علم الكيمياء هو من أهم العلوم لأعمال ألفرد نوبل نفسه، فتطوير إختراعاته بجانب العمليات الصناعية التي وظفها كانتا مبنيتَين على معرفة علوم الكيمياء. فأوصى ألفرد نوبل في وصيته قائلا: “تُقسَّم الحصص المذكورة لخمسة أجزاء متساوية موزَّعة كالآتي: /- – -/ جزء منهم للشخص الذي قد توصَّل إلى الاكتشاف أو التطوير الكيميائي الأهم..”

حاز على جائزة نوبل لهذا العام الثلاثي مارتن كاربلاس، مايكل ليفيت، وآرييه وارشيل، من جامعات هارفارد، ستانفورد، وجنوب كاليفورنيا بالترتيب. اللّجنة اختارت هؤلاء العلماء لريادتهم في عالم المحاكاة الحاسوبيّة التي منحتنا فرصة لنفهم بشكلٍ أفضل التفاعلات الكيميائيّة المعقّدة التي نراها في تطبيقات مثل التمثيل الضّوئي، الإحتراق، وهندسة أنواع جديدة من الأدوية.

تطوير هذه المحاكاة الحاسوبيّة مميز لأنهم استطاعوا تطبيق كلا من الفيزياء الكلاسيكية والفيزياء الكمّيّة على نماذج محاكاة التفاعلات الكيميائية. فيتمّ القيام بالحسابات الكمومية في أكثر المناطق الحرجة في الجزيئات؛ أي في الذّرات والإلكترونات (مما يحتاج قوة حاسوبية عالية)، بينما تُحفز الحسابات الكلاسيكية التفاعلات بين هذه الجزيئات المعقّدَة ككل. بكلمات أخرى، لا يحتاج علماء الكيمياء لإجارء التجارب في المعامل فقط، بل يمكنهم التجربة أيضًا في الفضاء الإلكتروني (Cyberspace).

هذا المزج بين الفيزياء الكلاسيكية والكمية يسمح للحاسوب المحاكاة بالتفصيل، فمثلا، المحفّز في إنزيم معيّن بينما تنتقل الإلكترونات بين مدار نواة لأخرى خلال تكوين الترابطات، مع السّماح للحسابات البسيطة الأخرى بالقيام بمحاكاة الجزئ الكبير المعقد. كما يقول وارشيل في محادثة تليفونية أثناء المؤتمر الصحفي بعد إعلان الفائزين: “ما طورناه هو حاسوب يحتاج لتزويده بشكل البروتين، وينتهي بفهم ما يفعله هذا البروتين بالضبط.” هذا الفهم لكيف تحدث التفاعلات يمكن استخدامه مثلا في “لتطوير الأدوية، أو كما في حالتي، لإشباع الفضول..”

البداية من سبعينيات القرن الماضي حين عمل كلا من كاربلاس و وارشيل لتطوير محاكاة حاسوبية للـ”ريتينال” – جزيء موجود في شبكيّة العين يملك إلكترونات حرة، أي تستطيع التنقّل من نواة ذرية لأخرى. على الرغم من أنهم استطاعوا المزج بين الفيزياء الكلاسيكية والكميّة إلا أن المحاكاة تعمل على الجزيئات المتناظرة انعكاسيًا فقط. هنا يأتي دور ليفيت. لعدة سنوات، عمل وارشيل وليفيت، متجاوزين العديد من العقبات، في هدفهم لتطوير برنامج يسمح بالفيزياء الكلاسيكية والكميّة للعمل جنبًا إلى جنب لمحاكاة أي نوع من الجزيئات.

طبقًا لتقرير للجنة السويدية الملكية للعلوم فـ “الحواسيب اليوم أداة مهمة لعلماء الكيمياء تمامًا كأنبوبة الاختبار. هذه المحاكاة الخاسوبيّة واقعية لدرجة أنها تتنبأ بناتج التجارب المعتادة.” هذه المحاكاة تُستخدم الآن في المصانع الصيدلية، كما ساعدتنا في فهم أسرار التمثيل الضوئي (التحويل الكيميائي لثاني أكسيد الكاربوهيدرات في وجود الطاقة الشمسية فقط). فهم مثل هذا التفاعل الكيميائي وجزيئاتها، والتي تجعل الحياة على الأرض ممكنة، قد يساعد في إنتاج طاقة نظيفة ومتوفرة للاستخدام البشري. يتمنى ليفيت يومًا ما تطوير محاكاة للكائن الحي بالكامل على المستوى الجزيئي.


 

مصدر