الفضائية.

بحلول ذلك الوقت، ستكون عينات من المريخ قد وصلت إلى الأرض، وقد تحتوي على أدلة قوية على أن الكوكب الأحمر كان يؤوي كائنات حية فيما مضى، وهل لا تزال موجودة اليوم؟

ستؤدي المركبات الفضائية الموجودة على قمر المشتري يوروبا وعلى قمر زحل تيتان مهمة البحث عن علامات ربما ستفيد في معرفة احتمال وجود الحياة في المحيطات الجوفية في هذه الأقمار، أو حتى في السطح نفسه، في حالة تيتان.

تحلل التلسكوبات المتقدمة الموجودة على الأرض وفي الفضاء الغلاف الجوي للكواكب الخارجية، التي يُحتمل أن تكون صالحة للسكن، وحول النجوم القريبة منا، وذلك للبحث عن مزيج غازي يشارك نفس خصائص الغلاف الجوي للأرض المليء بالأحياء.

رغم ثقة علماء الأحياء الفلكية في أن سعيهم قريبًا سيؤتي ثمارهُ، فإنهم غير واثقين حول كيفية إخبار الناس عن متى وكيف استطاعوا تحقيق ذلك؟

كيف يمكن إبلاغ العالم بأننا لسنا وحدنا حقًا في هذا الكون؟ لا سيما في وجود تاريخ حافل ومضطرب من الادعاءات الكاذبة؟ إذ تعرض الناس للخداع من قبل.

في أكتوبر الماضي في مجلة Nature، توصلت مجموعة من العلماء إلى حل للتعامل مع هذه المشكلة.

اقترحت المجموعة بقيادة كبير العلماء في وكالة ناسا جيمس جرين إطارًا جديدًا للمساعدة في التحقق ثم الإبلاغ عن اكتشاف البصمات الحيوية خارج كوكب الأرض، مثل مقياس تورينو لتقييم خطر الكويكبات.

الفكرة هي استخدام مقياس من المستوى 1 حتى 7، يحدد معيار الثقة بشأن الحالة. ويُعرف باسم «مقياس الثقة في اكتشاف الحياة الفضائية» (CoLD)، إذ يعكس المستوى 1 تأكيد أن النتائج ليست مشوهه أو مرتبطة ببعض الأصول غير الأحيائية.

في حين يمثل المستوى 7 ملاحظات متابعة قوية تعزز الارتباط بوجود الحياة. يقول غرين: «هذه الأمور معقدة، لكننا نحتاج حقًا إلى معايير أو وسائل متبعة، لإبلاغ هذه الاكتشافات للناس ببساطة».

نعلم بوجود تاريخ من الأخبار التحذيرية المغلوطة، للإعلان عن اكتشاف وجود الحياة خارج الأرض، منها مثلًا ما حدث عام 1996، عندما أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عن اكتشاف نيزك من المريخ يسمى ALH84001.

بدا أن هذا النيزك يحمل علامات وجود الحياة، إذ قال الرئيس في خطاب: «إذا أُكد هذا الاكتشاف، فسيكون بالتأكيد أحد أكثر الأفكار المذهلة عن كوننا التي اكتشفها العِلم على الإطلاق».

لكن النتيجة لم تتأكد، إذ أظهر التحليل غياب الدليل المبدئي على وجود حياة مريخية. لحسن الحظ، ظل التصور العام الإيجابي للبيولوجيا الفلكية سليمًا نسبيًا.

مع ذلك، فإن تكرار هذا الحدث قد يكون له عواقب وخيمة.

يقول ستيفن ديك، كبير مؤرخي ناسا سابقًا: «لدينا اليوم وسائل التواصل الاجتماعي، لذا فإن الشائعات والمعلومات الخاطئة ستنتشر كالنار في الهشيم».

في الآونة الأخيرة، كان الاكتشاف المفترض لفوسفين الغلاف الجوي على كوكب الزهرة، وهو غاز ذو بصمة حيوية محتملة، يشمل العديد من الإشارات إلى أصول بيولوجية، لكن هذا الاكتشاف نفسه أصبح موضع تساؤل منذ ذلك الحين.

المزيد من الأفكار الغريبة، مثل الاقتراح القائل بأن الكائن بين النجمي «أومواموا» المكتشف في نظامنا الشمسي عام 2017 ربما كان مركبة فضائية غريبة وليس كويكبًا أو مذنبًا، قوبلت هذه الفكرة بازدراء واسع النطاق من العلماء ما قد يضعف الثقة في اكتشافات حقيقية للحياة خارج الأرض.

يقول غرين: «قد يمنع المقياس الجديد العلماء من ازدراء الاكتشافات بتلك الطريقة، لأن أي ادعاءات واهية لن تجتاز الاختبارات الصارمة التي يفرضها المقياس».

يُعد تحديد كيفية التعامل مع الاكتشافات الحقيقية للبصمات الحيوية موضوعًا يدرسه علماء آخرون أيضًا.

في يوليو الماضي، التقى العلماء افتراضيًا في ورشة عمل معايير الأدلة لاكتشاف الحياة، بقيادة شبكة ناسا لاكتشاف الحياة، ومؤسسة علوم نظم الكواكب الخارجية، لمناقشة فكرة إنشاء إطار يشبه إلى حد بعيد «مقياس الثقة»، إذ شارك مئات العلماء فيه، وفضّل الكثيرون بروتوكولات اتصالات أكثر صرامة.

يقول الرئيس المشارك لورشة العمل هيذر جراهام من مركز جودارد لرحلات الفضاء: «إن احتمال وجود نوع من اكتشاف الحياة خارج الأرض أصبح كبيرًا، ونريد أن نتقدم في ذلك».

إذا اعتمد العلماء مقياس الثقة، فستكون أول خطوة من مستوياته السبعة هي الاكتشاف الفعلي للتوقيع الحيوي المحتمل.

ثم سيحتاج العلماء إلى استبعاد التشويش من النتائج قبل توضيح كيف قد تكون الإشارة بيولوجية أصلًا.

يجب بعد ذلك استبعاد المصادر غير البيولوجية، باكتشاف إضافي مستقل لبصمة حيوية مماثلة، إذ نحتاج إلى المزيد من الملاحظات لاستبعاد الاحتمالات غير البيولوجية.

وأخيرًا، إظهار ملاحظات لمراقبة أمثلة أخرى للنشاط البيولوجي في البيئة ذاتها، ما يجعل الاكتشاف في المستوى 7، دليلًا حاسمًا على وجود حياة فضائية.

جزء من أمل وجود الحياة الفضائية هو أن يوافق المجتمع العلمي عمومًا على استخدام مثل هذا المقياس، وقد توافق وكالات مثل ناسا أيضًا على ذلك، ما يساعد في الإجراءات المستقبلية لتلك المهام.

يقول غرين: «إذا كنا عالقين في المستوى 4، ونظن أنه يمكننا الانتقال إلى المستوى 6 بمهمة أخرى، فأنا أرغب في دعم ذلك المقياس».

فور أن يصبح استخدام المقياس معتمدًا، بوسع مراجعي المجلات العلمية وغيرها من المنصات الإعلامية أن يطلبوا من المؤلفين تضمينه في أي ادعاء باكتشاف البصمات الحيوية.

من الأمور التي ناقشتها ورشة العمل: كيف يمكننا تحفيز الناس على استخدام هذا المقياس؟ تقول فيكتوريا ميدوز من جامعة واشنطن: «المحصلة النهائية هي أنه إذا لم يكن لدينا مثل هذا المقياس، فلن يستخدمه أحد».

تستند الدعوة إلى مثل هذا النهج إلى احتمال أن أي اكتشاف أولي للحياة الفضائية قد يكون غامضًا، وليس ضروريًا أن يكون دليلًا واضحًا للغاية على وجود حياة فضائية بعد عقود من البحث.

لذا فإن عمليات البحث الأدق التي بنيت على أدلة ظرفية تأتي في المقدمة. في أكتوبر من هذا العام، مثلًا، زوي هافلينا طالبة الدكتوراه في معهد نيو مكسيكو للتعدين والتكنولوجيا، كانت جزءًا من فريق ممول من وكالة ناسا سافر إلى جدران الكهوف في جبال أبيناين الإيطالية لجمع ودراسة عينات من الجبس، الذي يرتبط أحيانًا بالنشاط البيولوجي وقد يكون موجودًا على المريخ. تقول هافلينا: «قد يكون «الجبس على المريخ» مشابهًا لما نراه في أنظمة الكهوف هذه».

في مكان آخر على سطح المريخ، تجمع مركبة بيرسيفيرينس التابعة لوكالة ناسا عينات صخرية للعودة إلى الأرض أوائل عام 2030، التي قد تحتوي أدلة على وجود حياة مريخية.

يقول غرين: «إن أولى مهماتها كانت في الواقع شم جو المريخ، لمعرفة هل الهواء الرقيق حول العربة الجوالة يحتوي على غاز الميثان أم لا».

لقد وجدت البعثات السابقة -إضافةً إلى التلسكوبات على الأرض- دليلًا على حدوث انفجارات عرضية للغاز تخترق الغلاف الجوي للمريخ.

يضيف: «على كوكبنا، يُجدد الميثان بواسطة النشاط البيولوجي، قد تكشف عينات برسفيرنس هل ينطبق الأمر ذاته على المريخ؟ حاليًا، على مقياس الثقة، يُصنف الميثان على المريخ عند المستوى 4».

لكن إذا وجدنا أن عينات برسفيرنس لا تحتوي فقط على الميثان، لكن أيضًا الميثان الغني، وهو أحد نظائر الميثان يحتوي الكربون 12، فقد يتغير ذلك.

يقول غرين: «الحياة تحب الكربون 12، إذا كان كل الميثان في هذا الأنبوب من الكربون 12، فسيرتفع مستوى المقياس درجة إضافية».

الخطوة التالية هي الطيران عبر سطح المريخ بطائرة دون طيار، بهدف تخزين أكبر قدر ممكن من غاز الميثان من مصدر تمكن دراسته مباشرة.

بعيدًا عن كوكب المريخ، يُعد كل من يوروبا وتيتان مواقع واعدة للبحث عن الحياة بسبب محيطاتهما الجوفية الواسعة، وفي حالة الأخير، الغلاف الجوي السميك وبحيرات الهيدروكربون السائلة.

من المرجح أيضًا أن يتطلب الأمر التحليل الدقيق لأي دليل يعثر عليه من القمرين.

ستدرس أوروبا مهمة كليبر التابعة لناسا اعتبارًا من عام 2030 وبعثة وكالة الفضاء الأوروبية إكسبلورر سنة 2031، في حين سيستضيف تيتان طائرة بدون طيار آلية تسمى طائرة التنين التابعة لناسا، بحلول منتصف عام 2030.

مادلين غارنر، الباحثة في جامعة ولاية مونتانا، تبحث حاليًا هل يمكن تصميم أداة لرحلات الفضاء الروبوتية التي قد تحدد وجود الحمض النووي والحمض النووي الريبوزي في هذه العوالم الغريبة وغيرها.

تقول غارنر: «لا يوجد حاليًا مصدر غير حيوي معروف للحمض النووي والحمض النووي الريبوزي».

قد يوفر بحثها في تقنية المسام النانوية ذات الحالة الصلبة، المستخدمة حاليًا في محطة الفضاء الدولية لتسلسل الحمض النووي، قدرة اكتشاف هائلة للمسبارات الفضائية. وتضيف: «إذا وجدنا الحمض النووي أو الحمض النووي الريبوزي، فسنعلم أن هذه هي الحياة».

