يقدّم الانتقاء الطبيعي تفسيرًا مفاده أن العنق الطويل للزرافة قد تطور لإعطائها أفضليةً للبقاء عن طريق استهلاك الأوراق التي قد لا تصل إليها الحيوانات الأخرى. بدا هذا التفسير واضحًا لتشارلز داروين، لكنه لطالما جذب انتباه علماء الأحياء الذين أرادوا التحقق من هذه الفرضية. واقترح بعضهم فرضيات أخرى تنص أن ذلك العنق الطويل ليس للوصول للموارد الغذائية، بل هو سلاح يستعمله الذكور في معارك التزاوج.

لم تقنع هذه الفرضية كل الباحثين، ما ترك المجال مفتوحًا للنقاش.

لكن يشير بحث جديد يعتمد على حفريات لجمجمة وفقرات متحجرة أن حيوانًا قديمًا منقرضًا شبيهًا بالزرافة قد استعمل بالفعل عنقه للضرب. اكتُشفت هذه الحفريات في شمال الصين منذ أكثر من عشرين عامًا من قبل عالم الحفريات جين مينج، الذي يشغل اليوم منصب أمين المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في مدينة نيويورك.

كشف تحليل جديد لمينج وزملاؤه حول خصائص هذا الحيوان الذي قد يساعدنا على فهم العناصر المشاركة في تطور الشكل الفريد للزرافة.

سمّي هذا الكائن على اسم ماعز وحيد القرن الأسطوري في التقاليد الصينية، وأُضيف إلى قائمة عائلة الزرافيات القديمة التي جابت السافانا في العصر الميوسيني منذ نحو 17 مليون عام.

يتميز هذا الحيوان بجمجمته المحصنة التي تشبه خوذة الجنود المشاة من العصور الوسطى. فهي مسطحة وعريضة وممتلئة قليلًا، ما يجعلها مثاليةً للصراعات.

استعمل الباحثون وسيلة رياضية لحساب قوة التصادم الممكنة لهذه الجمجمة، وللتأكد ما إذا كانت بالفعل تعطي لهذا الحيوان أفضليةً في الصراع، ووجدوا أن الشكل المميز للعظام والمفاصل يجعلها قادرةً على تحمّل ضغط كبير أكثر من أي حيوان ناطح آخر.

مع أن هذا الاكتشاف لا يتعلق مباشرةً بالزرافات الحديثة، فإنه يشير إلى أن القتال موجود عند عائلة الزرافيات.

يقول عالم الحفريات في الأكاديمية الصينية للعلوم والمؤلف الرئيسي للبحث، وانغ شي تشي: «تنتمي كل من الزرافات الحية وهذا الحيوان إلى عائلة الزرافيات. وبالرغم من وجود اختلاف كبير في شكل الجمجمة والرقبة لكل منهما، فإنهما يتشاركان في وجود صراعات بين الذكور للتكاثر، وكلاهما تطور في اتجاه متطرف».

تظهر المقارنة بين هياكل وأشكال الجماجم والقرون للثدييات المجترة القديمة (بما في ذلك الزرافات الأخرى والأغنام) إلى أن أقارب الزرافة طوروا العديد من الأسلحة في الرأس، ما يشير أن القتال كان عاملًا مهمًا في تطور جمجمة ورقبة الزرافة.

بالإضافة إلى ذلك تطور الحيوان المكتشف في بيئة شبيهة إلى حد كبير بالمراعي المفتوحة التي تطورت فيها الزرافات الحديثة، ما دفع العلماء إلى افتراض وجود سلوكيات مشتركة (كالقتال).

يقول مينج: «أشارت عينات من أسنان هذا الكائن أنه كان يعيش في الأراضي العشبية المفتوحة، وربما يكون قد هاجر موسميًا».

لا توجد طريقة سهلة لتفسير تطور شكل أي كائن حي. ولكن يمكننا القول أن الانتقاء الطبيعي قد يعطي أفضلية التكاثر للكائنات التي طوّرت أسلحةً لقتال مفترساتها بدلًا من تطوير لياقة بدنية للهروب.

قد يكون هذا البحث فرصةً لإقناع علماء أحياء آخرين بأن العنق الطويل للزرافة كان بالفعل بمثابة أداة للكفاح من أجل البقاء.

نُشر هذا البحث في مجلة Science.

اقرأ أيضًا:

اكتشف العلماء أخيرًا كيف عاش هذا الزاحف بهذه الرقبة الطويلة

ترجمة: محمد سامي القطوفي

تدقيق: رغد أبو الراغب

مراجعة: آية فحماوي

المصدر