وجد الباحثون تفسيرًا جديدًا لكيفية تغير الكون من الظلام إلى النور، ويفترضون أن الثقوب السوداء داخل المجرات تنتج رياح قوية بما فيه الكفاية لتقذف المواد المنتجة من هذه الثقوب في المجرات سامحة معها للضوء بالعبور.

أوائل المجرات المعروفة في الكون، تشكل بعضها تقريبًا بعد 600 مليون سنة من الانفجار الكبير بعد فترة قصيرة من الانفجار الكبير.

أصبح الكون مُظلمًا بشكل كامل.

نشأ الكون وليدًا لحدث ضخم انتشرت معه كميات هائلة من الحرارة والغاز الكثيف والتي كانت كبيرة لدرجة جعلت الضوء محتجزًا فيها، وفي وقت لاحق وتحديدًا بما يقارب مليار سنة ضوئية بعد الانفجار الكبير توسّع الكون وأصبح أكثر وضوحًا؛ وفي نهاية المطاف انتشرت فيه المجرات والكواكب والنجوم وغيرها من الأجسام التي تعطي الضوء المرئي الذي نراه في هذا الكون الذي نعرفه اليوم.

ويبقى أمامنا لغزًا محيرًا حول كيفية تحول الكون من العصور المظلمة إلى وضوحه وانغماره بالأضواء الحالية.

وفي دراسة جديدة عرض الباحثون في جامعة (آيوا Iowa) نظرية جديدة تصف ما حدث، ويعتقدون أن الثقوب السوداء التي تشغل مراكز المجرات تقذف بعض المواد بعنف مما يزيح الغمائم المحيطة بالثقب الأسود سامحة للضوء بالعبور، ووصل الباحثون إلى هذه النظرية بعد مراقبة هروب الأشعة فوق البنفسجية من إحدى المجرات المجاورة.

ويقول البروفيسور (فيليب كاريت -Philip Kaaret) -أستاذ في قسم الفيزياء والفضاء وكاتب في هذه الدراسة-: «تُظهر الملاحظات وجود مصادر مشرقة جدًا للأشعة السينية محتمل التحامها مع ثقوب سوداء، ويقول أيضًا :يمكن للثقوب السوداء أن تشكّل رياحًا تُساعد الإشعاعات الأيونية على الهروب من النجوم وبذلك فإن الثقوب السوداء تساعد على جعل الكون أكثر وضوحًا وشفافيةً».

ركز كاريت وفريقه في الدراسة على مجرة تدعى ( Tol 1247-232) والتي تبعد حوالي 600 مليون سنة ضوئية من الأرض وهي واحدة من الثلاث مجرات القريبة من الأرض والتي تم ملاحظة انبعاث للأشعة الفوق البنفسجية منها، في أيار عام 2016 وباستخدام تلسكوب مداري يدعى (شاندرا -Chandra) شاهد الباحثون مصدرًا واحدًا للأشعة السينية كان سطوعه في تضاؤل وكان متوضعًا في منطقة نشطة لتشكل نجوم هذه المجرة ( Tol 1247-232)، وكان قرار الفريق حتميًا بأنه ليس نجمًا بل شيئًا آخر.

وقال كاريت: «ليس للنجوم تغيرات في السطوع وشمسنا خير مثال على ذلك، ولكي يتغير السطوع يجب أن تَكونْ جسمًا صغيرًا جدًا ومن الضيق عليك أن تصل إلى الثقب الأسود».

ولكن كيف يمكن لثقب أسود هائل الجاذبية يسحب كل ما يحيط به أن تخرج منه أية مادة ممكنة؟

وحتى بعد كل ما سبق لا أحد يعرف الإجابة بشكل مؤكد لأنه يصعب دراسة الثقوب السوداء؛ بسبب جاذبيتها الهائلة من جهة والتي لا تسمح لأي ضوء بالهروب منها ومن جهة أخرى بسبب توضعها عميقًا في أغوار المجرات، ومع ذلك قدم علماء الفضاء مؤخرًا تفسيرًا يقول بأن منافث هروب المادة من الثقب الأسود تستفاد من الطاقة الدورانية المتسارعة للثقب الأسود نفسه.

ولتفسير ذلك يمكنك تخيل شكل متزلجة أثناء دورانها على الجليد بأذرع ممدودة، فكلما ضمت ذراعيها إلى جسدها كلما زادت سرعة دورانها؛ والثقوب السوداء تعمل بنفس الطريقة حيث تسحب جاذبية الثقب الأسود هذه المواد إلى الثقب الأسود مما يؤدي إلى زيادة سرعة دورانه ومع زيادة جاذبية الثقب الأسود فإن سرعته تخلق المزيد من الطاقة أيضًا.

يقول كاريت: «كلما سقطت مادة في الثقب الأسود تزداد سرعة دورانه والدوران السريع يدفع بعض أجزاء هذه المادة إلى الخارج، ويقول أيضًا: فتنتج الثقوب هذه الرياح القوية والتي تفتح طريقًا لهروب الأشعة فوق البنفسجية، الأمر الذي ممكن أنه حدث في المجرات المبكرة».

يخطط كاريت لدراسة مجرة ( Tol 1247-232) بشكل أدق وإيجاد المجرات الأخرى القريبة التي تُسرب الأشعة فوق البنفسجية والتي سوف تساعده في تأكيد صحة نظريته.


ترجمة: حيدر علي ضغام.
تدقيق: أسمى شعبان
تحرير : محمد حمد

المصدر