يُعد الإقلاع عن التدخين، والحد من شرب الكحول، واتباع نظام غذائي صحي من العوامل الرئيسية للوقاية من السرطان. دائمًا ما نشعر أن التحكم في مستقبلنا خارج عن إرادتنا! فقد يكون من المخيف عدم وجود فكرة عمّا سيحدث في المستقبل، خاصةً عندما يتعلق الأمر بصحتنا.

لكن عندما يتعلق الأمر بالوقاية من السرطان، أظهرت دراسات حديثة أن بعض التغييرات في نمط الحياة قد يكون لها تأثير كبير.

تُظهر الدراسة التي أُجريت في عام 2022 أنّ التدخين، وشرب الكحول، وزيادة الوزن، هي الأسباب الرئيسية للوفاة بالسرطان التي يمكن الوقاية منها.

يقول أخصائي الأورام سونيل كاماث: «حدثت نحو 4.5 مليون حالة وفاة مرتبطة بالسرطان حول العالم – نحو 45٪ منها – بسبب عوامل الخطر السلوكية مثل التدخين، والشرب، ونمط الحياة الكسول، وهذه نسبة أعلى بكثير مما كنا نظن في السابق».

ماذا نفعل للوقاية من السرطان؟

وفقًا لتصريح الدكتور كاماث: «نحو ثلثي الوفيات المرتبطة بالسرطان تعود إلى أسباب يمكن الوقاية منها»، فإن الكلمة المفتاحية هي (يمكن الوقاية منه)، ما يعني أن هناك خطوات يمكننا اتخاذها، وتغييرات يمكننا إجراؤها تقلل من خطر الإصابة به.

إذن ما الذي يمكننا فعله للوقاية من السرطان؟

نبّه الدكتور كاماث على التغييرات الرئيسية في نمط الحياة التي ستساعد على تقليل مخاطر الإصابة بالسرطان، منها:

الإقلاع عن التدخين للوقاية من السرطان:

إن أحد أفضل الأشياء التي يمكن للمدخنين فعلها من أجل صحتهم -ليس فقط للوقاية من السرطان، ولكن لتقليل خطر الإصابة بأمراض وحالات أخرى أيضًا- هو الالتزام بالإقلاع عن التدخين؛ إذ تحتوي السجائر (والدخان السلبي الذي تنتجه) على مكونات سامة.

يُوضح الدكتور كاماث : «إن المواد الكيميائية في دخان السجائر تدمر الحمض النووي DNA، أو المخططات الجينية لجميع خلايا الجسم، ما يؤدي إلى تحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية. لذلك إذا بدأت الخلايا السرطانية بالنمو داخل الجسم، فإن المواد الكيميائية في السجائر تُضعف أيضًا قدرة الجسم على إصلاح تلف الحمض النووي، ولا يمكنها قتل تلك الخلايا السرطانية».

أفادت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها CDC أن 12.5% من البالغين الأمريكيين يدخنون السجائر، وهذه النسبة أعلى بكثير في بلدان أخرى. في تشيلي نحو 45% من السكان مدخنون، في حين يرتفع هذا العدد إلى 52% في جزيرة ناورو في المحيط الهادئ.

بحسب ما قاله الدكتور كاماث: «للأسف لا يزال التدخين شائعًا للغاية، خاصةً بين الرجال وخاصةً في البلدان النامية. فمن وجهة نظر الصحة العامة، هناك كثير من الفرص للتغيير».

تشير الدراسة إلى أن تسعة من أصل 10 وفيات بسرطان الرئة في الولايات المتحدة مرتبطة بالتدخين، ولكن التدخين يزيد أيضًا من خطر الإصابة بمعظم أنواع السرطان الأخرى.

ما تأثير عادة التدخين في الصحة؟

إذا كنا نتساءل عن مدى تأثير عادة التدخين في صحتنا، فهناك نقطة مهمة علينا الانتباه إليها، وهي أن هناك أنواع عدة من الأورام التي لا يراها الأطباء أبدًا في غير المدخنين.

التوقف عن شرب الكحول للوقاية من السرطان:

قد لا نعيد النظر في التخلص من بعض المشروبات عندما نكون منتشين، ولكن أظهرت الدراسات أنه كلما قلّلنا من شرب الكحول، قلّ خطر إصابتنا بالسرطان – وبالعكس، كلّما شربنا أكثر، زادت مخاطر إصابتنا به.

يزيد شرب الكحول بانتظام من خطر الإصابة بسرطان الأعضاء الآتية:

  •  الصدر.
  •  القولون والمستقيم.
  •  المريء.
  •  الحنجرة.
  •  الكبد.
  •  الفم.
  •  الحلق.

وفقًا لبعض الإشاعات، إن بعض أنواع الكحول أفضل من غيرها، ولكن هذا غير صحيح عندما يتعلق الأمر بمخاطر الإصابة بالسرطان.

أعلن الدكتور كاماث: «إن أنواع الكحول جميعها ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان. وتتضمن البيرة، والنبيذ الأحمر والأبيض، والخمور، وأقراص سيلتزر الفوارة، وغيرها».

يصل الخطر إلى ما هو أبعد من السرطان أيضًا؛ إذ وجدت إحدى الدراسات أن الكحول مرتبط بحدوث 2.8 مليون حالة وفاة سنويًا، ما يجعله السبب الرئيسي لوفاة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و49 عامًا.

إن الإحصائيات واضحة سواء كنا مهتمين أو مستعدين للتوقف عن الشرب، فإن خيار التوقف (أو البدء في التقليل من استهلاك الكحول) سيكون له تأثير إيجابي في صحتنا.

الحفاظ على وزن صحي للوقاية من السرطان:

أفضت الدراسة التي أُجريت في أغسطس 2022 إلى أنه إضافةً إلى التدخين وتعاطي الكحول، فإنّ ارتفاع مؤشر كتلة الجسم BMI هو أحد أهم ثلاثة أسباب للوفيات المرتبطة بالسرطان التي يمكن الوقاية منها؛ إذ تُمثل البدانة خطرًا متزايدًا لكل نوع من أنواع السرطان.

إذا نظرنا إلى الإحصائيات، سنجد أن مئات الآلاف من أنواع السرطانات سببها البدانة. وتؤكد البيانات أن البدانة وزيادة الوزن وجهان لعملة واحدة وهي خطر الإصابة بالسرطان؛ إذ ارتفعت نسبة الإصابة به نحو 20 % بين عامي 2010 و2019، وذلك غالبًا نتيجة عوامل الاستقلاب والبدانة على نحو أساسي.

إن هذا الموضوع دقيق وجوانبه متعددة ومُحيّر بعض الشيء، ويرجع ذلك إلى أن البدانة وزيادة الوزن من الحالات الصحية الاستقلابية. وإضافةً إلى ذلك، لا يُعد مؤشر كتلة الجسم دائمًا مقياسًا دقيقًا لما يجب أن يكون عليه الوزن الصحي.

لكن ما هو جليّ أنّ بعض العوامل التي قد تسبب البدانة وزيادة الوزن يستطيع لأشخاص التحكم فيها لإدارة حياتهم وتغييرها نحو الأفضل.

إن اتباع أسلوب حياة خَمول (عدم ممارسة التمارين الرياضية الكافية)، وتناول نظام غذائي سيئ له تأثير سلبي في زيادة الوزن. فضلًا عن ذلك، فهو يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، حتى لو كان مؤشر كتلة الجسم صحيًا.

لذلك، بدلاً من التركيز على الأرقام الظاهرة على الميزان أو قياس الجينز، علينا التركيز على اتباع أسلوب حياة صحي واتخاذ الخيارات المفيدة لجسمنا، من بينها:

  •  تناول نظام غذائي متوازن ومغذي.
  •  التمرن بانتظام.
  •  الحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد.
  •  التغلب على التوتر.

لسنا بحاجة إلى إجراء تغييرات جذرية مفاجئة، ولكن إذا بدأنا بإجراء تغييرات صغيرة يمكننا الاستمرار بها على مدار شهور وأعوام، فسيُحدث ذلك فرقًا كبيرًا.

عوامل أخرى للوقاية من السرطان:

تؤدي ممارسات وسلوكيات حياتية أخرى دورًا في خطر الإصابة بالسرطان منها:

  •  ممارسة الجنس غير الآمن: صنفت دراسة أغسطس 2022 أيضًا الجنس غير الآمن على أنه عامل خطر رئيسي للإصابة بالسرطان (خاصةً سرطان عنق الرحم) لدى النساء، ولدى الأشخاص AFAB (الشخص الذي كان أو يظن أنه أنثى بناءً على جسده عند ولادته) في جميع أنحاء العالم. لذلك يجب ممارسة الجنس الآمن تجنبًا للأمراض المنقولة جنسيًا STIs التي ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان.
  •  الأطعمة المُعالجة: يظن الباحثون أن مثل هذه الأطعمة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، لذا علينا بذل جهد مضاعف للالتزام بالأطعمة الصحية.
  •  التعرض لأشعة الشمس: لم تبحث دراسة أغسطس 2022 على وجه التحديد في التعرض لأشعة الشمس، ولكنها لاحظت أن الأشعة فوق البنفسجية هي أيضًا سبب يمكننا حماية أنفسنا منه للوقاية من الإصابة بالسرطان.

توصي الدراسة بالتقليل من الوقت الذي نقضيه تحت أشعة الشمس، والالتزام بوضع الكريمات الواقية من الشمس. وأشارت أيضًا إلى أن الاستعمال المتكرر للمضادات الحيوية قد يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان لذلك علينا استعمالها بحذر؛ إذ تؤكد أيضًا أن الأشخاص الذين تناولوا كثيرًا من المضادات الحيوية في سن مبكرة جدًا قد يكون لديهم ميكروبات (مجموعة كبيرة ومتنوعة من الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات، تعيش في الجهاز الهضمي) متغيرة في الأمعاء يكون لها تأثير سلبي لاحقًا في الصحة.

هل يمكن منع تكوّن السرطان نهائيًا؟

لا تزال جميع التغييرات في نمط الحياة في العالم غير قادرة على ضمان عدم الإصابة بالسرطان نهائيًا، أو عدم حدوث مشكلات صحية أخرى، ففي بعض الأحيان تأخذ الطبيعة مجراها، وقد تؤدي الجينات دورًا في الإصابة به أيضًا.

في حين أن أقل من نصف الوفيات المرتبطة بالسرطان يمكن الوقاية منها، فإن الحقيقة هي أن أكثر من نصف الوفيات ليست مرتبطة بالسرطان فقط! ولسوء الحظ، لا يزال الأشخاص الذين يعيشون أنماط حياة صحية للغاية يُصابون بالسرطان، ولكن في الوقت نفسه، علينا اغتنام كل فرصة ممكنة لتحقيق أقصى قدر من الوقاية.

إن إجراء هذه التغييرات -رغم صعوبتها- يؤدي إلى تحسن كبير في المخاطر الإجمالية؛ إذ تشير البيانات إلى أن نسبة الإصابة بالسرطان انخفضت نحو 40٪ إلى 50٪. فالشخص الذي يُقلل من شرب الكحول، ويحافظ على وزن صحي، ويعيش بنشاط، ولا يدخن يكون أقل عرضة لخطر الإصابة بالسرطان عامةً.

لهذه التغييرات تأثير تراكمي، لذلك كلما بدأنا مبكرًا، كنا أفضل حالًا لاحقًا.

نرى عادةً تأثيرات هذه العادات على الأشخاص في الستينيات وما فوق، لذا من وجهة نظر الصحة العامة، من المهم جدًا البدء بإجراء تغييرات إيجابية في وقت مبكر، كما هو الحال في العشرينات والثلاثينيات من العمر.

إذا تمكنّا من تطوير عادات صحية في الطفولة، فسوف نستمر في اتباعها مع تقدمنا في العمر، وهذه هي الطريقة التي نخفف بها من المخاطر.

يقول الدكتور كاماث: «دائمًا ما يكون الوقت مناسبًا لبدء إجراء تغييرات صحية، فمهما كانت التغييرات صغيرة يمكنها أن تعطي نتائج إيجابية، فالتغييرات الصغيرة والدائمة قد يكون لها تأثير كبير جدًا في صحتنا».

اقرأ أيضًا:

هل تزيد منتجات الألبان خطر الإصابة بالسرطان؟

انتشار الخلايا السرطانية من الرئة إلى العظام: كيف يحدث؟ وما أسبابه؟

ترجمة: شهد شيخ قروش

تدقيق: ريمي سليمان

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر