تعد الرأسمالية العالمية الحالية العصر الرابع من عصور الرأسمالية، إن أبرز ما يميز هذا العصر عن عصور الرأسمالية السابقة التجارية والكلاسيكية ورأسمالية الشركات هو أن النظام المعمول به الذي كان يُدار سابقًا ضمن الدول، تخطى حدودها وأصبح الآن يدار خارجيًا على مستوى العالم.

سعى النظام الجديد إلى تحرير جميع جوانبه، بما في ذلك الإنتاج وتراكم الثروات وعلاقات السلطة والقوة والحكم وإعادة تنظيمها بطريقة عالمية متكاملة توفر الحرية والمرونة للشركات والمؤسسات المالية.

تحرير الأسواق العالمية والاندماج

يوضح عالم الاجتماع ويليام روبنسون في كتابه أمريكا اللاتينية والرأسمالية العالمية: «أن الاقتصاد الرأسمالي العالمي اليوم ما هو إلا نتيجة لتحرير الأسواق العالمية وإنشاء بنية فوقية قانونية وتنظيمية جديدة للاقتصاد العالمي وإعادة الهيكلة الداخلية لكل اقتصاد محلي واندماجه خارجيًا، ويهدف الجمع بين الاثنين إلى إنشاء نظام عالمي ليبرالي واقتصاد عالمي مفتوح ونظام سياسي عالمي يكسر جميع الحواجز المحلية أمام حرية حركة رأس المال بين البلدان وعملياته ضمنها، في سبيل البحث عن مصادر إنتاجية جديدة لرأس المال الفائض».

خصائص الرأسمالية العالمية

بدأت عولمة الاقتصاد في منتصف القرن العشرين، وتُعرف الرأسمالية العالمية اليوم بالخصائص الخمس التالية:

إنتاج البضائع

يعد إنتاج البضائع شائعًا عالميًا بطبيعة الحال، فقد أصبح بإمكان الشركات الآن نشر عملياتها الإنتاجية في جميع أنحاء العالم، إذ يمكن إنتاج المواد الأولية في أماكن عدة، وتجميعها في أماكن أخرى مختلفة، وقد لا تكون أي من تلك الأماكن هي البلد الذي تقع فيه الشركة المنتجة. في الواقع، أصبحت الشركات العالمية مثل أبل وولمارت ونايكي تشتري البضائع من المزودين المنتشرين حول العالم بدلًا من إنتاجها.

رأس المال والأعمال

تعد العلاقة بين رأس المال والأعمال مرنةً للغاية عالميًا، فهي تختلف تمامًا الآن عما كانت عليه في الماضي.

نظرًا إلى أن الشركات لم تعد تقتصر على الإنتاج داخل بلدها الأم، بل باتت توظف العمال من جميع أنحاء العالم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفي جميع نواحي الإنتاج والتوزيع.

نتيجةً لما سبق، أصبح العمل أكثر مرونة، إذ بإمكان الشركة الاستفادة من عمال العالم بأسره، ونقل إنتاجها إلى المناطق التي تتميز برخص عمالتها ومهارتها العالية في حال رغبتها بذلك.

النظام المالي

يعمل النظام المالي ودوائر تراكم الثروات التي تتداولها الشركات والأفراد في أماكن مختلفة من العالم، ما جعل فرض الضراب على الثروة معقدًا للغاية.

تستثمر الشركات والأفراد من كل أنحاء العالم في يومنا هذا في الأعمال التجارية والأسواق المالية أينما يحلو لهم، مثل الأسهم والرهانات العقارية والعقارات وغيرها، ما منحهم تأثيرًا كبيرًا في المجتمعات عمومًا.

فئة جديدة من الرأسماليين

توجد الآن فئة عالمية من الرأسماليين (أصحاب وسائل الإنتاج والممولين والمستثمرين رفيعي المستوى) الذين يشكلون عبر مصالحهم المشتركة السياسات العالمية للإنتاج والتداول والتمويل.

أصبحت علاقات مراكز القوة في العالم اليوم مرتبطة ببعضها على نطاق واسع، وفي حين ما يزال من المهم الأخذ بعين الاعتبار تلك العلاقات وتأثيرها العام في الحياة الاجتماعية داخل الدول والمجتمعات المحلية، فإن الأكثر أهمية هو فهم كيفية عمل مراكز القوة العالمية تلك، وطرق توجيهها من قبل الحكومات وأصحاب القرار في الدول للتأثير في حياة الناس اليومية في جميع أنحاء العالم.

الدولة العالمية

تتولى مجموعة من المؤسسات إدارة السياسات العالمية للإنتاج والتجارة والتمويل، ويطلق على تلك المجموعة لقب الدولة العالمية.

استهلت حقبة الرأسمالية العالمية مشوارها بنظام حكم عالمي جديد يؤثر في الأحداث ضمن الدول والمجتمعات في جميع أنحاء العالم.

يقوم هيكل ما يسمى الدولة العالمية بصورة رئيسية على كل من الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين والمنتدى الاقتصادي العالمي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذ تؤلف المنظمات السابقة قواعد الرأسمالية العالمية وتنفذها، ووضعوا جدول أعمال للإنتاج والتجارة العالميين لتتماشى معه الدول الراغبة في المشاركة بهذا النظام.

الثروة المتزايدة وسلطة الشركات

عززت حقبة الرأسمالية الجديدة مستويات غير مسبوقة من تراكم الثروات ووسعت من سلطة الشركات وتأثيرها في المجتمع، نظرًا إلى أنها حررت تلك الشركات من القيود المحلية التي تفرضها الدول المتطورة، المتمثلة بقوانين العمل واللوائح البيئية والضرائب المفروضة على الثروات المتراكمة ورسوم الاستيراد والتصدير.

يعد مديرو الشركات التنفيذيون والماليون أصحاب القرار في السياسات الرأسمالية التي تؤثر في جميع دول ومجتمعات العالم، وذلك بصفتهم أعضاء الطبقة الرأسمالية الدولية.

اقرأ أيضًا:

الريعية الرأسمالية

ما هي أهم خصائص النظام الرأسمالي؟

ترجمة: ذو الفقار مقديد

تدقيق: تسبيح علي

مراجعة: نغم رابي

المصدر