بعيدًا عن نظامنا الشمسي، يستعد العلماء لعصر جديد من دراسات الكواكب الخارجية التي قد تكشف عن أدلة مبدئية لوجود حياة في عوالم أخرى.

في وكالة الفضاء الأوروبية، يجري العمل على قدم وساق على مهمة عبور الكواكب وتذبذبات النجوم «بلاتو» المقرر إطلاقها سنة 2026، التي ستسعى للعثور على كواكب شبيهة بالأرض تدور حول نجوم شبيهة بالشمس.

يقول هايكا راور، رئيس معهد أبحاث الكواكب في مركز الفضاء الألماني: «ليس لدينا اكتشاف واضح لكوكب صخري في ما يسمى المنطقة الصالحة للسكن حول النجوم الشبيهة بالشمس». تهدف بلاتو إلى معالجة ذلك.

يقول راور: «الحالة المثلى هي اكتشاف توأم حقيقي للأرض: كوكب يشبه الأرض في كتلته وحجمه وبعده عن شمسه».

إذا عُثر على مثل هذا الكوكب، فإن تلسكوبات الرصد المدارية المتطورة التي تُجهَّز حاليًا، خارج نطاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا، المقرر إطلاقها في ديسمبر من عام 2021، يمكنها فحص هذه الكواكب بدقة.

قد تشمل هذه التلسكوبات مشروعًا بمليارات الدولارات، جزءًا من خطط ناسا الآن، وربما يُطلق في أربعينيات القرن الحالي، وقد يصور مباشرةً كواكب شبيهة بالأرض حول نجوم شبيهة بالشمس، وبإمكانه تحليل أجواءها تحليلًا دقيقًا، بحثًا عن علامات وجود الحياة، ورسم خرائط لأسطح هذه الكواكب.

إذا أظهرت بعض العوالم المائية وجود غازات ذات بصمة حيوية مثل الأكسجين والميثان، فسيقتنع الباحثون أن بحثهم الطويل عن الحياة كان ناجحًا.

يقول جيادا أرني، عالم الكواكب الخارجية في جودارد: «سيكون من الصعب جدًا مراقبة كوكب بتكوين الغلاف الجوي للأرض واكتشاف طرق للعمليات غير الحيوية لإنتاج ذلك».

يمكن لإطار عمل مثل ذلك أن يقطع شوطًا طويلًا لمساعدتنا على تقييم مقدار الحماس بشأن هذه الاكتشافات.

لكن لم يقتنع الجميع بالفكرة، إذ يشك كاليب شارف، مدير علم الأحياء الفلكية من جامعة كولومبيا، في قدرة الباحثين على التحكم في الخطوات، وهو غير متيقن من فهم المقاييس الموضوعة.

يقول: «إنني أتساءل: هل سيتحكم المجتمع العلمي حقًا في ذلك أم لا؟ ما عليك سوى إلقاء نظرة إلى آخر 20 شهرًا مع كوفيد-19، إذ قُدمت الإحصائيات والاحتمالات لنا مرارًا وتكرارًا، ونحن جميعًا مريعون في تفسير هذه الأشياء».

يضيف شارف: «وضعنا مختلف تمامًا عما كان عليه قبل 10 سنوات».

تقترب الأبحاث في مجموعة متنوعة من المجالات، من دراسة الكهوف على الأرض إلى زيارة العوالم البعيدة، من اكتشاف الحياة الفضائية أكثر من أي وقت مضى.

إن اتخاذ القرار بشأن كيفية توصيل مثل هذا المقياس إلى العالم، مقياس الثقة أو سواه، أمر يستحق المناقشة.

اقرأ أيضًا:

هل المخلوقات الفضائية موجودة حقًا، وكيف تُصنف الأجسام المجهولة الطائرة؟

قبل اكتشاف الحياة الفضائية.. يجب على البشر التعرف على أنفسهم أولًا

ترجمة: أنور عبد العزيز الأديب

تدقيق: تسبيح علي

المصدر