كشف العلماء للتو عن أول اختراع من نوعه في العالم؛ ترانزستور كهربائي مصنوع من الخشب. ونشر البحث في الجريدة الرسمية للأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة الأمريكية PNAS.

الخشب مناسب لصناعة الكثير من الأشياء، مثل الصناديق الخشبية والقوارب وخزائن الكتب وبعض الأدوات وإشعاله لاستخدامه في المخيمات. الخشب غذاء رئيسي للنمل الأبيض ولحيوانات القندس، لكن لم يدخل أبدًا في صناعة المكونات الإلكترونية للأجهزة التي تعمل بالكهرباء.

تحدى الباحثون في جامعة لينشوبينج والمعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد الخشب في سوء توصيله للكهرباء، وصنعوا منه أول ترانزستور خشبي في العالم، وللتغلب على تلك المشكلة أضاف الفريق مكونًا خاصًا.

يقول المهندس الكهربائي إسحق إنكويست من جامعة لينشوبينج: «إن الترانزستور المصنوع من الخشب بطيء وضخم، لكنه يعمل بالفعل وله قدرات تطوير هائلة».

يعد الترانزستور مكونًا أساسيًا في أي جهاز أو تقنية إلكترونية، ويمتلك خواص شبه الموصلات، فيسمح فقط بتوصيل التيار الكهربائي عندما يملك ما يكفي من شحنات كهربائية تتيح له ذلك، ومن ثم يعمل كبوابة مصغرة تتحكم في مرور تيار كهربائي عند تطبيق تيار آخر على الدائرة الكهربائية، وبإمكانه أيضًا تكبير وتضخيم الإشارات الكهربائية، وطريقة خاصة لحفظ البيانات، إذ تعمل مجموعة من الترانزستورات سويًا لتنفيذ عمليات منطقية إلكترونية.

إحدى الميزات الأخرى الفريدة للترانزستور أنه يمكنك إقحام عشرات المليارات منه في شريحة واحدة في مساحة صغيرة تحتل فقط طرف إصبعك.

الخشب ليس من أشباه الموصلات؛ لأن الكربوهيدرات -وهي المكون الأساسي للألياف النباتية- تمنع مرور الإلكترونات مرورًا تامًا، وإحدى الطرق للتغلب على تلك المشكلة هي تحويل الخشب إلى قضيب من الفحم، صانعًا طريقًا كربونيًا سريعًا لمرور شحنة كهربائية عبره.

لكن الفحم ليس خشبًا حقًا، فأين الفكرة في ذلك؟

أ: طريقة تصنيع الخشب الموصل للكهرباء. ب: عمليات التصنيع. ج: مخططات توضح بنية الترانزستور.

أ: طريقة تصنيع الخشب الموصل للكهرباء. ب: عمليات التصنيع. ج: مخططات توضح بنية الترانزستور.

استخدم إنكويست وفريقه خشب البلسا الذي يمتاز بالصلابة والمتانة النسبية العالية، وكثافته المنخفضة، وبنيته المتجانسة، وجرّدوه من مادة اللجنين الصلب -العماد الأساسي في تركيب جدار الخلية النباتية التي تعطي الدعم لأنسجة النبات-، واستبدلوها ببوليمر موصل للإلكترونات والأيونات يسمى بولي (3،4-إيثيلين ديوكسي ثيوفين)- سلفونات البوليسترين.

الفكرة ليست جديدة أيضًا، إذ سبق للباحثين التطرق لفكرة استخدام المواد النباتية حاويةً مسامية للمواد الكهروكيميائية والمواد الموصلة، لكن الجديد الذي فعله إنكويست أنه حَسَّن من عملية إزالة مادة اللجنين للوصول إلى إنشاء قناة أكثر كفاءة؛ ليعمل البوليمر داخلها، قبل تحليل الخصائص الموصلة لوحدة البلسا – بوليمر.

وجد الفريق أنه يمكنهم إنشاء ترانزستور بسيط نوعًا ما عبر ضم وحدات بسماكة ملليمترات تعمل بمثابتها أقطاب كهربائية وقنوات. مع عدم وجود جهد كهربائي، قد يُعد الهيكل بأكمله مفتوحًا فيكون المفتاح على وضع «التشغيل».

ضُخ جهد كهربائي مقداره 6 فولت، وستمتلئ القناة بالإلكترونات، ما يتسبب في إغلاقها، ومن ثم تحريك المفتاح إلى وضع «إيقاف التشغيل».

يستغرق إيقاف تشغيل الترانزستور الخشبي نحو ثانية واحدة، بينما تستغرق إعادته إلى وضع التشغيل 5 ثوانٍ، فضلًا عن أن الترانزستورات الموجودة في جهاز الكمبيوتر الخاص بك تعمل بسرعات مقاسة بالجيجاهيرتز، يتناوب في وضعية التشغيل والإيقاف مئات المليارات من المرات في الثانية، لذلك من المستحيل تجميع ما يكفي من القضبان الخشبية لممارسة لعبة معقدة مثل فورتنايت على جهازك.

إذن ما المغزى من صنعه إذا كان بهذا البطء؟

يجيب إنكويست على هذا التساؤل قائلًا: «لم نفكر في أي استخدامات محددة عندما صنعنا الترانزستور الخشبي، فعلنا ذلك لأننا يمكننا صناعته، وكلنا يحذونا الأمل أن هذا البحث الأساسي يلهم المزيد من الأبحاث التي قد تؤدي إلى تطبيقات لاستخدامه مستقبلًا».

إذا نحينا جانبًا فكرة العمليات الحسابية السريعة، قد تُستخدم الإلكترونيات القابلة للتحلل المصنوعة من الموارد التي تُحصَد بسهولة من الطبيعة في أجهزة الاستشعار عن بُعد التي نحتاجها أن تتحلل بسهولة، أو في الأجهزة المخفية التي تستمد طاقتها من التحرك في البيئة.

اقرأ أيضًا:

لماذا تتفوق ترانزستورات الأنابيب النانويَة الكربونيَّة على ترانزستورات السيليكون؟

تاريخ الترانزستور

ترجمة: عمرو أحمد

تدقيق: تسبيح علي

المصدر