حمى الخنادق هي إنتان بالبارتونيلة الخماسية، وهي من الأمراض المنتقلة بمفصليات الأرجل، تنتقل بواسطة قمل الجسد الإنساني. يترافق هذا الإنتان بتعدد الصور السريرية، كتجرثم الدم المزمن والتهاب الشغاف وتضخم العقد اللمفية والورام الوعائي العصوي.

منذ تسعينيات القرن الماضي، أصبح المرض معروفًا بانتشاره في الأوساط الفقيرة وبين المشردين وعند الذين يعيشون في ظروف غير صحية ومناطق مزدحمة تجعلهم أكثر عرضة للإصابة الطفيلية التي قد تنقل العدوى.

تعتمد الوقاية الأولية من حمى الخنادق على الوقاية من الإصابة بقمل الجسد.

العامل الممرض:

العامل الممرض هو جرثومة البرتونيلة الخماسية، وهي عصية سلبية الغرام بطيئة النمو صغيرة (من 0.3 إلى 0.5 ميكرومتر عرضًا ومن 1.0 إلى 1.7 ميكرومتر طولًا).

تحتوي البرتونيلة الخماسية على صبغي حلقي (1.6 ميغا بايت) وهو مشتق جيني من جرثومة البرتونيلة الهنسيلية التي تسبب داء خدش القطة.

المظاهر السريرية والمضاعفات:

تتراوح فترة الحضانة عادة بين 15 و 25 يومًا، ولكن أُبلغ عن حضانات أقصر تصل إلى ستة أيام.

تشمل المظاهر السريرية للإنتان بالبرتونيلة الخماسية الحمى المتكررة، وتجرثم الدم المزمن، والتهاب الشغاف، والورم الوعائي العصوي لدى ناقصي المناعة.

أُبلغ أيضًا أحيانًا عن اعتلال عقد لمفية ومضاعفات بصرية.

حمى الخنادق أو الحمى الخماسية (حمى تستمر 5 أيام) هي حمى متكررة تصيب الأفراد الذين لا يعانون من نقص المناعة. ترافق نوبات الحمى التي تدوم من يوم إلى خمسة أيام أعراض غير محددة ومتفاوتة مثل الصداع الشديد أو الوهن أو الألم في الساق أو فقدان الشهية أو آلام البطن. ويشيع فيها تضخّم الطحال.

يختلف عدد نوبات الحمى الدورية (من 1 إلى 5 بشكل عام) وتكون مفصولة بفترات لا عرضية تتراوح بين أربعة إلى ستة أيام. تنخفض حدة النوبات بمرور الوقت. على الرغم من أنها تعيق الحياة مدة طويلة، فإن معدل وفيات حمى الخنادق منخفض.

تجرثم الدم المزمن محتمل بسبب قدرة جرثومة البرتونيلة الخماسية على الكمون داخل الكريات الحمر والذي قد يكون لا عرضيًا. أثبت ذلك في كل من المرضى ناقصي المناعة والممنعين.

تعد جرثومة البرتونيلة الخماسية من الأسباب الهامة لالتهاب الشغاف سلبي زرع الدم.

الحمى هي العرض الرئيسي. غالبًا ما تكون التنبتات الصمامية مرئية في ايكو القلب. يمكن إجراء فحوصات التأكيد المخبرية إذا كانت الجراحة مطلوبة.

الورم الوعائي العصوي مرض ينتج عن تكاثر الأوعية الدموية نتيجة الإصابة بالبرتونيلة الخماسية أو البرتونيلة الهنسيلية. يتصف المرض بآفات على الجلد تكاثرية وعائية تشبه الساركوما، أو بإصابة أعضاء مختلفة مثل الطحال والكبد ونقي العظم والعقد اللمفاوية. أُبلغ عن الورم الوعائي العصوي الناتج عن جرثومة البرتونيلة الخماسية بين الأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب في التسعينيات، ولكن يمكن أن يؤثر على الآخرين الذين يعانون من نقص المناعة.

التشخيص التفريقي:

يختلف التشخيص التفريقي حسب العرض السريري، ويشمل بحسب العرض:

حمى الخنادق:

الحمى الراجعة الذي ينقلها القمل والقراد.

حمى خدش القطة وهو إنتان بالبرتونيلة الهنسيلية.

التيفوس.

الحمى التيفية والسالمونيلا غير التيفية.

الملاريا.

التهاب الشغاف:

عدوى مجموعة HACEK.

التهاب شغاف القلب بالعقديات.

داء الفيلقيات.

حمى Q.

الورام الوعائي العصوي:

ساركوما كابوزي.

الحبيبوم المقيح.

ثؤلول بيرو المسبب بالبرتونيلة العصوية.

اعتلال العقد اللمفية:

أسباب إنتانية معدية مثل: عدوى فطرية والتولاريميا والسل والطاعون والورم الحبيبي اللمفاوي الزهري (LGV) والإيدز والزهري.

أسباب غير معدية: سرطان العقد اللمفاوية وسرطان الدم والأورام الأخرى.

الوبائيات:

تاريخيًا، وُصفت حمى الخنادق بين الجنود خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. منذ ذلك الحين، وُثّقت حالات قليلة في أوروبا وروسيا.

ينتشر المرض في جميع أنحاء العالم بحسب الأدلة المصلية والتقنيات الجزيئية خاصة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا.

في التسعينيات، أُبلغ عن انتشار البرتونيلة الخماسية بين المشردين في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا (فرنسا).

عوامل الخطر الرئيسية لهذا الإنتان هي الفقر والازدحام والظروف غير الصحية، وإدمان الكحول، والتعامل مع القطط، وانتشار قمل الجسد. لذلك لوحظ المرض في المقام الأول بين الأشخاص المشردين.

لكن في المقابل، أُبلغ عن سلسلة صغيرة من الحالات من الإنتان بين المرضى ذوي المناعة الجيدة ودون الإصابة بقمل الجسد: مجموعة عائلية في التشيك اعتبر فيها عث الحمام هو الناقل، و ثلاث حالات من اعتلال العقد اللمفية لدى أطفال في إيطاليا.

يُعد البشر المضيف الرئيسي لها، وقد عُزلت الجرثومة جزيئيًا أيضًا في الثدييات: القرود والقطط والكلاب.

الانتقال:

تنتقل البرتونيلة الخماسية المسببة لحمى الخنادق من إنسان إلى إنسان بواسطة قمل الجسد، لكن وجد أن قمل الرأس مصاب بالجرثومة لكنه ليس ناقلًا.

كُشف DNA البرتونيلة الخماسية لدى عدد من مفصليات الأرجل (القراد، بق الفراش، البراغيث) ولكن لم يعرف الدور الوبائي لهذه المفصليات في انتقال العامل الممرض بعد.

يبتلع قمل الجسد البرتونيلة الخماسية التي تتكاثر في أمعائه، ويبقى قمل الجسد عندها معديًا مدى حياته.

تفرز الجرثومة في براز قمل الجسد، ويمكن أن يظل براز قمل الجسد المجفف المصاب معديًا لمدة 12 شهرًا. ويمكن أن تظهر حالات جديدة لبعض الوقت حتى بعد التخلص من القمل.

تحدث العدوى البشرية عند دخول البرتونيلة الخماسية من براز قملة ملوث عند الخدش والحكة. لا يستدعي الانتقال موت القمل، لذلك يمكن للحشرة الواحدة أن تنشر المرض إلى عدة أشخاص. يعيش قمل الجسد لمدة 20-30 يومًا يبقى خلالها مصدرًا للعدوى.

التشخيص:

أفضل وسيلة لتشخيص البرتونيلة الخماسية المسببة لحمى الخنادق هو عزل الجرثومة من الدم أو الأنسجة على وسط معين في ظل ظروف معينة، لكن بسبب النمو المنخفض للجرثومة، يعتمد التشخيص غالبًا على الاختبارات التشخيصية الداعمة كالاختبارات المصلية أو تقنية PCR.

التألق المناعي غير المباشر هي الطريقة المرجعية في الاختبارات المصلية. لكن احتمال حدوث تفاعلات متصالبة قائم، لا سيما مع أنواع البرتونيلة الأخرى.

تكشف مستويات عالية من الأضداد بين المرضى ذوي المناعة الجيدة المصابين بالتهاب الشغاف بالبرتونيلة الخماسية. لا يمكن للاختبار المصلية وحدها أن تؤكد التشخيص ويجب قرنها بالمعطيات السريرية والحالة المناعية للمريض والنتائج المخبرية الأخرى.

الدراسات المناعية النسيجية تفيد في تشخيص الورم الوعائي العصوي ويمكن تطبيقها على الخزعات من صمامات القلب والعقد اللمفاوية والجلد أو الأنسجة الأخرى.

يمكن للمقايسات الجينية القائمة على PCR على الدم والأنسجة أن تميز أنواع البرتونيلة.

العلاج:

المعلومات حول فاعلية العلاج محدودة بسبب العدد القليل من الدراسات المتاحة وبالتالي يعتمد اختيار العلاج على توصيات الخبراء. يجب تجنب استخدام الدوكسيسيكلين لدى الأطفال لأنه يغير لون الأسنان، وتختلف بروتوكولات العلاج بالمضادات الحيوية وفقًا لعرض المرض:

  •  حمى الخنادق وتجرثم الدم المزمن: دوكسيسيكلين 200 ملغ فمويًا يوميًا لمدة 28 يومًا يُشارك مع جنتاميسين 3 ملغ / كغ في اليوم وريديًا مدة 14 يومًا.
  •  التهاب شغاف القلب: دوكسيسيكلين 100 ملغ مرتين يوميًا لمدة ستة أسابيع مع جنتاميسين 3 ملغ / كغ في اليوم وريديًا مدة 14 يومًا.
  •  الورام الوعائي العصوي: أريثرومايسين 500 ملغ فموياً أربع مرات يوميًا مدة ثلاثة أشهر (الخط الأول) أو دوكسيسيكلين 100 ملغ فمويًا مرتين يوميًا مدة ثلاثة أشهر (علاج بديل)، ويمكن إضافة جنتاميسين 3 ملغ / كغ في اليوم وريديًا لمدة 14 يومًا. يمكن أيضًا اعتبار السيفترياكسون والفلوروكينولونات علاجًا بديلًا.

مكافحة العدوى والحماية الشخصية والوقاية:

تعتمد الوقاية الأولية من جرثومة البرتونيلة الخماسية المسببة لحمى الخنادق على تجنب الإصابة بقمل الجسد. ترتبط الإصابة بقمل الجسد بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، والازدحام، وقلة النظافة الشخصية.

ينتقل قمل الجسد بالاتصال المباشر مع شخص مصاب، ويحدث انتقال قمل الجسد من خلال الملابس أو الفراش. يتكاثر القمل بسرعة ويمكن أن يزداد عدده بنسبة 11٪ في اليوم، ويكون قمل الجسد شديد التأثر بالبرد والجفاف. يعيش في الملابس القريبة من جلد الإنسان، ويعد التخلص من الملابس الملوثة طريقة فعالة للسيطرة على الإصابة. إذا لم يكن ذلك ممكنًا، فيجب غسل الملابس بدرجة حرارة تزيد عن 60 درجة مئوية.

اقتُرح الإيفرمكتين الفموي في الأوساط الفقيرة لكنه لا يحمي من إعادة تفشي القمل.

قد تفيد بودرة مبيد الحشرات في إنقاص عدد الحشرات المتفشية.

لا يمكن استبعاد خطر الإصابة بالبرتونيلة الخماسية بالمواد المشتقة من الدم من قبل متبرعين مصابين بتجرثم الدم ولا عرضيين رغم عدم وجود تقارير عن ذلك، لكن أُبلغ عن حالة انتقال دموية للبارتونيلة الهنسيلية.

بسبب احتمال انتقال العدوى الدموية، يؤجل التبرع مدة أسبوعين على الأقل بعد زوال العلامات والأعراض واستكمال العلاج. لا ينصح بالتبرع بالأعضاء والخلايا والأنسجة من المتبرعين المتوفين المصابين بحمى الخنادق.

اقرأ أيضًا:

داء القمل Pediculosis: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج

حمى جبال الروكي المبقعة

ترجمة: هيا منصور

تدقيق: محمد سمير

المصدر