لقد استغرق العلماء قرابة قرن من التجربة والخطأ لإعداد الجدول الدوريّ للعناصر، والذي يمكن القول بأنّه واحد من أعظم الإنجازات العلميّة في الكيمياء.

لكنّ برنامج الذكاء الاصطناعي الجديد – المطوّر من قِبَل علماء فيزياء في جامعة ستانفورد – أنجز هذا العمل الهائل في غضون بضع ساعات.

هذا البرنامج المسمى “Atom2Vec” تعلّم بنجاح كيفيّة تمييز الذرات المختلفة بعد تحليله قائمةً بأسماء مركبات كيميائيّة من قاعدة بيانات على الإنترنت.

ثمّ استخدم (برنامج الذكاء الاصطناعي غير المراقب – Unsupervised AI) هذا مبادئ مأخوذةً من (مجال معالجة اللغات الطبيعيّة – NLP) – تحديدًا من فكرة أنّ معنى كلمة معيّنة يمكن فهمه من خلال النظر إلى الكلمات الأخرى المحيطة بها – لتجميع العناصر وفقًا لخواصها الكيميائيّة.

«أردنا معرفة ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يصبح ذكيًا بما فيه الكفاية لاكتشاف الجدول الدوريّ وحده، وأظهر فريقنا أنّه قادر على ذلك بالفعل» صرّح شوشينج زانج، مسؤول الدراسة وأستاذ الفيزياء في مدرسة العلوم والعلوم الإنسانيّة في جامعة ستانفورد.

كما يصرّح زانج أنّ البحث المنشور في عدد شهر يوليو من مجلة (وقائع الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم – (Proceedings of the National Academy of Sciences يُعد خطوةً أولى ومهمة نحو هدفٍ أكثرَ طموحًا يريد تحقيقه، وهو تصميم بديل لاختبار تورينج، والذّي يُعتَبَر المعيار الأساسي لقياس ذكاء الآلة حاليًا.

لكي يتمكن الذكاء الاصطناعي من اجتياز اختبار تورينج، فإنّه يجب أن يكون قادرًا على الإجابة على الأسئلة المكتوبة بشكلٍ لا يمكن تمييزه عن إجابة إنسان.

لكنّ زانج يعتقد أنّ هذا الاختبار معيب بسبب عدم موضوعيّته.

يقول زانج: «إنّ البشر نتاج للتطوّر، كما أنّ عقولنا مزدحمةٌ بكل أنواع الأفكار اللّامنطقيّة.

ولكي يستطيع الذكاء الاصطناعي اجتياز اختبار تورينج فإنّه سيحتاج إلى إعادة إنتاج جميع جوانب اللا عقلانيّة البشريّة.

هذا صعب للغاية، وليس استخدامًا جيدًا لوقت المبرمجين».

بدلاً من ذلك، يقترح زانج معيارًا جديدًا للذكاء الاصطناعي ويقول: «نريد أن نرى ما إذا كان بإمكاننا تصميم ذكاء اصطناعي يمكنه التفوّق على البشر في اكتشاف قانونٍ جديدٍ من قوانين الطبيعة» ، ويضيف زانج: «ولكن من أجل القيام بذلك، علينا أولًا اختبار ما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي أن يعيد اكتشاف بعض أعظم الاكتشافات التّي قام بها البشر بالفعل».

يقول زانغ أنّه عند إعادة إنشائها للجدول الدوريّ للعناصر، فقد حققت “Atom2Vec” هذا الهدف الثانوي.

لقد أصدر زانج ومجموعته “Atom2Vec” كنسخة من برنامج ذكاء اصطناعي أنشأه مهندسو جوجل لتحليل اللّغة الطبيعيّة والذّي يُسمى “Word2Vec”.

برنامج الذكاء الاصطناعي هذا يعمل عن طريق تحويل الكلمات إلى رموز رقميّة، أو متّجهات (أشعة).

بواسطة تحليل هذه المتّجهات، يمكن للذكاء الاصطناعي تقدير احتمالية ظهور كلمة في نص معين في حالة حدوث تكرار لكلمات أخرى.

على سبيل المثال، غالبًا ما تكون كلمة “الملك” مصحوبة بكلمة “الملكة”، وكلمة “الرجل” بكلمة “المرأة”.

وهكذا، فإنّ المتجه الرياضيّ “للملك” قد يُكتب بالشكل التالي: “الملك = ملكة ناقص امرأة بالإضافة إلى رجل “.

قال زانج: «يمكننا تطبيق نفس الفكرة على الذرات، وبدلًا من إعطائه جميع الكلمات والجمل من مجموعة من النصوص، قمنا بإعطاء “Atom2Vec” جميع المركبات الكيميائيّة المعروفة، مثل NaCl ، KCl، H2O وما إلى ذلك».

عند تزويده بهذه البيانات المتفرقة، اكتشف الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، أنّ البوتاسيوم (K) والصوديوم (Na) يجب أن يتميّزا بخصائص متماثلة لأنّ كلاهما يمكن أن يتحد مع الكلور، وقال زانج: «مثلما يتشابه الملك والملكة، يتشابه البوتاسيوم والصوديوم».

يأمل زانج أن يتمكن العلماء في المستقبل من تسخير معرفة ل “Atom2Vec” حتّى يتمكّن من اكتشاف وتصميم مواد جديدة، وقال: «بالنسبة لهذا المشروع، كان (برنامج الذكاء الاصطناعي غير مراقب – Unsupervised AI)، ولكن يمكنك تخيل إعطائه هدفًا وتوجيهه للعثور مثلًا على مادة ذات كفاءة عالية في تحويل ضوء الشمس إلى طاقة».

يعمل فريق زانج بالفعل على الإصدار 2.0 من برنامج الذكاء الاصطناعي هذا، والذّي سيركز على حل مشكلة مستعصية في البحث الطبيّ، وهي تصميم (الجسم المضاد – antibody) المناسب لمهاجمة (المستضدات – antigens) – وهي جزيئات قادرة على إحداث استجابة مناعيّة – خاصّة تلك المرتبطة بالخلايا السرطانيّة.

حاليًا، يُعد العلاج المناعيّ للسرطان أحد أكثر الطرق الواعدة لعلاج السرطان، بحيث يستفيد من الأجسام المضادة والتّي يمكنها مهاجمة المستضدات على الخلايا السرطانيّة.

لكن يمكن لجسم الإنسان أن ينتج أكثر من 10 ملايين من الأضداد الفريدة، يتكوّن كل منها من توليفة مختلفة وتتألف من حوالي 50 جينًا.

يقول زانج: «إذا تمكّنا من تجميع هذه الجينات المكوِّنة لبناء الأجسام المضادة على متّجهات رياضيّة، سنتمكّن من تنظيم جميع الأجسام المضادة إلى شيء مماثل للجدول الدوريّ» ويضيف: «ثمّ، إذا اكتشفت أنّ أحد الأجسام المضادة فعّال ضد مستضد لكنّه سام، فيمكنك البحث عن جسم مضاد آخر في نفس العائلة والذّي يكون فعّالًا بقدر ذلك الجسم المضاد ولكنّه أقل سميّة».


  • ترجمة: مهران يوسف.
  • تدقيق: آية فحماوي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر