قبل خمسين عامًا مضت بدأت الفرضية التي كانت تتوقع وجود أجسام يُطلق عليها اسم الأجسام العامة للطاقة المظلمة Generic Objects of Dark Energy GEODEs تتلقى نظرة ثانية في سبيل اقتراح تصحيح الافتراضات التي نستخدمها لنمذجة طريقة توسع كوننا. وإذا كان هذا الإصدار الجديد للنموذج الكوني الكلاسيكي صحيحًا؛ فإن بعض الثقوب السوداء ستخفي نوًى من الطاقة المظلمة النقية، وتخلص إلى أن يكون الكون مجزءًا في طبقات.

وقد شكل كل من الفيزيائي الفلكي من جامعة هاواي كيفن كروكر Kevin Kroker وعالم الرياضيات جويل وينر Joel Weiner فريقًا من أجل دحض نظرية رائجة على نحو واسع، التي تقول بأنه عندما نتحدث عن حجم الكون المتنامي، فلا علاقة لمحتوياته بذلك.

قال كروكر: «لثمانين عامًا، عملنا تحت افتراض أن الكون عمومًا -ورغم الضربات القوية- لم يتأثر بالتفاصيل الدقيقة لأي منطقة صغيرة».

«من الواضح الآن أنه يمكن للنسبية العامة أن ترتبط بشكل ملحوظ بالنجوم المنهارة -هي مناطق بحجم هونولولوـ من أجل وصف سلوك الكون ككل، بدرجة أكبر بمليار مليار مرة».

لا يمكن لهذا التفسير البديل للفيزياء الأساسية أن يغير فهمنا لتوسع الكون فقط، وإنما قد نحتاج أيضًا إلى الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك النمو ربما يؤثر على الأجرام المندمجة مثل نوى النجوم المنهارة أو الثقوب السوداء.

إن حقيقة إضافة الفضاء لأجرام حقيقية باستمرار على مدار 13.8 مليار سنة هي الآن ميزة مقبولة بشكل واسع في كوننا.

إن صياغة معادلات نستخدمها لوصف هذا التوسع قد وضع لأول مرة على الورق منذ أقل من قرن مضى فقط، من قبل الفيزيائي الروسي أليكسندر فريدمان Alexander Friedmann، وقد وفرت هذه المعادلات حلًا لنظرية آينشتاين النسبية العامة، التي تعزز حاليًا نموذجنا الكبير لعلم الكون.

وبقدر ما كانت معادلات فريدمان مفيدة، فهي تعتمد على افتراض أن أي مادة تطفو داخل فضاء التمدد هذا هي تقريبًا مكونة من نفس النوع من العناصر، وتنتشر في النهاية بالتساوي.

ما يعني أننا نميل إلى تجاهل دوران النجوم والمجرات وكأننا لا نضمن وجود البط في دراسة الديناميكا المائية لبحيرة.

تساءل كروكر ووينر في ما قد يحدث للفضاء والأجرام التي يحتويها إذا أجرينا بعض التغييرات المنطقية إلى الافتراضات التي صاغت هذه المعادلات، والنتائج ليست من غير قيمة.

فوفقًا لنموذجهم المعدل، فإن متوسط وجود البط لمثالنا المجازي قد يؤثر في نهاية المطاف على مياه البحيرة. والأكثر من ذلك، فإن توسع البحيرة سيؤثر أيضًا على سباحة البط، مسببًا خسارتها أو ربحها للطاقة اعتمادًا على نوعها.

ربما تخفي الثقوب السوداء نوى من الطاقة المظلمة النقية التي تجعل الكون يتوسع الأجسام العامة للطاقة المظلمة الأجرام المندمجة نوى النجوم المنهارة

نظريًا يعني هذا التأويل أننا بحاجة إلى أخذ نمو الكون بالحسبان عند وصف بعض الظواهر، مثل موت النجوم.

في عام 1966، نظر فيزيائي روسي يدعى أيراست غلينر Erast Gliner في بعض الكثافات العالية القريبة من الانفجار العظيم لرؤية كيف تبدو -بمصطلح النسبية- مثل الفراغ الذي يقاوم تأثيرات الجاذبية.

قد يبدو حله كثقب أسود من الخارج، لكنه من الداخل يبدو كفقاعات من الطاقة التي تتدافع بوجه الكون المحيط.

بعد نصف قرن، علماء الفيزياء الآن هم في طور البحث عن مثل هذه القوة الدافعة التي ربما قد تكون مسؤولةً عن توسع الكون الذي يزداد سرعةً عبر الوقت.

نشير حاليًا إلى هذه القوة غير الموصوفة باعتبارها طاقة مظلمة، ولكن هل من الممكن أن تكون ما تحويه جعبة غلينر من الفراغ النسبي هي مصدر توسع كوننا المتسارع؟

وبالاعتماد على عمل كروكر ووينر، إذا كان عدد قليل فقط من النجوم المنهارة قد انهار ليصبح «أجسام غلينر العامة للطاقة المظلمة» عوضًا عن كونه فضاءً أكثر انحناءً لنقطة المتفرد، فيبدو معدل التأثير على توسع الفضاء مثل تأثير الطاقة المظلمة تمامًا.

ويتعمق العالمان أكثر، إذ طبقا نموذجهما المعدل على أول مشاهدة لأمواج الجاذبية الناتجة عن تصادم الثقب الأسود كما قاسها مرصد ليغو LIGO.

لجعل الرياضيات ملائمةً لذلك، افتُرض أن النجوم التي شكلت الثقوب السوداء المندمجة قد تشكلت في بيئة منخفضة المعادن، ما يجعلها نادرةً بطريقة أو بأخرى، وتقنيًا، ينبغي أن تتطور الأجسام العامة للطاقة المظلمة مع نمو الكون، لتُضغط هذه المواد بشكل فعال باعتبارها مكافئًا كونيًا “للإزاحة نحو الأزرق”.

ملاحظة: الانزياح نحو الأزرق هو أي نقصان في طول الموجة الكهرومغناطيسية (زيادة في الطاقة) ليقابلها زيادة في التردد. ويشار إلى التأثير المعاكس لها بالانزياح نحو الأحمر. في الضوء المرئي، تغير تلك الظاهرة اللون من النهاية الحمراء للطيف إلى النهاية الزرقاء له.

إذا كانت الثقوب السوداء أجسامًا عامةً للطاقة المظلمة، فوفقًا للباحثين لن تكون هناك حاجة إلى افتراض أن الثقوب السوداء قد نشأت في طبقة غير عادية من الفضاء.

قال الباحثون: «إن ما عرضناه هو فيما إذا كانت الأجسام العامة للطاقة المظلمة موجودة فعلًا، بالتالي يمكنها بسهولة أن تزيد معدل رصد الظواهر التي تفتقر حاليًا إلى تفسيرات مقنعة»، «نتوقع العديد من نتائج الرصد الأخرى للسيناريوهات المرتبطة بالأجسام العامة للطاقة المظلمة، من ضمنها العديد من الطرق التي تؤدي لاستبعاد وجود هذه الأجسام. إننا بالكاد بدأنا بخدش السطح».

إن اختبار افتراضات مثل هذه يُعتبر جزءًا حيويًا في الفيزياء، إذ إننا قطعنا طريقًا طويلًا في اختبارات الأجسام العامة للطاقة المظلمة في أي مكان رسمي متخصص بالفيزياء الفلكية، ولربما تكون هي القلوب المظلمة للكون التي كنا نبحث عنها.

اقرأ أيضًا:

ما مدى سرعة توسع الكون ؟ ضربة أخرى لثابت هابل

هل توسع الكون مجرد وهم؟

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: علي قاسم

المصدر