تمكّن باحثون من جامعة لوند (Lund University) في السويد بالتعاون مع زملائهم في مركز الطب المُتجدد في برشلونة – من التّعرف على المفاتيح الوراثية الأربعة المسؤولة عن فكّ الشيفرة الوراثية لخلايا الجلد، والتي تقوم بإعادة بَرمجتها بحيث تبدأ بإنتاج خلايا الدم الحمراء عوضًا عن الخلايا الجلدية.

يُوضّح الدكتور يوهان فليغر (Johan Flygare) – وهو المسؤول عن هذه الدراسة – قائلًا: «لقد قُمنا بهذه التجربة باستخدام الفئران، وأشارت النتائج الأولية إلى إمكانية إعادة برمجة خلايا الجلد البشرية لكي تتحول إلى خلايا دم حمراء. وتتمثل إحدى التطبيقات المُحتملة لهذه التقنية بإمكانية تصنيع خلايا دموية حمراء شخصيّة يمكن الاستفادةُ منها في عمليات نقل الدم، ولكن لا يزالُ ذلك بعيدًا عن إمكانية التطبيق السريري».

وكما هو مَعلوم، فإنّ كل فردٍ منّا يملك شيفرة وراثية فريدة خاصّة به، يُمكن تشبيهُها بدليل التعليمات الذي يصفُ بدقةٍ كيفية تكوين جميع الخلايا في الجسم. ويتم تخزين هذا الدليل على شكل تسلسل DNA مُعين في نواة الخلية. وتتميز جميع خلايا البشر بما في ذلك خلايا الدماغ والعضلات والعظام والجلد بامتلاكها الشيفرة الوراثية ذاتها. وما يُميز الخلايا عن بعضها البعض هو الفصل من ذلك الدليل الذي يمكن لهذه الخلية قراءته. وقد أراد فريق البحث في جامعة لوند اكتشافَ كيفيةِ قيام الخلايا بفتح الدليل السابق والاطلاع على الفصلِ الذي يحوي التعليمات التي تصف كيفية انتاج خلايا الدم الحمراء.
وعن طريق استخدام إحدى الفيروسات العكسية (Retrovirus)، تمكن الباحثون من إدخال تراكيب مختلفة لأكثر من 60 جينًا ضمن الجينوم الخاص بخلايا الجلد، وذلك إلى أن تمكنوا أخيرًا من تحويل خلايا الجلد إلى خلايا دم حمراء.
تُشير إلى ذلك طالبة الدكتوراه ساندرا كابيليرا (Sandra Capellera) – وهي المُؤلفة الرئيسية للدراسة – قائلة: «تُعتبر هذه المرّة الأولى التي ينجح فيها أحدٌ في تحويل خلايا الجلد إلى خلايا دم حمراء، وهو أمرٌ مُثير على نحوٍ لا يُصدّق!».
وتُظهر الدراسة أنّه من أصلِ 20000 جين موجود في البشر، فإنّنا نحتاج فقط إلى أربعة جينات من أجل عملية إعادة برمجة خلايا الجلد لكي تبدأ بإنتاج خلايا الدم الحمراء. كما أنّ هذه الجينات الأربعة تُعتبر ضرورية لعمل خلايا الدم الحمراء بشكلٍ فعّال. تُوضّح الدكتورة ساندرا قائلًة: «الأمرُ يُشبه صندوقَ كنزٍ حيث يتوجبُ علينا أن نُدير أربعة مفاتيح مُنفصلة بشكلٍ آني من أجل فتحِ هذا الصندوق».
يُعتبر هذا الاكتشاف هامًّا من عدة جوانب. فمن وجهة نظر بيولوجية، سيمكّننا هذا الاكتشاف من فهم كيفية إنتاج خلايا الدم الحمراء، بما في ذلك التعليمات الوراثية الضرورية لإنجاز ذلك. ومن وجهة نظر علاجية، فهو يخلُق فرصة لإنتاج خلايا الدم الحمراء انطلاقًا من خلايا جلد المريض، حيث أنّنا نُعاني حاليًّا من قلّةِ المُتبرعين بالدم وخاصةً للمصابين بأمراض فقر الدم. يُشير إلى ذلك الدكتور جون فليغر قائلًا: «يُؤدي تزايُد عدد الأشخاص المُعمّرين إلى زيادة عمليات نقل الدم في المُستقبل، فضلًا عن زيادة أعداد الأشخاص القادمين من بُلدان أخرى وخاصةً حين يملكون زُمر دم نادرة، ممّا يعني أنّنا لن نجد كميات دم كافية لهم».
وكما هو مَعروف، تُعتبر خلايا الدم الحمراء الخلايا الأكثر شيوعًا في الجسم، كما أنها ضرورية لعملية نقل الأكسجين وغاز ثنائي أكسيد الكربون (CO2). ويُعاني ملايين الناس في العالم من مرض فقر الدم (Anemia) الذي يتمثّل بامتلاك المريض لكمية غير كافية من خلايا الدم الحمراء. ويُعتبر المُصابون بفقر الدم المُزمن من بين أكثرِ الحالاتِ صعوبًة، فهُم يحتاجون لعمليات نقل دم مُنتظمة من مُتبرعين مُختلفين، ممّا قد يُؤدي إلى حدوثِ ردةِ فعلٍ من جسم المريض تجاه الدم الجديد، فهُم ببساطة يُمكن أن يُصبحوا حساسينَ تجاه دم المُتبرع. لذلك فإنّ إيجاد طريقة لتصنيع خلايا دم حمراء من خلايا جلد المريض يُعتبر أمرًا هامًا بالنسبة لهذه الفئة من المرضى. ومع ذلك، لازلنا بحاجة إقامة دراسات أخرى حولَ كيفية عمل الدم المُنتَج ضمن الكائنات الحية.

ترجمة: زينب النيال
تدقيق: بشار غليوني

المصدر