كيف بدأت الحياة؟ وكيف تخلق التفاعلات الكيميائية كائنات معقدة قادرة على تكرار نفسها وتتطور إلى الكائنات التي نراها اليوم؟

وفقًا لواحدة من المدارس الفكرية في العصر قبل الحالي، عصر الحياة القائمة على الحمض النووي، كان هناك نوع من الجزيئات يسمى الحمض النووي الريبي RNA الذي يُعد عنصرًا مهمًا من عناصر الحياة اليوم، بسبب إمكانيته على نسخ نفسه وتحفيز التفاعلات الكيميائية الأخرى.

ولكن جزيئات RNA نفسها مكونة من عناصر أصغر تسمى ريبونوكليوتيدات.

كيف تشكلت وحدات البناء الأساسية على الأرض واتحدت لتشكل جزيء RNA؟

شرع علماء الكيمياء في مهمة شاقة في محاولة لإعادة إنشاء سلسلة من التفاعلات المطلوبة لتشكيل RNA في المراحل الأولى في الحياة.

صرح عالم الكيمياء كووك فونج تران: «إن أي تفاعل كيميائي ينتج عنه ريبونوكليوتيدات يجب أن يكون قادرًا على أن يحدث في بيئة معقدة مماثلة لتلك التي وجدت قبل مليارات السنين على كوكبنا».

أضاف كووك: «أنا كنت أدرس ما إذا كانت تفاعلات التحفيز الذاتي لها دور أو لا. وجدت أن تلك التفاعلات تنتج مواد كيميائية تحث التفاعل نفسه على أن يحدث مرة أخرى، هذا يعني أنها تحافظ على نفسها في مجموعة واسعة من الظروف. دمجنا أنا وزملائي في آخر أعمالنا التحفيز الذاتي في مسار كيميائي معروف لإنتاج وحدات بناء الريبونوكليوتيد، وهو ما كان من الممكن أن يحدث مع الجزيئات البسيطة والظروف المعقدة في بداية نشوء الحياة على الأرض».

تفاعل فورموس:

تؤدي تفاعلات التحفيز الذاتي دورًا هامًا في علم الأحياء في تنظيم ضربات القلب وتشكيل أنماط على الصدف. في الواقع إن تكرار الحياة نفسها عندما تأخذ الخلية الواحد الغذاء والطاقة اللازمة فإنها ستنتج خليتين يعد مثالًا على التحفيز الذاتي.

تفاعل فورموس الذي اكتشف لأول مرة سنة 1861 يعد أفضل مثال على تفاعلات التحفيز الذاتي التي حصلت في بداية نشأة الحياة على الأرض.

تفاعل فورموس يبدأ بجزيء واحد من مركب بسيط يسمى جلايكولالدهيد -مكون من الهيدروجين والكربون والأوكسجين- ويصبح جزيئين. تعتمد الآلية على إمداد ثابت من مركب بسيط آخر يسمى الفورمالديهايد.

يؤدي التفاعل بين الجليكولادهيد والفورمالديهايد إلى جزيء كبير، ينقسم لأجزاء تغذي التفاعل مرة أخرى للحفاظ على استمرار العملية. يتوقف التفاعل فور نفاد جزيء الفورمالديهايد وتحلل المنتجات من جزيئات السكر المعقد إلى قطران.

يشارك تفاعل فورموس بعض المكونات الشائعة مع مسار كيميائي معروف لصنع ريبونوكليوتيدات المعروفة باسم مسار باونر-ساذرلاند. ومع ذلك لم يحاول أحد ربط الاثنين معًا.

تفاعل فورموس غير مرغوب لأنه يعد تفاعلًا غير انتقائي، هذا يعني أنه ينتج الكثير من الجزئيات غير المرغوبة بجانب المنتجات التي يحتاجها العلماء.

تحول التحفيز الذاتي في المسار إلى ريبونوكليوتيدات:

في الدراسة التي أجراها العلماء، حاولوا إضافة جزيئات بسيطة أخرى تسمى السانامايد للتفاعل الشكلي. هذا يجعل سحب بعض الجزيئات التي تكونت في أثناء التفاعل أمرًا ممكنًا لإنتاج الريبونوكليوتيدات. وما زال التفاعل لا ينتج كمية كبيرة من الريبونوكليوتيدات.

من الأمور المثيرة للاهتمام في البحث الذي أجراه العلماء هو دمجهم لتفاعل فورموس وإنتاج الريبونوكليوتيدات.

دُرست الأبحاث السابقة بصورة منفصلة، التي تعكس الطريقة التي يحاول علماء الكيمياء بواسطتها صنع الجزيئات.

يهدف علماء الكيمياء عمومًا إلى تجنب التعقيد، لذا يرفعون من كمية المنتج ونقاوته. هذا النهج الاختزالي قد يمنع من البحث في التفاعل الديناميكي بين المسارات الكيميائية المختلفة.

تحصل تلك التفاعلات في كل مكان في العالم الواقعي خارج المختبر ويمكن القول أنها الجسر الرابط بين الكيمياء والبيولوجيا.

التطبيق الصناعي:

للتحفيز الذاتي تطبيقات صناعية، عند إضافة السانامايد لتفاعل الفورموس ومنتجات أخرى سيتشكل مركب يسمى 2-أمينو أوكسازول الذي يُستخدم في الأبحاث الكيميائية وفي إنتاج العديد من الأدوية.

غالبًا ما يستخدم إنتاج 2-أمينوكسازول السانامايد وجليكولادهيد التقليدي، والأخير مكلف.

إذا كان من الممكن صنعه باستخدام تفاعل فورموس، فلن تكون هناك حاجة إلا إلى كمية صغيرة من الجليكولادهيد لبدء التفاعل، ما يقلل التكاليف.

الباحثون متفائلون للغاية بهذا الإجراء في أمل إمكانيتهم التلاعب في تفاعل التحفيز الذاتي لصنع تفاعلات كيميائية مشتركة زهيدة الثمن وأكثر كفاءة ونقاوة، وأكثر وصولًا للمنتجات الدوائية.

قد لا يكون حدثًا مهما للغاية مقارنةً بإنشاء الحياة نفسها، ولكن يظن الباحثون أنه حدث مهم جدًا في تقدم أبحاث الكيمياء.

اقرأ أيضًا:

كيف نخلق الحياة بشكل جديد في المختبر ؟

تمكن العلماء من خلق حياة ذكية كمية للمرة الأولى

ترجمة: ياسين أحمد

تدقيق: بشير حمّادة

المصدر