نجح الباحثون بجامعة برينستون في صناعة خرائط تفصيلية لأكثر من 1000 خلية عصبية بمساعدة أكثر من ربع مليون شخص من ممارسي ألعاب الفيديو.

يقول البروفيسور (سيباستيان سوينج – Sebastian Seung) إن الباحثين نجحوا في صناعة متحفٍ رقميٍ يُظهر بوضوح مدى الجمال والتعقيد الذي تتمتع به الدوائر العصبية الخاصة بشبكية العين في الإنسان، وذلك بمساعدة العديد من ممارسي ألعاب الفيديو على مستوى العالم.

وقد كشف سوينج النقاب عن هذا المتحف الذي يعتبر أرشيفًا للمعلومات عن الخلايا العصبية، وهو متاح للجميع من العامة والدارسين وعلماء العلوم العصبية على مستوى العالم.

وتقول الباحثة (إيمي روبنسون ستيرلنج – Amy Robinson Sterling) إن هذه الواجهة التفاعلية للمشروع هي أداة ثمينة للغاية، خاصة لمساعدة الباحثين الذين لا يتواجدون معًا في نفس المعمل.

ويضيف طالب الهندسة الكهربية وأحد المشاركين في إعداد هذه الورقة البحثية (ألكسندر باى – Alexander Bae) أن هذا المتحف يُعدّ بمثابة أطلسَ متكاملٍ للمخ، فإن خرائط المخ السابقة لا تحتوي على إمكانية إظهار الوظيفة عن طريق الخلايا الفردية أو مجموعة مترابطة من الخلايا، وبطريقة أخرى يمكننا القول إن هذا الأطلس لا يحتوي فقط على شكل كل نوع من الخلايا العصبية، بل على وظيفتها أيضًا.

وقد تم تطوير هذه الخرائط العصبية عن طريق مجموعة من ممارسي ألعاب الفيديو الذين خصّصوا مئات الآلاف من الساعات لوضع هذه الخرائط العصبية بعناية فائقة باستخدام بيانات تم جمعها عن طريق فحص شبكية العين لأحد الفئران في عام 2009.

تم إطلاق لعبة (آي وايرر- Eyewirer) في عام 2012، ومنذ إطلاقها حتى الآن دخل إلى اللعبة 265000 ممارسٍ لألعاب الفيديو، وقاموا بتلوين أكثر من عشرة ملايين مكعب ثلاثي الأبعاد، ما ساعد في رسم خريطة لأكثر من 3000 خلية عصبية تم عرض ما يزيد على ألف منها في المتحف التفاعلي.

ويُعدّ كلّ مكعب مصغرًا عن أحد الخلايا العصبية بعرض أربعة ونصف ميكرون، ويتم مراجعة كل خلية بواسطة خمسة إلى خمسة وعشرين لاعبًا قبل اعتبارها مقبولة في المشروع.

ويقوم مشروع (آيوايرر- Eyewirer) على دمج عمل الآلة مع عمل الإنسان، فإن الإنسان أفضل في تتبّع أنماط الخلايا العصبية المتشعبة والملتوية، وبالتالي يتم تسجيل كل حركة يقوم بها اللاعبون ويتم مطابقتها والتحقق منها بواسطة اللاعبين الأفضل وفريق العمل بالمشروع بالإضافة إلى البرمجيات المستخدمة في المشروع.

وتقول الباحثة ستيرلنج إن الانتهاء من رسم خريطة لخلية عصبية واحدة قد استغرق العديد من الأسابيع في الأعوام الأولى من المشروع، لكن اللاعبين الآن ينتهون من رسم خريطة للعديد من الخلايا في يوم واحد فقط.

وتضيف الباحثة أن اللاعبين المخلصين للمشروع قد أفادوا المشروع بطرائق أخرى، منها التبرّع بالجوائز المالية التي يحصلون عليها أثناء اللعب لصالح المشروع كما شاركوا أيضًا في كتابة أكواد البرامج لصالح المشروع، وذلك لجعل اللعبة أكثر كفاءة وأكثر مرحًا على حد تعبيرها.

وتضيف أيضًا أن مجموعة اللاعبين المشاركين في المشروع كانوا قوة دافعة كبيرة لإنجاز المشروع.

ويقول طالب العلوم الحاسوبية نيكولاس تيرنر، وهو أحد المشاركين في إعداد الورقة البحثية، إن المخ البشرى يتكون من شبكة شديدة التعقيد من تريليونات الروابط والوصلات بين 100 مليار خلية عصبية، وما يزال العلماء يحاولون فك لغزها إلى الآن.

ويضيف البروفيسور سوينج أن الروابط العصبية بين خلايا شبكية العين تُظهر أن وظيفة خلايا الشبكية تتعدى كونها مستقبلات للضوء فقط، وأنها تشكل الخطوة الأولى في إدراك المؤثرات البصرية.

ويضيف الباحث تيرنر أن الشبكية تنشأ من نفس النسيج الجنيني كما المخ، وعلى الرغم من كونها أبسط بكثير من المخ، فإنها لا تزال شديدة التعقيد، وقال إن المجهود المبذول في المشروع أظهر بوضوح مدى التعقيد والعمق الذي تتمتع به شبكية العين التي ظنناها أبسط من ذلك.

يقول الباحث باي أن الموضوع الأساسي الذي تمحور حوله المشروع هو كيفية تعمل شبكية العين.

وفي هذا المشروع تم التركيز على البنية الخاصة بالخلايا العصبية للشبكية.

أما الباحث (شانج ميو- Shang Mu) فيقول أن التركيز على خلايا العُقد العصبية الخاصة بالشبكية كان بسبب كون هذه الخلايا هي الخلايا الوحيدة في الشبكية التي تتمتع باتصال مباشر مع خلايا المخ.

وتقوم أنواع مختلفة من الخلايا العصبية باستقبال ومعالجة أنوع مختلفة من المؤثرات الحسية، وهو أحد الأسباب التي سمحت لهذا المتحف بأن يربط بين شكل الخلية ووظيفتها.

وقد نجح الباحثون في تصنيف الخلايا العصبية بدقة أكثر من ذي قبل مستخدمين الخرائط الناتجة عن مشروع (آي وايرر- Eyewirer)، فيقول الباحث ميو إن العلماء ظنوا لوقت طويل أن أنواع خلايا العُقد العصبية الموجودة بالشبكية ينحصر بين خمسة عشر إلى عشرين نوعًا، بينما اكتشف الباحثون بالمشروع أن عدد الأنواع يترواح بين خمسة وثلاثين إلى خمسين نوعًا.

وبين هذه الأنواع يوجد ستة أنواع يُعتقد بأنها جديدة تمامًا لا تتشارك مع الأنواع المذكورة في المراجع العلمية سابقًا في أي صفات.

وتعتقد البروفيسور (مارلا فيللر- Marla Feller) أن ذلك يعتبر إضافة قيّمة، باعتبار الربط بين تركيب الخلية العصبية ووظيفتها هدفًا أساسيًا لكل علماء الأحياء العصبية.

وبنظرة سريعة خلال المتحف الرقمي للخلايا نلاحظ أن الخلايا مسطّحة بشكل واضح، وكيف أن معظم الفروع العصبية تكون في مستوى ثنائي الأبعاد.

كما اكتشف فريق الباحثين أن الأنواع المختلفة من الخلايا تنمو في مستويات مختلفة، فتنمو بعضها فوق نواة الخلية قبل أن تتفرّع، بينما تنمو الأخرى بمستوى قريب من مستوى نواة الخلية.

وبالتالي تصبح الخرائط الناتجة مشابهة للغابات المطيرة التي تتكوّن من أرضية وطبقة أخرى خفية تحتها وفوقها قبّة من الفروع المتشعّبة.

وتقع كل هذه الخلايا في الطبقة الضفيرية الداخلية وهي أحد الطبقات الخمس لشبكية العين.

ويرى البروفيسور سوينج قائد الفريق البحثي أن أحد أكبر المفاجئات في هذا المشروع العلمي كانت الثراء الفائق الذي تمتعت به العيّنة الأصلية، والتي كانت عبارة عن شريحة صغيرة من شبكية فأر، ولا يزالون يتعلمون منها بعد أكثر من عشر سنوات من دراستها لأول مرة.


  • ترجمة: إسلام مراد.
  • تدقيق: علي فرغلي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر