أُبلغ حديثًا عن إنجاز عالمي يُفيد أن مجموعة من علماء الأحياء قد خلّقوا أول جنين اصطناعي في المختبر باستخدام خلايا جذعية من الفئران وحاضنة خاصة فقط، دون الحاجة إلى بيضة مخصّبة، أو نطفة، أو رحم فأر.

نُشر هذا الإنجاز في مجلة سيل- cell من قبل باحثين من معهد وايزمان للعلوم- الإنجاز هو نموذج يشرح ما يحدث أثناء التطور المبكر لجنين الفأر في مرحلة ما بعد الزرع مباشرةً.

يعد هذا الإنجاز مرحلة حاسمة عند البشر الذين يخوضون تجربة الإخصاب الصناعي، إذ تفقد الكثير من الحوامل أجنتهن خلال مرحلة ما بعد الزراعة، دون معرفة السبب الكامن وراء ذلك. توفر النماذج طريقة تساعد على فهم الأخطاء التي يمكن أن تحدث، كما قد تؤدي إلى تطلعات مستقبلية حول ما يمكن القيام به.

مما يثير الاهتمام حول النموذج المنشور حديثًا هو تعقيده. هو لا يحاكي فقط مواصفات الخلية أو خصائصها الهيكلية والتنموية -مثل الخلايا التي يتشكل منها القلب، والدم، والدماغ، والأعضاء الأخرى- بل تحاكي أيضًا الخلايا الداعمة الموجودة في المشيمة والأنسجة الأخرى الأساسية في نشوء الحمل والمحافظة عليه.

تصعب دراسة المراحل الأولى من الحمل في معظم الحيوانات، لأن الأجنة عبارة عن خلايا مجهرية يصعب تحديد موقعها بدقة ومراقبتها داخل الرحم.

لكن في المرحلة الأولية من التطور قد تحدث بعض الأمور غير المتوقعة. على سبيل المثال، قد تؤثر العوامل البيئية على النمو أو تفشل الخلايا في تلقي الإشارات الصحيحة لتشكّل الحبل الشوكي، كما هو الوضع في حالة السنسنة المشقوقة- spina bifida.

مع ذلك، من المهم أن نفهم أنّ هذه النماذج ما زالت قيد الدراسة وليست أجنة حقيقية، لكنها تُعد أداة بحث قوية.

يطور الباحثون فقط بعض الجوانب التنموية للخلايا، لكن لا يمكنهم إنتاج البنية الخلوية ودراسة الإمكانية التطورية للأجنة الناتجة عن تلقيح البويضات بواسطة الحيوانات المنوية.

يشير الفريق الذي أنجز هذا العمل أنهم لم يتمكنوا من تطوير هذه النماذج لأكثر من ثمانية أيام بينما يبلغ الحمل الطبيعي للفأر 20 يومًا.

هل يُمكن تطبيق الأجنة الصناعية على البشر؟

يتقدم مجال نمذجة الأجنة بسرعة، ويترافق هذا التقدم مع ظهور تطورات جديدة كل عام.

في عام 2021، تمكنت عدة فرق من جعل الخلايا الجذعية المتعددة القدرات -التي تتمايز إلى أنواع مختلفة من الخلايا- تتجمع في طبق بتري يٌحاكي الكيسة الأريمية blastocys.

تُعد هذه المرحلة الأولى من التطور الجنيني قبل عملية الزرع المعقدة، عندما تلتصق كتلة من الخلايا مع جدار الرحم.

تمكن الباحثون الذين يستخدمون نماذج الأجنة البشرية التي تسمى بلاستويدس- blastoids من البدء في اكتشاف نتائج زرع هذه النماذج في طبق بتري، لكن تمثّل هذه العملية تحديًا كبيرًا عند البشر مقارنةً مع الفئران.

إن تطوير هذه الأجنة عند البشر باستخدام النماذج المعقدة التي أجريت على الفئران ما يزال اقتراحًا بعيد المنال، لكن علينا التفكير به.

الأهم من ذلك، نحن في حاجةٍ إلى معرفة مقدار ما يمكن تمثيله باستخدام هذا النموذج، إذ إن تطوير معرفتنا عن التنمية البشرية باستخدام الجنين الاصطناعي في طبق بتري ستكون محدودة.

المزايا الأخلاقية

لا يمكن أن تحدث أي نمذجة جينية دون مصدر للخلايا الجذعية، لذلك عندما يتعلق الأمر بتطبيق هذه النماذج مستقبلًا فمن الضروري معرفة من أين تأتي هذه الخلايا؟ هل هي خلايا جذعية جينية بشرية مشتقة من كيسة أريمية؟ أم أنها ناجمة عن خلايا جذعية متعددة القدرات التي يمكن صنعها في المختبر من الجلد، أو خلايا الدم، أو حتى من عينات مجمدة؟

أحد الاعتبارات المهمة هو ما إذا كان استخدام الخلايا لهذا النوع من البحث -محاولة نمذجة جنين في طبق- يتطلب موافقة جهة محددة أم لا؟ يجب التفكير في كيفية إدارة هذا المجال من البحث وتحديد توقيت استخدامه ونوعية الأشخاص المسؤولين عنه.

من المهم أيضًا إدراك وجود قوانين حالية وإرشادات دولية تخص دراسات الخلايا الجذعية تجيب عن هذه التساؤلات وتُنظم هذه الأبحاث في إطار محدد.

في أستراليا، تتطلب الأبحاث المتعلقة بنماذج أجنة الخلايا الجذعية البشرية ترخيصًا مشابهًا لاستخدام الأجنة البشرية الطبيعية بموجب القانون الذي نُصّ عام 2002، مع ذلك على عكس الولايات الأخرى، يُحدد القانون الأسترالي أيضًا المدة التي يمكن أن يعمل الباحثون خلالها على النماذج، ويعد بعض الباحثين هذا الأمر تقييدًا لهم ويسعون إلى تغييره.

يوجد فرق بين حظر استخدام تقنية زراعة الأجنة البشرية، وتقنية الاستنساخ البشري التكاثري، إذ إن السماح للباحثين باستخدام نماذج الأجنة يعزز فهمنا لتطور البشرية والاضطرابات التنموية التي لا يمكننا الإجابة عنها بأي وسيلة أخرى.

اقرأ أيضًا:

تنمية غدد دمعية اصطناعيًا وتحريضها على البكاء

العلماء يتمكنون من خلق كيسة أريمية بشرية اصطناعية

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: فاطمة جابر

المصدر