إذا كنت تتمنى لو أن ردود أفعالك أسرع، إذن ألقِ اللوم على الأفاعي، فردود أفعالنا البطيئة هي نتيجة تطور مقاومة جزئية ضد سم أفعى الكوبرا.

منذ أن غادر أجدادنا الأشجار، أصبحوا أكثر عرضةً لمواجهة الأفاعي التي تتواجد جحورها تحت الأرض والصخور، عندها كنا قد طورنا المقاومة الجزئية في عملية ذات مرحلتين، إذ ساعدت المقاومة الجزئية على النجاة للذين وقعوا ضحايا للدغة الأفعى على الرغم من أنها أدت غالبًا إلى فقدان أحد الأطراف، فبعض التضحيات أمر لا بد منه.

تقدر أعداد الوفيات التي تسببها لدغة الأفعى السامة حوالي 100 ألف في السنة، إذ تعد أفاعي الكوبرا من أكثر الأنواع فتكًا، لكن هذه النسبة بسيطة مقارنةً بملايين الوفيات التي تسببها لدغات الأفاعي القاتلة كل سنة.

يحاول دكتور براين فراي المتخصص في علم السموم اكتشاف آلية تأثير كل من الثدييات والأفاعي على بعضها في مرحلة تطورهما، إذ نُشر في مجلة BMC Biology العلمية أن الأمور ستكون أسوأ بكثير بالنسبة لنا لو انحدرنا من سلالة لم تواجه خطر الكوبرا في مرحلة مبكرة خلال عملية تطورنا.

تتعرض الثدييات العليا التي تعيش في قارتي آسيا وأفريقيا إلى خطر الأفاعي، خصوصًا أفاعي الكوبرا التي تصنف سمومها ضمن السموم العصبية أي التي تعمل على تعطيل الإشارات العصبية.

وطور دكتور براين مستقبلات عصبية حسية تحاكي تلك الموجودة في أنواع الكائنات المختلفة، وذلك من أجل مساعدة العلماء بطريقة إنسانية -أي دون اللجوء إلى تجارب حية على الحيوانات- على اكتشاف مدى تأثير السموم والعلاجات المرجحة لحالات السموم على الحيوانات، واستخدمها أيضًا من أجل اختبار مدى الضرر الذي يلحق بجميع أنواع الثدييات لدى تعرضها لسم أفعى الكوبرا، دون اللجوء إلى تعريض أي حيوانات للسموم.

صرح طالب الدكتوراه ريتشارد هاريس: «إن مشاركة الأفاعي في عملية تطور الثدييات العليا أمرٌ مثبت علميًا منذ وقت طويل، لكننا نملك الآن دليلًا بيولوجيًا إضافيًا لدعم هذه النظرية».

أظهر براين وهاريس كيف يمكن لجرعات قليلة من سموم الأفاعي أن تكون قاتلة عند تطبيقها على القرود الأمريكية والليموريات المدغشقرية، صحيح أن مدغشقر لا تحتوي أفاعٍ منتجة للسموم العصبية، إلا أنها تتواجد في أمريكا فتكون صغيرة الحجم وليلية.

تمتلك القردة العليا والقردة الآسيوية أو الأفريقية مستقبلات الأستيل كولين التي لا تتجاوب مع السموم العصبية، ما يجعل الكثيرون قادرين على النجاة من لدغة الافعى، وهذه إحدى الدفاعات التي طورتها مجموعة الثدييات العليا، إضافةً إلى تطوير حدة بصرها كي ترصد حركة الأفاعي السامة وتدافع عن نفسها.

نشر براين في مدونة IFLScience أن أفاعي الكوبرا أصبحت مصدر خطر يهدد وجودنا وذلك منذ أن غادر أسلافنا الأشجار وبعد انحدارنا من إنسان الغاب وانفصالنا عن قرود الغوريلا، فطورنا من دفاعاتنا لمواجهتها.

من الجدير بالذكر أن مقاومة سم أفعى الكوبرا ليست أمرًا حتميًا، لكن احتمالية موتنا أقل مقارنةً بالثدييات الأخرى، ومحاولاتنا لتطوير مقاومة فعالة ضد سمومها كانت قد باءت بالفشل، إذ تبين أن توزع وانتشار البشر كان عاملًا محفزًا للأفاعي من أجل تطوير قدرات سمومها للدفاع عن نفسها.

قال براين: «في دراسات أخرى أظهرنا أن مقاومتنا لسم الأفعى هو بسبب عدم امتلاك بعضنا للياقة البدنية، إذ لا تعمل المستقبلات الحسية عملها الطبيعي ما يؤدي إلى ردود أفعالنا البطيئة في بعض الأحيان، وهي الفاصل ما بين الحياة والموت».

إن البشر الذين هاجروا إلى مناطق مثل أمريكا وأستراليا التي تعد موطنًا للأفاعي السامة، لم يكونوا قادرين على الاستفادة من مقاومتهم الجزئية لسموم الأفاعي المختلفة، ولا توجد أي إشارات تدل على أن سكان تلك المناطق كانوا قد عثروا على بدائل للمقاومة وامتلاك ردود أفعال سريعة.
ونستطيع ملاحظة أثر الأفاعي الكبير والمتزايد في تطور الثدييات لتشمل طريقة عمل أدمغتنا، وجوانب اللغة لدينا وطرق استخدامها.

أود أن تتذكر أن المقاومة الجزئية لسم الأفعى لا تعني امتلاكنا المناعة، فإضافةً إلى عشرات آلاف الوفيات التي تسببها لدغات أفاعي الكوبرا كل سنة، إلا أن أعداد الأشخاص الذين يخسرون أعضاءهم أو يعانون فشلًا كلويًا مزمنًا بسبب لدغات الأفاعي السامة قُدرت بمئات الآلاف.

اقرأ أيضًا:

لم تطور أفعى الكوبرا بصق سمها لتقتلنا، بل لتعلمنا درسًا قاسيًا!

كيف امتلكت و فقدت الأفاعي المجلجلة سمومها

ترجمة: مرح أبوحمدان

تدقيق: بتول جنيد

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر