مكنت السيطرة على النار من فتح آفاق إلى عوالم جديدة للبشر الأوائل، من إمكانية الوصول إلى عناصر غذائية أكثر عبر الطبخ -ما ساهم في زيادة حجم الدماغ- إلى جعل ساعات الليل مفيدة والنجاة خلال رحلات الهجرة عبر الأجواء القاسية.

فقدت المعلومات حول كيف ومتى حدثت هذه السيطرة عبر التاريخ، ومع وجود أجزاء من مواد محروقة تدل على تطويعنا النار منذ ما يصل إلى مليون سنة، استعمل العلماء تقنية الذكاء الاصطناعي للكشف عن أدلة مخفية عن نيران مخيمات في موقع أحفوري في فلسطين، يعود تاريخه إلى نحو مليون سنة سابقة.

يعتمد الكشف عن النار في المواقع الأثرية على أدلة مثل احمرار التربة وتغير لون المواد وتشوهها وتشققها وانكماشها.

استعمل الباحثون في الدراسة الجديدة مقياس حرارة طيفي، الذي يمكنه اكتشاف تغيرات كيميائية دقيقة للغاية وحُلل بخوارزميات التعليم العميق، الذي يمكنه توقع تعرض الأحجار والحفريات إلى الحرارة.

استعمل عالم الآثار زين ستيبكا وزملاؤه من مركز كيميل لعلم الآثار مقياس الحرارة لقطع أثرية من الصوان من موقع في فلسطين، يعود تاريخها الى ما بين 1 و0.8 مليون سنة.

عثر على القطع الأثرية إلى جانب آثار أحفورية حيوانية في رمل أصفر-رمادي كان موجودًا فوق طين أحمر، لكن لم تكن هنالك أي دلالات مرئية واضحة على استعمال النار في ذلك الموقع.

ولكن كشف مقياس الحرارة المعتمد على الذكاء الاصطناعي عن إشارات كيميائية صغيرة، مقترحًا أن عددًا من الأدوات الحجرية وقطع من الأنياب سُخنت لدرجات حرارة متنوعة، بعضها إلى درجة حرارة أعلى من 400 درجة، وذلك يقترح أنها كانت على تماس مع النار.

بينما يظن الفريق أن باستطاعتهم استبعاد الحرائق البرية في هذه النقطة، إذ إن الموقع في مكان مكشوف، فإن تجمع الأدوات والعظام تدل على أن البشر الأوائل كانوا في الواقع يتحكمون بالنار.

كان الاعتقاد السابق أن استعمال البشر الأوائل النار قبل 150.000 سنة كان استعمالًا انتهازيًا، كالطيور الجارحة الأسترالية التي تنشر النيران متعمدة لإخراج الطرائد من جحورها، ولكن هذه النيران كانت في حقيقة الأمر محصورة في مواقع المخيمات، وهذا يدل على عكس ذلك.

تحتوي مجموعة صغيرة من المواقع الأثرية بهذا القدم على آثار للبشر الأوائل إلى جانب أدلة عن نيران، وهذا ما يضيف أهمية إلى فكرة أن أجدادنا كانوا يستعملون هذه التكنولوجيا في ذلك الزمن.

قد يساعدنا استخدام آخر لهذه التقنية للكشف أكثر عن متى وكيف طوعنا النيران، كما تقترح الدراسة.

كتب الفريق: «قد يساهم إعادة فحص الآثار التي عثر عليها في مواقع أثرية أخرى من العصر الحجري، ومن ضمنها تلك الموجودة في بلاد الشام، بتوسيع إدراكنا الزماني والمكاني للعلاقة بين البشر الأوائل والنار».

اقرأ أيضًا:

لماذا تشتعل النار في الخشب ولا تشتعل في المعادن؟

بروميثيوس: حكاية مانح البشر النار والمعارف

ترجمة: علي باسم يوسف

تدقيق: رغد أبو الراغب

المصدر