قد يشكل الوصول إلى تشخيصٍ دقيقٍ لاضطراب طيف التوحد تحديًا حقيقيًا، وخصوصًا بالنسبة للحالات الحدية.

ولكن بملاحظة طريقة توسع حدقة شخصٍ ما أثناء مراقبته عمودًا من النقاط المتنقلة، قد يعطي الأخصائيين قريبًا دليلًا إضافيًا لمساعدتهم في تحديد طريقة توصيل دماغ الشخص المفحوص.

إذ اكتشف باحثون علميون من جامعة بيزا في إيطاليا خداعًا بصريًا بسيطًا يمكن استخدامه للتحري الموضوعيّ عن آلية ميل بعض الأفراد للتركيز على التفاصيل بعيدًا عن الصورة العامة.

يشمل اضطراب الطيف التوحدي (Autistic Spectrum Disorder –ASD )، مجموعةً من السمات التي تتراوح بأثرها من الخفيفة إلى الشديدة.

وتتضمن نموذجيًا صعوباتٍ في التحكم السليم بالحركات ومعالجة المعلومات الحسية، ما يؤدي لسلوكياتٍ معينةٍ؛ كتجنب التنبيه المفرط، أو التحركات المتكررة.

كما قد يشكل التواصل والاستجابة للإشارات الاجتماعية تحديًا للمرضى، مسببًا مجموعةً من المشاكل التي تتراوح بين صعوباتٍ في مهارات التواصل الواقعيّ، وتجنب الحديث تمامًا.

ونظرًا لكثرة محددات تشخيص اضطراب الطيف التوحديّ وتنوع ظواهره، وأنه عمومًا لا يمكن تمييزه إلا بعد عدة سنواتٍ من الولادة، من السهل جدًا عدم ملاحظة هذا الاضطراب.

وبالتالي قد يساعد مختصي هذا الاضطراب وجودُ أداةٍ تحدد مفارقةً واضحةً بين الشخص السليم وغير السويّ، في المطالبة بإجراء تشخيصٍ للأخير.

تستخدم الطريقة المبتكرة الجديدة طبقتين من الألوان المتباينة تتحركان باتجاهين متعاكسين داخل عمودٍ ضيق، انظر إلى الشكل وحدد ما إذا كان العمود يدور، أم أن ما تراه هما طبقتان من النقاط المنزلقة على بعضها؟

لا تقلق إن رأيتها تتبدل ذهابًا وإيابًا، فأدمغتنا عادةً ما تتردد أثناء محاولتها اعتماد معنىً واحداً للصورة، وبأي حالٍ يعتمد الفرق بين هيئتي خدعة عمود النقاط على كيفية تفسيرنا للطبقتين السابقتين.

فإذا رأيتهما كصفحتين تتحركان بشكلٍ منفصل، فإنك تركز على أحد اللونين ومن بعده الآخر، وكأن كلًا منهما تفصيلٌ مستقلٌ لمشاهد غير مرتبطةٍ ببعضها، وهي نظرةٌ تتوجه للتفاصيل بشدة.

ولكن عندما يوسع الدماغ الرؤية لتشمل الصورة العامة، فإنه يتعرف على الصورة المتحركة على أنها نظامٌ واحد، يُشاهَد فيه لونٌ واحد (غالبًا الأبيض) كنقطةٍ تتحرك على واجهة العمود لتنقلب في طرفه، وتظهر باللون الآخر (الأسود) على الجانب الداخليّ.

قد يركز بعضنا على عنصرٍ ما أكثر من الآخر، ولكن الأشخاص الذين تُظهر أدمغتهم سماتً تتعلق بشكلٍ أكبر باضطراب الطيف التوحديّ، يُفترض أنهم يركزون أكثر على التفاصيل، وهي علامةٌ على توصيلات المعالجة الحسية التي تنتج عن التوحد.

وقد قام باحثو هذه الدراسة بتطبيق هذا الخداع البصري على خمسين بالغًا لم يتم تشخيصهم باضطراب الطيف التوحديّ، وعوضًا عن سؤال المتطوعين عمّا رأَوه، راقب الباحثون أعينهم، فإذا كان تركيزها على الطبقات كتفاصيل مستقلة، سوف ترتج الحدقة أثناء ملاءمتهم للونين المتباينين.

ثم طبق الباحثون التجربة ذاتها على متطوعين بسماتٍ تتعلق بالتوحد، باستخدام استبيان الإبلاغ الذاتيّ، ورغم أن الاختبار لم يكن موجهًا لتشخيص الأفراد المفحوصين، إلا أنه مكّن الباحثين من ربط نتائجهم بمقاييس مستخدمةٍ لتوقع اضطراب الطيف التوحديّ.

وبالطبع، كان الأشخاص الذين سجلوا أعلى نتائج في الاستبيان المطبق هم من أظهروا ارتجاجاتٍ في الحدقة تُرجح أنهم كانوا يركزون على تفاصيل الصورة المتحركة أكثر من العمود المتحرك عمومًا.

من المألوف توظيف الخدع للتحري عما يخطط له الدماغ، فخدعة القناع المجوّف البصرية وُظفت كطريقةٍ لاختبار الفصام (الشيزوفرينيا) على سبيل المثال.

وينبغي القيام بمزيدٍ من الأبحاث قبل أن يصبح هذا الاختبار شائعًا بين الإجراءات التشخيصية، وخصوصًا لكون استبيانات الإبلاغ الذاتيّ تُجرى على عيناتٍ صغيرة نسبيًا، ولكن قد يعطي هذا الاختبار أملًا لمرضى التوحد بالحصول على المساعدة التي يستحقونها.


  • ترجمة: سارة وقاف
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: أحمد عزب
  • المصدر