قد يُنقَذ يومًا ما ضحايا الكوارث العالقون تحت أنقاض مبنى أو منجم منهار بفضل مُنقذ صغير غير متوقع: خنفساء تحمل حقيبة ظهر. حقق الباحثون تقدمًا هائلًا في تكنولوجيا السايبورغ، إذ ابتكروا سلالة من خنافس السايبورغ قادرة على تسلق الجدران والعوائق والأسطح المنحدرة، مع توجيهها من بُعد بواسطة وحدة تحكم ألعاب الفيديو.

تُسمى خنافس السايبورغ «زوبورغ»، وهي ثمرة تعاون بين جامعة كوينزلاند وجامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، وجامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة. زوّد الباحثون خنافس الظلام «زوفوباس موريو» بحقيبة ظهر مزودة بشريحة إلكترونية تُرسل إشارات كهربائية إلى قرون استشعار الخنافس أو أجنحتها الأمامية «الجناح الغمدي»، ما يدفعها إلى التحرك في اتجاهات مختلفة.

تُعرف خنافس الظلام أيضًا باسم «الديدان الخارقة» نظرًا إلى شكل يرقاتها الشبيه بالديدان. قد تُفيد هذه المخلوقات العالم بطرق متعددة، ففي مجال الطهي تُعدّ مصدرًا غنيًا بالأحماض الدهنية والبروتين، وتُستهلَك بكثرة في دول مثل المكسيك وتايلاند.

تتغذى اليرقات أيضًا على البوليسترين أحد أكثر أنواع البلاستيك شيوعًا في العالم، الذي يُستخدم في صناعة أدوات منزلية شائعة مثل مواد التعبئة وأدوات المائدة المستخدمة مرة واحدة. هذا ليس جيدًا للخنافس، لكن محاكاة طريقة هضمها لهذه المادة قد يُساعدنا على معالجة مشكلة النفايات البلاستيكية.

تتميز خنافس الظلام بصغر حجمها ورشاقتها، بحجم يصل إلى 32 مليمترًا في طول الجسم ونحو 8 مليمترات في الطول، وتتمتع بمواهب طبيعية تُمكّنها من المناورة حيث لا تستطيع الروبوتات، ضمن الحدود الضيقة للأنقاض الكثيفة والمختلطة.

نُشرت الدراسة الجديدة في مجلة (Advanced Science)، وتسلط الضوء على هذه المواهب الطبيعية للخنافس وتُضيف إليها «عناصر تحكم قابلة للبرمجة تتيح توجيهًا دقيقًا للاتجاهات، دون التأثير في عمر الخنفساء»، كما يقول المهندس ثانغ فو-دوان من كلية الهندسة الميكانيكية والتعدينية بجامعة كوينزلاند.

تُنقل هذه الضوابط القابلة للبرمجة عبر حقيبة ظهر على شكل خنفساء مزودة بأقطاب كهربائية تعمل كأعنّة كهربائية. يُؤدي تحفيز الهوائيات إلى دوران الخنفساء أو تباطؤها أو المشي للخلف. يُؤدي تحفيز كلا الجناحين إلى التسارع أو المشي للأمام، في حين يُؤدي تحفيز جناح واحد إلى الحركة الجانبية.

تستطيع روبوتات زوبورغ عبور عوائق تعادل ارتفاع جسمها بنسبة نجاح 92%، ويمكنها الانتقال من الأسطح الأفقية إلى العمودية بنسبة نجاح 71.2%، وهي نسبة لا تُضاهِيها أي روبوتات سايبورغ سابقة.

يوضح لاكلان فيتزجيرالد، المهندس في جامعة كوينزلاند: «مع أن الروبوتات بهذا الحجم قد حققت تقدمًا كبيرًا في الحركة، فإن الانتقال من الأسطح الأفقية إلى الجدران ما زال يُمثل تحديًا هائلًا لها». لكن الأمر ليس كذلك لروبوتات زوبورغ.

إن استخدام الخنافس يعني أن الباحثين ليسوا مضطرين لتصميم مشغلات أو أجهزة استشعار أو أنظمة تحكم، فالخنافس مجهزة بطبيعتها بتكيفات تطورية امتدت لملايين السنين. تشمل هذه التكيفات التسلقية وسائد أقدام مرنة لاصقة، ومخالب قابضة، وهياكل جسم صلبة ورشيقة.

تستخدم الحشرات أجهزة استشعار في أرجلها ومستقبلات ميكانيكية في هياكلها الخارجية إضافةً إلى قرون استشعارها لاستشعار المنبهات الفيزيائية، مثل ملمس الأسطح والاهتزازات. قد تركز التطورات المستقبلية على تحسين قدرة الخنافس على التسلق واستقلاليتها بدمج وحدة قياس بالقصور الذاتي توفر بيانات آنية وغير مرئية مثل التسارع والقوى الأخرى.

قد تُعزز إضافة كاميرا بصرية صغيرة الحجم وخفيفة الوزن آليات التحكم بشكل أكبر، وستكون ضرورية لتحديد هوية الأفراد المحاصرين في حالات البحث والإنقاذ. قد تُلهم التطورات في مجال السايبورغ الموصوفة هنا ابتكاراتٍ في مجال الروبوتات، مثل دمج مجسات شبيهة بالخنافس لتحسين قدرات الروبوتات على الملاحة.

جدير بالذكر أن العلماء حافظوا على ممارسات أخلاقية لضمان سلامة الخنافس، مقارنةً بالحيوانات الأخرى المستخدمة في الأبحاث، عاشت الخنافس في ظروف مترفة نسبيًا، إذ كانت تنام على فراش من نخالة القمح وتأكل شرائح التفاح الطازجة. تلقت الخنافس الرعاية اللازمة طوال الفترة المتبقية من عمرها، التي بلغت ثلاثة أشهر.

تُظهر هذه الدراسة أن علم السايبورغ يحرز تقدمًا كبيرًا. قد لا تكون بعد الأعضاء الروبوتية التي وعد بها الخيال العلمي، لكن خنفساء السايبورغ قد تكون قادرة على إنقاذ الأرواح.

اقرأ أيضًا:

كم قريبون نحن البشر من الخلود؟

أكثر عشر حقائق مخيفة بخصوص الذكاء الاصطناعي

ترجمة: محمد الشرقاوي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر