يبحث العلماء دائمًا عن المواد الغريبة ذات الأشكال الرائعة المتنوعة، وقد عُثر عليها حقًا؛ مادة عازلة بوزونية مترابطة، إذ إن البوزونات جسيمات دون ذرية حاملة للطاقة تنقل أنواع القوى بين الجسيمات في الذرة، وهي في الواقع مادة جديدة، ليس ذلك فقط، بل أيضًا حالة جديدة تمامًا للمادة.

المادة الجديدة شبكة مكونة من طبقة من ثنائي سيلينيد التنجستين وطبقة من ثاني كبريتيد التنجستين موضوعة فوق بعضها ولكنها غير محاذية لبعضها تمامًا، هذا الاختلال الطفيف في المحاذاة يعمل على تكوين نمطٍ ما يُعرف باسم نمط التموج، وهو مصطلح يستخدم في الرياضيات أو الفيزياء يُعبّر عن تداخل مجموعتين من الخطوط أو الأنسجة المتوازية بحيث تكون مجموعة مائلة بزاوية خمس درجات عن الأخرى، حيث تظهر تلك الأنماط على أشياء متعددة مثل التلفاز أو الطباعة أو التصوير الرقمي، يمكن أيضًا ملاحظتها في الموجات مثل تجربة الشق المزدوج، وهذا النمط يكشف عن بعض الخصائص المثيرة للاهتمام للمادة.

كي نعرف ما هو المميز بخصوص هذه المادة الجديدة، نحتاج إلى توضيح أكثر عن ماهية البوزونات والفرميونات، على المستوى الكمومي، تكون مجموعة الجسيمات مُكوّنة من نوعين رئيسيين، الأول: البوزونات، وهي حاملات القوة أو الطاقة مثل الفوتونات التي قد تشترك في نفس الحالة الكمومية، والثاني: الفرميونات، وهي الجسيمات الخاصة بالمادة مثل الإلكترونات، التي لا يمكنها أن تشترك في نفس الحالة الكمومية، لذلك عادةً ما يكون العمل مع الفرميونات أسهل.

يقول عالم فيزياء المادة المكثفة تشينهاو جين من جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا (UCSB): «من العادة أن يبذل الباحثون معظم جهودهم لفهم ما يحدث عندما توضع العديد من الفرميونات معًا، ولكن الدافع الرئيسي لعملنا هو أننا صنعنا أساسًا مادة جديدة من جسيمات دون ذرية وهي البوزونات المتفاعلة».

تحتوي الفرميونات أيضًا على دورات كمومية مغزلية نصف صحيحة، على سبيل المثال ، 1/2، 3/2، 5/2، حيث أن هذه الأعداد الكمومية المغزلية تحدد نوع حركة الجسيم دون الذري حول محوره، سواء باتجاه عقارب الساعة أو عكسها.

وعلى العكس؛ تحتوي البوزونات على عدد كامل أو عدد صحيح، وهذا ما يجعل الأمر يصبح مثيرًا للاهتمام.

قد يرتبط أيضًا فرميونان معًا، عن طريق إلكترون سالب الشحنة مع ما يسمى بالثقب أو الفجوة (وهي حالة الإلكترون الفارغة بعد فقدان شحنته في نطاق التكافؤ)، يكون معاكسًا وموجب الشحنة ويمكن أن يَحوي بداخله الإلكترون، فيندمجان معًا لتشكيل إكسيتون مع دوران كمومي مغزلي بعدد صحيح كامل، والذي يكون قادرًا أيضًا على العمل جسيمًا دون ذري أو بوزون.

باستخدام تقنيةٍ قائمةٍ على الضوء تسمى التحليل الطيفي لمسبار المضخة، وهي تقنية تُستخدم لقياس الظواهر التي تحدث داخل المادة بسرعة فائقة مثل حركات الذرات أو الجسيم دون الذري وذلك باستخدام نبضات الليزر القصيرة لحث الجسيمات، إذ أنشأ الباحثون وفحصوا سلوكيات وخصائص الإكسيتونات في نظامهم والإلكترونات من ثاني كبريتيد التنجستين والثقوب أو الفجوات من ثنائي سيلينيد التنجستين.

لاحظ العلماء أن تكوين الإكسيتونات يصل إلى كثافة معينة، إذ تكون مدفوعةً بتفاعلات قوية، وتصبح غير قادرة على الحركة، أدى هذا الجمود إلى حالة بلورية تعمل عازلًا و تُشكِّل مادة معينة، وفي نفس الوقت حالة لم يسبق رؤيتها من قبل.

يقول الفيزيائي ريتشن شيونغ من جامعة كاليفونيا في سانتا باربرا (UCSB): «ما حدث هنا هو أننا اكتشفنا الترابط الذي جعل البوزونات في حالة مُرتّبة للغاية».

يظن فريق الباحثين أن سلوك هذا النهج قد يؤدي إلى اكتشاف المزيد من المواد البوزونية في مجال الجسيمات دون الذرية في المستقبل، واستحداث طريقة محسنة لجميع العلماء لدراسة البوزونات في سيناريوهات وملاحظات حقيقية واقعية بدلًا من الأنظمة الاصطناعية.

قد لا تجد المادة المكتشفة حديثًا من جسيمات دون ذرية استخدامًا عمليًا فوريًا في الوقت الراهن، لذلك قد نظن أنها ليست بهذه الأهمية، لكن هذه الإبداعات الجديدة الغريبة تساعد العلماء على فهم كيفية تكوين الكون من حولنا وتماسكه.

مع أن الإكسيتونات دُرست جيدًا في الماضي، فالجدير بالملاحظة هنا هو التفاعلات القوية التي حدثت مع بعضها والخصائص الناتجة التي أنشأتها شبكة نمط التموج والتحليل الطيفي لمسبار المضخة.

يقول شيونغ: «نحن نعلم أن لبعض المواد خصائص غريبة للغاية، وأحد أهداف فيزياء المادة المكثفة هو فهم سبب امتلاكها لهذه الخصائص الغنية وإيجاد طرق لجعل هذه السلوكيات تظهر بشكل أكثر موثوقية ووضوح».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أربعة جسيمات أصغر من الذرة قد تختبر فهمنا قوانين الطبيعة

اكتشاف أدلة مثيرة تشير إلى وجود شكل أساسي جديد للمادة الكمومية

ترجمة: خالد عامر

تدقيق: باسل حميدي

المصدر