تمكن الفريق الذي قاده عالم الكونيات كايكي تارو إينوي من جامعة كينداي في اليابان، من رسم خريطة لتوزيع المادة المظلمة باستخدام مراقبة انحناء الزمكان حول كتلة هائلة، وقد أُنجزَت هذه الرسمة بأعلى دقة ممكنة على الإطلاق، إذ بلغت دقتها حوالي 30 ألف سنة ضوئية فقط.

قد يبدو هذا كبيرًا، ولكن عند التفكير في أن عرض مجرة درب التبانة يبلغ حوالي 100000 سنة ضوئية، يصبح الأمر أكثر إثارة للإعجاب، إذ تمكن الباحثون من رسم خريطة لشيء لا يمكننا حتى رؤيته بمقياس أقل من ثلث حجم مجرتنا، على بعد يزيد عن 7.5 مليار سنة ضوئية، وهذا مذهل!

اعتمد التحليل على مصادفة متعلقة باصطفاف الأجسام الكونية مُشكِّلة ما يعرف باسم عدسة الجاذبية، إذ ينحني الزمكان حول الأجسام الضخمة بطريقة تذكرنا بكيفية انحناء الترامبولين تحت تأثير وزن الجسم عند الجلوس عليه، فإذا دُحرِجَت كرة على بساط الترامبولين، فإنها لن تتحرك في خط مستقيم، بل في خط منحنٍ لأنها ستتبع السطح المنحني.

يحدث شيء مماثل للضوء المندفع عبر الفضاء عندما يصادف زمكانًا منحنيًا حول جسم ضخم، مثل مجرة أو عنقود مجرة. لذلك، إن كان لدينا على سبيل المثال، مجرة بعيدة خلف أحد هذه الأجسام، فإن الضوء القادم من المجرة الأبعد سيتشوه ويتضخم في أثناء انتقاله عبر الزمكان المنحني.

تكمن أهمية هذه الظاهرة في قدرة العلماء على دراسة تلك المجرات البعيدة بدقة وتفصيل أكبر بكثير عند استخدامها، لكن الطريقة التي يتشوه بها الضوء ويتلطخ يمكن أن تكشف عن توزّع الجاذبية في العدسة الأمامية أيضًا.

وكما يبدو، فإن هذه الطريقة تُعد وسيلة ممتازة للعثور على مواقع المادة المظلمة، فهناك صعوبة في معرفة طبيعة هذه المادة مباشرة، فهي لا تشع ضوءًا ولا يمكن اكتشافها بالوسائل التقليدية، إلا أن هناك مؤشرات تشير إلى وجود المادة المظلمة في الكون بواسطة تأثيرات الجاذبية التي تمارسها، وبفضل هذه التأثيرات، يكون تتبع مكان تواجدها ممكنًا.

لن يُخبر هذا عن ماهية المادة المظلمة، لكن معرفة مكانها يمكن أن يساعد في فهم كيفية عملها.

في حالة عدسة الجاذبية، بمجرد تجاهل كل المادة العادية -مثل المجرات- من توزيع الكتلة التي فُكَّ تشفيرها من الضوء المشوه الصادر عن الجسم الأبعد، تبقى المادة المظلمة فقط.

هذا ما فعله إينوي وزملاؤه مع مجرة ذات عدسة جاذبية تسمى MG J0414+0534، وهي بعيدة جدًا لدرجة أن ضوءها يستغرق نحو 11.3 مليار سنة في الوصول إلينا.

بالقرب قليلاً، قامت مجرة العدسة الأمامية بتشويه الضوء وتقسيمه إلى أربع صور.

لا تفسر عدسة الجاذبية للمجرة الأمامية مواقع هذه الصور المنقسمة كاملًا. لذلك باستخدام مصفوفة أتاكاما الكبيرة المليمترية/تحت المليمترية القوية، وتقنية التحليل جديدة، استبعد الباحثون تأثيرات الأجزاء المرئية من مجرة العدسة على الضوء المشوه من MG J0414+0534، للحصول على خريطة أكثر تفصيلًا للمادة المظلمة.

تدعم هذه الخريطة الجديدة النماذج النظرية التي تفترض وجود مادة مظلمة في المجرات وفي الفراغات بينها، وبالفعل تُعد نظرية المادة المظلمة الباردة واحدة من النماذج الرئيسية التي تشرح تأثيرات الجاذبية للمادة المظلمة على توزع الكتل في الكون.

الجدير بالذكر هو أن هذه الخريطة توفر أداة قوية لفهم ودراسة المادة المظلمة على مقياس أصغر من المجرات، ما يفتح أبوابًا جديدة للبحث والاستكشاف في هذا المجال.

يقول الباحثون إن هذا يوفر أداة جديدة قوية للمساعدة في السعي لفهم المادة المظلمة، إذ إن عدم القدرة على تحديد توزعها على مقاييس أصغر من المجرات، قد أعاق الجهود المبذولة لحصر خصائصها، وإن القدرة على القيام بذلك سوف يساعد العلماء على تضييق نطاق عملهم.

اقرأ أيضًا:

وصف دقيق للطاقة المظلمة والمادة المظلمة التي تحكم الكون

لماذا لا نعرف شيئًا عن الطاقة المظلمة والمادة المظلمة؟

ترجمة: يوسف الشيخ

تدقيق: نور حمود

المصدر