يعدّ الكربون عنصرًا باهرًا، تترتب ذرّات الكربون بطريقة معيّنة، فيشكّل الجرافيت الليّن والمرن، ومن خلال إعادة ترتيبها بطريقة أُخرى، يتشكل الألماس أحد أقسى المواد في العالم!

كما يعدّ الكربون أيضًا العنصر الرئيسي لمعظم أشكال الحياة على الأرض، والحبر الأول المستخدم في رسم الوشوم، كما أنه أساس الأعاجيب التكنولوجية مثل الجرافين، وهي مادة أقوى من الفولاذ وأكثر مرونة من المطاط.

يتواجد الكربون بشكلٍ طبيعيّ بنظيره كربون -12 الذي يشكل حوالي 99٪ من نسبة الكربون الكليّة في الكون، كما يشكل النظير 13 حوالي 1% فيما يشكل النظير 14 مقدارًا ضئيلًا من الكربون الكليّ ولكنّه مهم جدًّا في تحديد عمر العناصر العضوية.

بعض الحقائق:

  • العدد الذري: (عدد البروتونات في النواة) 6
  • الرمز الذري: (في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية) C
  • الوزن الذري: (متوسط كتلة الذرة) 12.0107
  • الكثافة: 2.2670 غ/سم3
  • طوره في درجة حرارة الغرفة: صلب
  • درجة الانصهار: 3,550°C
  • درجة الغليان: 3,800°C
  • عدد نظائره: 15 نظيرًا بالمجمل، منها نظيران مستقران، والنظائر هي ذرات لنفس العنصر تملك عدد نيوترونات متغاير.
  • نظائره الأكثر شيوعًا: النظير 12 ( 6 بروتونات، 6 نيوترونات، 6 إلكترونات)، والنظير كربون-13 ( 6 بروتونات، 7 نيوترونات، 6 إلكترونات).

الكربون: بدءًا من النجوم وانتهاءً بالحياة:

ذُكر وفقًا لمركز سوينبرن للفيزياء الفلكيّة والحوسبة الفائقة أنّ الكربون باعتباره العنصر السادس الأكثر وفرة في الكون، يتشكل من باطن النجوم من تفاعل يسمى العملية ثلاثية الألفا.

يتكوم الهيليوم المتبقي عقب حرق النجوم الأقدم لمعظم ذراتها من الهيدروجين، تملك كل نواة هيليوم بروتونين ونيوترونين.

تبدأ نوى الهيليوم تحت درجات حرارة شديدة الارتفاع (أكثر من 107 كلفن (179999540.6 فهرنهايت)) بالاندماج بدايةً على هيئة أزواج مشكّلة نوى البريليوم رباعيّة البروتون غير المستقرة، وبعد تشكُّل ما يكفي من نوى البريليوم يتحد البريليوم والهيليوم فنحصل نهايةً على ذرّات بستة بروتونات وستة نيوترونات وهي التي تمثل الكربون.

يعدّ الكربون صانعًا للقوالب (الهياكل)، يمكن أن ترتبط ذرات الكربون مشكّلةً سلاسل طويلة مرنة تسمى البوليمرات، كما يمكنه أيضًا الارتباط مع مايصل إلى أربع ذرات أخرى نظرًا لتوزُّع إلكتروناته، تترتب الذرات بحيث تُحاط كل نواة بسحابة إلكترونيّة، والإلكترونات تتعرج على مسافات مختلفة منها.

يصوِّر الكيميائيون هذه المسافات على أنّها مدارات، ويحددون خصائص الذرات بما هو موجود في كل مدار، وفقًا لجامعة كاليفورنيا.

يمتلك الكربون مدارين إلكترونيين، يحمل الأول إلكترونين والثاني أربعة إلكترونات من أصل ثمانية (بإمكانها التوضع على المدار الثاني)، وعندما ترتبط الذرات، فإنها تشارك إلكتروناتها المتوضّعة على المدار الخارجيّ.

يحتوي الكربون على أربعة مساحات فارغة في مداره الخارجيّ، ما يمكّنه من ربط أربع ذرات أُخرى (ويمكنه أيضًا أن يرتبط بثبات إلى عددٍ أقلّ من الذرات من خلال تكوين روابط ثنائية وثلاثية)، أي بمعنى آخر للكربون خيارات متعددة يقوم باتخاذها، إذ اكتُشف ما يقارب 10 مليون مركّب كربون، كما يقيِّم العلماء الكربون على أنه الحجر الأساس في 95% من المركبات المعروفة، وفقًا للموقع العلمي Chemistry Explained.

تعدُّ قدرة الكربون على الارتباط مع العديد من العناصر الأخرى سببًا رئيسًا في كونه عنصرًا حاسمًا في كل أشكال الحياة تقريبًا.

يبقى اكتشاف الكربون ضائعًا في التاريخ، إذ كان معلومًا للناس ما قبل التاريخ بشكل الفحم، ولا يزال الكربون كالفحم مصدرًا رئيسيًا للوقود في جميع أنحاء العالم، إذ يوفّر وفقًا لرابطة الفحم العالمية حوالي 30% من الطاقة في جميع أنحاء العالم، كما يعدّ الفحم أيضًا مكوِّنًا رئيسيًّا في إنتاج الصلب، أمّا الجرافيت فهو شكل آخر للكربون من الزيوت الصناعية الشائعة.

يستخدم علماء الآثار نظير الكربون المشعّ 14، وهو نظيرٌ مشعٌّ للكربون لتحديد عمر المواد وبقايا الكائنات، يُستحدث نظير الكربون 14 بشكلٍ طبيعيّ في الغلاف الجوي.

وذُكر وفقًا لجامعة كولورادو أنّ النباتات تأخذه من عملية التنفس، إذ تقوم بتحويل السكريات المصنوعة خلال عملية التركيب الضوئيّ إلى طاقة تستخدمها في النمو والحفاظ على عمليّات أخرى.

تُقحم الحيوانات نظير الكربون 14 في منظومتها عن طريق أكل النباتات أو الحيوانات العاشبة، يبلغ عمر النصف لنظير الكربون 14 وفقًا لجامعة أريزونا 1430 عامًا ما يعني أنّه بعد مرور هذا الوقت تتحلل نصف كميته في العيّنة.

إنَّ توقُّف الكائنات الحيّة عن تناول نظير الكربون 14 بعد الموت، جعل العلماء يستخدمون نصف عمر نظير الكربون 14 كمقياس زمن للمدة التي مضت على موت الكائن الحي.

تسري هذه الطريقة على الكائنات ذوات الحياة الواحدة، بالإضافة إلى المكوّنات المصنوعة من الخشب أو المواد النباتيّة الأُخرى.

هل تعلم؟

  • اكتسب عنصر الكربون اسمه من الكلمة اللاتينية carbo، والتي تعني (الفحم).
  • يعدّ الألماس والغرافيت من بين المواد الطبيعية الأقسى المعروفة والألين على التوالي، بيد أنّ الفرق الوحيد بين الاثنين هو هيكلها البلوريّ.
  • يُذكر بحسب موسوعة الأرض أنّ الكربون يشكِّل 0.032% من الغلاف الصخريّ للأرض (القشرة والغلاف الخارجيّ) من حيث الوزن، حيث أنّ هناك تقديرٌ تقريبيٌّ لثقل الغلاف الصخري وضعه عالم الجيولوجيا في جامعة لاسال ديفيد سميث مقدَّرًا بـ 3×1023، مما يجعل الوزن التقريبيّ للكربون في الغلاف الصخري 1.056×1022.
  • يشكِّل غاز ثاني أوكسيد الكربون وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي للأرض (NOAA) حوالي 0.04% وهي زيادة تشكّلت قبل الثورة الصناعية بسبب حرق الوقود الأحفوري.
  • يتشكّل الألماس؛ وهو الإصدار الأكثر أناقة من الكربون تحت ضغطٍ كبيرٍ في أعماق القشرة الأرضية، كانت الماسة Cullinan الماسة الأكبر على الإطلاق من بين الأحجار الكريمة، إذ عُثر عليها عام 1905، وفقًا لمجموعة رويال تراست، بلغت كتلة الماس غير المصقول 3106.75 قيراط، بينما وزنت أكبر جوهرة 530.2 قيراط، وكانت واحدة من جواهر التاج في المملكة المتحدة ولقبت بالنجم العظيم في أفريقيا.
  • رُسم وشم Ötzi the Iceman تبعًا لدراسةٍ في عام 2009 في مجلة العلوم الأثرية –وهو جثّةٌ عمرها 5300 عام وُجدت مجمّدةً في جبال الألب– من الكربون، كما أخذ الكربون دورًا ربّما في علاج الوخز بالإبر، إذ أُنشئت شقوق صغيرة في الجلد وفُركت بالفحم.

بحثٌ جارٍ

يعدّ الكربون عنصرًا مدروسًا منذ زمنٍ طويل، ولكنّ ذلك لا يعني بالضرورة عدم بقاء الكثير للاكتشاف عنه، قد يكون في الواقع العنصر نفسه الذي أحرقه أسلافنا في عصور ما قبل التاريخ كالفحم هو المفتاح لمواد التكنولوجيا من الجيل التالي.

اكتشف كل من ريك سماللي وروبرت كورل من جامعة رايس في تكساس وزملائهما عام 1985 شكلًا جديدًا من الكربون.

ابتكر العلماء جزيئًا جديدًا غامضًا مصنوعًا من الكربون النقيّ من خلال تبخير الجرافيت بالليزر وفقًا لجمعية الكيمياء الكيميائية الأمريكية، تحوّل هذا الجزيء إلى شكلٍ كرويّ مصنوع من 60 ذرة كربون، أطلق فريق الباحثين على اكتشافهم اسم buckminsterfullerene تيمُّنًا بالمهندس المعماري الذي قام بتصميم القباب الجيوديسية.

يُعرف الجزيء الآن باسم “buckyball”.

حاز الباحثون الذين اكتشفوا هذا الشكل على جائزة نوبل في الكيمياء في عام 1996، وقد تبيّن وفقًا لدراسة نُشرت عام 2009 في دورية المعلومات الكيميائية والنمذجة أنّ للبكيبول قدرة على منع انتشار فيروس عوز المناعة البشريّ.

يعمل الباحثون الطبيُّون على إرفاق الجزيئات الدوائيّة مع بنى البكيبول لإيصال الدواء مباشرةً إلى مواقع العدوى أو الأورام في الجسم، يشمل هذا الإجراء بحوثًا من جامعة كولومبيا وجامعة رايس وغيرها.

اكتشفت منذ حينها جزيئات كربون نقيّة جديدة تُسمى الفوليرين، بما في ذلك “buckyeggs” ذات الشكل البيضويّ والأنابيب النانوية الكربونيّة ذات الخصائص الموصلة المدهشة.

لا تزال كيمياء الكربون شديدةَ الأهمية بدرجةٍ كافية للحصول على جوائز نوبل، إذ حاز باحثون من اليابان والولايات المتحدة عام 2010 بجائزةٍ لمعرفة كيفيّة ربط ذرات الكربون معًا باستخدام ذرات البلاديوم، وهي طريقة تمكّن من تصنيع جزيئات الكربون الكبيرة المعقّدة، وفقًا لمؤسسة نوبل.

يعمل العلماء والمصمّمون على مواد الكربون النانوية لبناء مواد تحاكي الخيال، إذ أعلن مقال في دورية Nano Letters نُشر عام 2010 اختراع أقمشة مرنة موصلة مغموسة بحبر من الكربون النانويّ، هناك اعتقادٌ بقدرتها على تخزين الطاقة، والتي قد تعبِّد الطريق نحو إنتاج بطاريات ملبوسة وخلايا شمسيّة بالإضافة إلى إلكترونيات أخرى.

تنطوي واحدة من أكثر الأقسام الحرجة في أبحاث الكربون اليوم على المادة الأشبه بالمعجزات والتي تُدعى الجرافين، وهي عبارة عن ورقة من الكربون يبلغ سمكها ذرّة واحدة فقط، إلّا أنّها أقوى المواد المعروفة بيد كونها لا تزال خفيفةً ومرنة، كما أنهّا تنقل الكهرباء بشكلٍ أفضل من النحاس.

يمثل إنتاج كتل الجرافين تحدِّيًا كبيرًا، على الرّغم من أنّ الباحثين في أبريل 2014 أفادوا أنّه بإمكانهم صنع كمياتٍ هائلة باستخدام لا شيء سوى خلاط المطبخ.

إذا تمكّن العلماء من معرفة كيفية صنع الكثير من الجرافين بسهولة، فقد تصبح هذه المادة شديدة الأهمّية في التكنولوجيا.
تخيّل إيجاد أدوات مرنة وغير قابلة للكسر تصادف كونها أيضًا رقيقة!

لقد قطع الكربون في الواقع أشواطًا طويلةً منذ بدء أخده شكل الفحم والماس.

الأنابيب الكربونيّة النانومترية:

تأخذ الأنابيب الكربونية النانومترية هيكلًا صغيرًا أقرب للقش مصنوعًا من الكربون.

تعدّ هذه الأشكال واسعة الاستخدام في مجالات التكنولوجيا الإلكترونية والمغناطيسية والميكانيكية.

تتناهى أقطار هذه الأنابيب في الصغر، لدرجة أنّها تُقاس بالنانومتر، حيث تقيس وحدة النانو 10-9 من المتر أي ما يقارب 10000 مرة أصغر من قطر الشعرة.

يذكر وفقًا لدورية nanoScience Instruments أنّ الأنابيب النانوية الكربونية تفوق الفولاذ على الأقل 100 مرة قساوةً، بالرغم من أنّها تزن سدسها، ما يعني أنّه بإضافتها تُعزَّز صلابة المواد، بالإضافة إلى أنّها أفضل من الرصاص في نقل الحرارة والكهرباء.

يتمُّ على سبيل المثال في عملية التحلية التقليديّة ضخ مياه البحر تحت ضغوطٍ عالية، وإدخالها عبر أغشية ذات أسموزية معاكسة، تستبعِد هذه الأغشية كل الجزيئات الكبيرة، بما فيها الأملاح، سامحةً فقط للمياه العذبة بالعبور، إلا أنّ هذه الطريقة مكلفة و باستطاعتها معالجة فقط 10% من حاجة البلد من المياه، وفقًا لمختبر لورانس ليفرمور الوطني LLNL.

أوجد العلماء باتّباع التقانات النانوية طريقةً تحاكي البنية البيولوجية للأغشية، بشكلٍ أساسيّ إيجاد مطرس يحوي مسام في الأغشية.

استخدموا الأنابيب النانومترية ذات الأقطار الصغيرة، أصغر من قطر الشعرة ب 50,000 مرة، تسمح هذه الطريقة بتدفّق المياه بسرعةٍ عالية بالرغم من كونها ضيقة لدرجة لا تسمح لأكثر من جزيئة بالمرور في الآن الواحد، وما هو أكثر أهمية أنّ شوارد الملح أضخم من أن تستطيع المرور خلال الأنابيب.

يعتقد الباحثون أنّ لاكتشافهم الجديد تطبيقات مهمة على الجيل المقبل لكل من عمليات تنقية المياه وتكنولوجيا أغشية التدفق العالي.


  • ترجمة: مريم عيسى
  • تدقيق:ماجدة زيدان
  • تحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر