ترتفع درجة حرارة المناطق البرية الجليدية في أنتاركتيكا بسرعة بسبب تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، ومع ذلك تشير دراسة جديدة إلى حليف غير متوقع في المعركة للحفاظ على برودة القارة: براز البطريق.

نُشر البحث في مارس الماضي، ويُظهر أن الأمونيا المنبعثة من براز البطريق تُنتج غطاءً سحابيًا إضافيًا فوق سواحل أنتاركتيكا، ما قد يحجب ضوء الشمس ويخفض درجات الحرارة.

صرح المؤلف الرئيسي ماثيو بوير عالم الغلاف الجوي في جامعة هلسنكي أن الدراسات المخبرية أظهرت أن الأمونيا الغازية قد تساعد على تكوين السحب. لكن لم تُحدّد هذه العملية فعليًا ولم نعرف تأثيرها في أنتاركتيكا بعد.

تُعد أنتاركتيكا مختبرًا طبيعيًا مثاليًا، فمع انعدام التلوث البشري تقريبًا وندرة الغطاء النباتي -وكلاهما مصدران بديلان للغازات المكونة للسحب- تسيطر مستعمرات البطريق على انبعاثات الأمونيا.

مع ذلك، فإن مستقبل الطيور مهدد، فتقلص الجليد البحري يُعطّل روتين تعشيشها وتغذيتها وتجنبها للحيوانات المفترسة، ما يجعل فهم دورها البيئي الأوسع أكثر إلحاحًا.

إلى جانب طيور بحرية أخرى مثل طيور الغاق الإمبراطوري، تُطلق طيور البطريق كميات كبيرة من الأمونيا عبر فضلاتها، مزيج لاذع من البراز والبول يُطلق عبر قنواتها متعددة الأغراض.

عندما يختلط الأمونيا بالغازات الحاملة للكبريت من العوالق النباتية -الطحالب المجهرية التي تزدهر في المحيط- فإنه يُعزز تكوين جزيئات الهواء الجوي الصغيرة التي تنمو لتتحول إلى سُحب.

لرصد هذا التأثير فعليًا، ركّب بوير وزملاؤه أجهزة في قاعدة مارامبيو الأرجنتينية في جزيرة سيمور، قبالة الطرف الشمالي لشبه جزيرة أنتاركتيكا.

على مدار ثلاثة أشهر صيفية راقب الباحثون اتجاه الرياح ومستويات الأمونيا والرذاذات الجوية المستجدة، عندما كانت مستعمرات البطاريق تعجّ بالحياة وتصل عملية التمثيل الضوئي للعوالق النباتية إلى ذروتها .

هبت الرياح من مستعمرة بطاريق أديلي التي تضم 60 ألف طائر، وتبعد ثمانية كيلومترات، وارتفعت نسبة الأمونيا في الغلاف الجوي إلى 13.5 جزءًا في المليار، ألف ضعف المستوى الطبيعي.

لأكثر من شهر بعد مغادرة الطيور في هجرتها السنوية، ظلت التركيزات أعلى بنحو 100 ضعف، إذ كانت الأرض المشبعة ببراز الطيور بمثابة سماد بطيء الإطلاق.

أظهرت عدادات الجسيمات النتيجة ذاتها: ارتفعت نسبة الرذاذات الجوية المكونة للسحب كلما وصلت كتل هوائية من المستعمرة، وفي بعض الأحيان كانت سميكة بما يكفي لتوليد ضباب كثيف، وأشارت البصمات الكيميائية في الجسيمات إلى الأمونيا المشتقة من البطاريق.

شراكة البطريق والعوالق النباتية:

يصفها بوير بأنها عملية تآزرية بين طيور البطريق والعوالق النباتية، ما يزيد من إنتاج الرذاذات الجوية في المنطقة.

كتب المؤلفون: «نقدم أدلةً على أن تراجع أعداد البطاريق يؤثر في الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي الصيفي للقارة القطبية الجنوبية». مع أن بوير أكد أنها لا تزال مجرد فرضية وليست نتيجة مؤكدة.

عالميًا، تسهم السحب في التبريد بعكس الإشعاع الشمسي إلى الفضاء، واستنادًا إلى نماذج أجريت في القطب الشمالي لانبعاثات الطيور البحرية، يعتقد الفريق وجود آلية مماثلة في القارة القطبية الجنوبية. لكن التأثير يعتمد أيضًا على ما يوجد تحت السحب.

تعكس الأغطية الجليدية والأنهار الجليدية أيضًا جزءًا كبيرًا من طاقة الشمس، لذا فإن زيادة السحب فوق هذه الأسطح الساطعة قد يحبس حرارة الأشعة تحت الحمراء بدلًا من ذلك، ما يعني أن التأثير الكلي يعتمد على مكان تشكل السحب واتجاه حركتها.

ومع ذلك، تُسلّط النتائج الضوء على الترابط العميق بين الحياة والغلاف الجوي من حدث الأكسجة العظيم الذي سببته الميكروبات الضوئية قبل مليارات السنين، وصولًا إلى تأثير طيور البطريق في السحاب اليوم.

«هذا مثال آخر على الترابط العميق بين النظام البيئي والعمليات الجوية، ووجوب الاهتمام بالتنوع البيولوجي والحفاظ عليه».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية في طيور البطريق وغيرها من الطيور

ترجمة: ماسة فؤاد كريم

تدقيق: باسل حميدي

المصدر