في الأيام الأولى من عمر النظام الشمسي، استغرق تشكل الأرض البدائية وقتًا أقصر بكثير مما اعتقدنا سابقًا. وفقًا للتحليل الجديد لنظائر الحديد الموجودة في النيازك، فقد استغرق اكتمال تشكل الأرض نحو 5 ملايين سنة، وهذا أقصر بكثير مما تقترحه النماذج الحالية.

تُعَد هذه المراجعة إضافةً رائعة إلى معرفتنا بتشكُّل الكواكب، إذ تقترح أن آلية التشكل متغيرة أكثر مما نعتقد، فهي تتغير حتى في الكواكب من نفس النوع، وحتى في الكواكب الصخرية المتجاورة مثل المريخ والأرض.

دراسة جديدة للنظائر قد تغير الجدول الزمني لولادة الأرض - كيفية تشكل الكواكب - انهيار تكتلات من سُحب الغاز والغبار تحت تأثير جاذبيتها

نحن لسنا متيقنين تمامًا بشأن كيفية تشكل الكواكب. لدينا فكرة عامة جيدة، أما التفاصيل الدقيقة فهي أصعب.

العامل الأهم في عملية تشكل الكواكب هو التشكل النجمي، إذ تتشكل النجوم عندما تنهار تكتلات من سُحب الغاز والغبار تحت تأثير جاذبيتها، ثم تدور حول نفسها، ما يجعل الغاز والغبار المحيط بها يدور حولها.

ومع الدوران المستمر تشكل تلك المواد قرصًا نجميًّا، يغذي النجم الآخذ في النمو. لكن النجم لا يبتلع كل هذه المواد، إذ يتبقى قرص الكواكب الأولي، الذي تتشكل منه الكواكب، وهذا يفسر ميل كواكب المجموعة الشمسية للتجمع في مستوى مسطح حول الشمس.

يبدأ التشكل الكوكبي بقطع صغيرة من الغبار والصخور تتجمع مع بعضها. ومع ازدياد حجمها، تشتد قوى الجاذبية، فتجذب كتلًا أخرى، مع الكثير من التفاعلات والتصادمات، وتكتسب حجمًا لتصبح كوكبًا مكتملًا.

كان الاعتقاد أن هذه العملية استغرقت عشرات الملايين من السنين. لكن الحديد في القشرة الأرضية يشير إلى خلاف ذلك، وفقًا لعلماء جامعة كوبنهاجن.

تختلف الأرض عن سائر كواكب النظام الشمسي، إذ يحتوي القمر والمريخ وأكثر النيازك على كميات متقاربة من نظيري الحديد 56 و54، أما الأرض فتحتوي نسبةً أقل من الحديد 54.

الجرم الوحيد المحتوي على مكونات مشابهة للأرض هو نوع نادر من النيازك يسمى كوندريت الكربون 1 CI chondrites)). بل أن مكوناته تشبه مكونات النظام الشمسي كله.

تخيل أنك تجمع مكونات صلصة البولنيز، لتحضرها معًا في وعاء واحد كبير، هذا هو القرص الكوكبي، الذي سيصبح لاحقًا النظام الشمسي. لكنك عندما توزع المكونات في أطباق أصغر، يصبح لديك نسب مختلفة من المكونات الموجودة في كل كوكب وكويكب على حدة.

يشبه كوندريت الكربون 1 الأوعية الصغيرة المحتوية على النسب الأولية للمكونات الكاملة، لذا فإن امتلاك إحدى هذه الصخور الفضائية يعطينا صورةً مصغرة للغبار الذي كان يدور في القرص الكوكبي الأولي في فجر النظام الشمسي، قبل 4.6 مليار سنة.

وفقًا للنماذج الحالية لتكوُّن الكواكب، فإن وجود الحديد في وشاح الأرض يماثل مزيجًا من جميع أنواع النيازك المختلفة، مع نسبة أعلى من الحديد 54.

لكن تشابه تكوين كوكبنا مع غبار كوندريت الكربون 1 يوحي بنموذج مختلف. بدلاً من نموذج الصخور المتصادمة، يقترح الباحثون أن لب الأرض الحديدي تشكل في وقت مبكر من طريق مطر الغبار الكوني، وهي عملية أسرع من تراكم الصخور الكبيرة. وفي هذا الوقت تشكل لب الأرض الحديدي مبكرًا.

وعندما برد النظام الشمسي، بعد بضع مئات الآلاف من السنين، تخلل غبار كوندريت الكربون CI الخارجي إلى داخل الأرض المتكونة، وانتشر في أرجاء الكوكب على الحديد الموجود في طبقة الوشاح.

ولأن القرص الكوكبي، والتوفر الكبير لغبار CI الذي أمطر الأرض، لم يستمر إلا مدة 5 ملايين سنة فقط، استنتج الباحثون أن الأرض قد تشكلت في أثناء هذه الفترة.

شرح مارتن شيلر، اختصاصي جيولوجيا الكواكب في جامعة كوبنهاجن: «بهذا أُضيف غبار CI إلى الحديد في قشرة الأرض، وهذا ممكن بشرط انتقال أكثر الحديد من القشرة إلى لب الأرض، ومن ثم تكوُّن اللب أولًا».

يفسر نموذج تراكم الغبار الكوني تشكُّل الأرض، وتشير الدراسة إلى إمكانية تشكل الكواكب في أماكن أخرى من الكون بنفس الطريقة.

لا تعمق هذه الدراسة فهمنا لتشكل الكواكب فحسب، بل تؤثر في فهمنا للحياة في الكون، وما إذا كان هذا النوع من التشكل الكوكبي شرطًا أساسيًّا للظروف المناسبة للحياة.

يضيف الفلكي مارتن بيزارو من جامعة كوبنهاجن: «نعلم الآن أن ذلك النوع من التشكل الكوكبي يحدث في كل مكان في الكون، إذ نمتلك آليةً عامة عن كيفية تشكل الأنظمة الكوكبية وعملها. وعندما نفهم الآلية الحادثة في نظامنا الشمسي، فربما نُكوِّن مراجعةً مشابهة حول الأنظمة الكوكبية الأخرى في المجرة. بما في ذلك معرفة كيفية تكوُّن المياه في الكواكب».

«إذا كانت هذه النظرية صحيحةً فعلًا، فربما كان الماء ناتجًا ثانويًّا لتكوُّن كوكب مثل الأرض، ما يجعل من وجود مكونات الحياة كما نعرفها في أماكن أخرى من الكون أمرًا محتملًا».

اقرأ أيضًا:

اكتشافات جديدة تساعد على الكشف عن جيولوجيا الكواكب خارج المجموعة الشمسية

من الممكن أن يوجد في مجرتنا وحدها 10 مليارات من الكواكب الشبيهة بالأرض

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: محمد الصفتي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر