أجرى فريق من علماء الرياضيات عام 2018 حسابات أفادت بأن بعض الثقوب السوداء، في كون متوسع مثل كوننا، قد تعيد تحديد تاريخ ما يحتويه هذا الكون، أي إنها عمليًا تمحو الماضي، وتجعل المستقبل مجهولًا.

ذلك ما قد يخمنه مراقب خارجي من وجهة نظره. إذا ما اتضح أن ذلك صحيح، فقد يكون لدينا أخيرًا حل لأحد أهم الأسئلة في علم الكونيات الحديث.

وفقًا لقوانين الفيزياء، فإن كتلة النجم المنهار تتقلص إلى نقطة صغيرة للغاية تسمى المفردة. هذا يشبه القول بوجود أماكن في الفضاء تخفي الأسرار عن بقية الكون، أماكن لا تعمل فيها قوانين الفيزياء التي نعرفها. للتعامل مع هذا الانهيار بين الكون القائم على قوانين الفيزياء المعروفة والثقوب السوداء، يستعمل الفيزيائيون أداةً تسمى الرقابة الكونية.

تقوم النسخة الأولى من فرضية الرقابة الكونية على وجود حاجز داخل الثقوب السوداء، أعمق من «أفق الحدث»، بعد هذا الحاجز لا تعمل قوانين الفيزياء ولا يمكنها توقع شيء.

يحول هذا الحاجز بين «المفردة المزعجة» وبقية الزمكان، ما يمنع فوضاها من الظهور إلى العلن.

في نسخة أقوى من فرضية الرقابة الكونية، لا يوجد شيء يسمى فوضى الفيزياء. ما يعني زوال ذلك الحاجز والسماح بتحرر الفيزياء بطريقة ما.

لدى بيتر هينز -عالم الرياضيات من جامعة كاليفورنيا بيركلي- شكوك حول النسخة الثانية من الرقابة الكونية، يقول: «كان الناس مقتنعين -منذ منتصف التسعينيات- بأن فرضية الرقابة الكونية القوية يُتحقق منها دائمًا. نحن نتحدى وجهة النظر هذه».

درس هينز وفريقه أجسامًا افتراضية مشحونة غير دوارة، تُعرف باسم «ثقوب ريسنر-نوردستروم-دي سيتر السوداء». نظريًا، يحوي هذا النوع من الثقوب السوداء حاجزًا يُسمى أفق كوشي. خلف هذا الحاجز، يصبح نسيج الزمكان ملتفًا، وينضغط في نقطة لا نهائية.

ناقش المدافعون عن نموذج الرقابة الكونية القوية بأن هذه الآفاق ستختفي بفعل المفردة، بأقل انحراف ناشئ عن سحب الجاذبية لنجم منهار. ما يستبعد أفق كوشي من نموذج الرقابة الكونية القوية.

تبين دراسة عام 2018 إمكانية استمرار وجود أفق كوشي مع نموذج فرضية الرقابة الكونية القوية عمليًا، حتى في وجود مثل هذه الاضطرابات، عندما يتوسع الكون المحيط بالثقب الأسود بمعدل متسارع مثل كوننا.

تفسير ذلك الاستنتاج معقد نوعًا لكن يمكن تلخيصه كما يلي:

بفضل شحنتها، تحمل ثقوب «ريسنر-نوردستروم-دي سيتر» السوداء بالفعل دفعة داخلية طفيفة تقاوم الدفع الهائل للجاذبية، من ثم ستتصدى لتأثير تشوهات الزمكان.

في الوقت ذاته، يضع الكون المتوسع -مثل كوننا- حدودًا زمنية وطاقية لتشوه الفيزياء المحيطة بالمفردة. يمثل الجمع بين هذين التأثيرين بعض الحماية لأفق كوشي، ما يمنحنا مفردة تكسر قوانين الفيزياء، ولحظة لا نهائية وراء أفق اللاعودة. في هذه المنطقة الغريبة ستنفصل الأجسام عن ماضيها ولن يكون لها مستقبل محدد. فالعبور إليها يعني أن الأجسام لا يمكنها أن تعود أبدًا، لكنها في الوقت ذاته لن تنسحق.

يشرح عضو الفريق الفيزيائي جواو كوستا من جامعة لشبونة الأمر باستخدام مثال شائع: «لنأخذ قط شرودنجر مثلًا، نحن نعلم أنه يمكننا تحديد احتمالات موت القط أو بقائه على قيد الحياة. لكن إذا سقط القط داخل أفق كوشي فإننا لا نستطيع حساب الاحتمالات». هذا أغرب من جنون ميكانيكا الكم.

بافتراض عدم وجود ثقوب «ريسنر-نوردستروم-دي سيتر» السوداء في الواقع، فتلك مجرد افتراضات فلسفية، لكن ذلك لا يعني عدم جدواها.

لا تزال الرياضيات تعمل على الثقوب النموذجية -الثقوب السوداء متعادلة الشحنة- ويجادل الرياضيون بأن الموجات الثقالية رُصدت من اصطدام الثقوب السوداء، حين لمحنا للمرة الأولى سرًا من صندوق أسرار الكون الذي يحجب أسراره عنّا دائمًا.

اقرأ أيضًا:

هل توجد ثقوب سوداء متبقية من الانفجار العظيم؟

المادة المظلمة المسبب الأساسي لوجود ثقوب سوداء في بداية الكون

ترجمة: أحمد عبد الرحمن عديلة

تدقيق: أسعد الأسعد

المصدر