لقد اكتشف الفيزيائيون سبعة جسيمات كموميّة يمكنها أن تتصرّف كما لو كانت حشدًا من مليارات الجسيمات.

بمقاييس أكبر، تمرّ المادة بتغييراتٍ تُسمّى التحولات الطورية، إذ يتحول الماء على سبيل المثال إلى صلب (جليد) أو بخار. اعتاد العلماء على رؤية هذا السلوك في كتلٍ من الجزيئات، وليس في هذه الكتلة الصغيرة.

في دراسةٍ جديدة نُشرت في 10 أيلول 2018 في مجلة (Nature Physics)، شهد الباحثون هذه التحولات الطورية في أنظمةٍ تتكون من سبعة جسيمات ضوئية فقط (فوتونات)، والتي اتّبعت حالة فيزيائية غريبة تُعرف باسم مكثف بوز-آينشتاين (BEC)، تصل المادة إلى هذه الحالة الفيزيائية عند درجات الحرارة الباردة جدًا، تبدأ فيها الجزيئات بالاندماج معًا والتصرف بانسجامٍ تام.

ولأن الفوتونات هي حزم ضوئية فهي مصنوعة من الطاقة، ما يجعل فكرة مرورها بمرحلة انتقالٍ طوريّ غريبة.

لكن، أظهر فريقٌ من الباحثين الألمان في عام 2010 أنه يمكن حثّ جزيئات الضوء على التصرف بحالة مكثف بوز- آينشتاين، تمامًا مثل باقي الجسيمات المادية المشابهة لها.

من أجل احتجاز الفوتونات، بنى الباحثون حجرة مرايا صغيرة وملؤوها بصبغةٍ ملونة، عندما تصطدم جسيمات الضوء في جسيمات الصبغة، فإن جزيئات الصبغة تمتصها وتعيد إرسالها، لذلك يستغرق الفوتون وقتًا أطول للتحرك عبر الحجرة، ما يؤدي إلى إبطائه بشكلٍ فعّال.

عندما تصطدم الفوتونات بجدران حجرة المرايا، سترتدّ الفوتونات دون أن يتم امتصاصها أو خروجها؛ لذا كانت الغرفة عبارة عن فضاء مكّن الباحثين من أن يجعلوا الفوتونات بطيئة ومحبوسة في أماكن مغلقة.

وقد وجد الفيزيائيون في هذه الحالة أن الفوتونات تتفاعل مع بعضها البعض وكأنها مادة، وتُظهر سلوكياتٍ مثل السلوكيات الخاصة بحالة مكثف بوز-آينشتاين.

أراد الباحثون في التجربة الأخيرة معرفة الحد الأدنى من عدد الفوتونات اللازم لتحقيق ذلك، لذا قاموا بضخّ الفوتونات في وقتٍ واحد باستخدام ليزرٍ دقيق في غرفة مرايا مملوءة بصبغة، وراقبوا التفاعل لمعرفة متى ستظهر حالة الانتقال الطوريّ.

وجد الباحثون أن بعد ما مُعدّله سبعة فوتونات فقط بدأت حالة الانتقال الطوريّ، وبدأت الفوتونات تتصرف كجسيمٍ واحد. إذن، هذه هي العتبة الدنيا لعدد الجسيمات اللازم للانتقال الطوريّ.

يقول الباحث الرئيسي روبرت نيمان، فيزيائي في كلية إمبريال في لندن: «الآن، وبعدما تأكدنا من أن مفهوم المرحلة الانتقالية لا يزال مفيدًا في مثل هذه الأنظمة الصغيرة، يمكننا استكشاف خصائص المواد بطرق لم تكن ممكنة في الأنظمة الأكبر».

ولاحظ الباحثون أن هناك بعض الاختلافات بين الانتقال الطوري بالمقاييس الصغرى والانتقال الطوري بالمجموعات الأكبر من الجسيمات، عندما يسخن الجليد إلى ما بعد نقطة الانصهار، يبدو أنه يتحول من الشكل الصلب إلى السائل تحولًا لحظيًا، دون أي مرحلة فاصلة بينهما.

وينطبق التحول ذاته على معظم التحولات الطورية لمعظم المواد الكيميائية، لكن الباحثين وضحوا في البيان أن التحول الطوري للفوتونات السبعة يُنجَز تدريجيًا وليس بشكلٍ لحظيّ.

ومع ذلك، فقد كتبوا في الورقة أن الانتقال الطوري الفوتوني أظهر أنه حتى في المقاييس الصغيرة جدًا فإن التحولات الطورية تشبه إلى حد كبير ما هو شائع في المقاييس الكبيرة.

قوانين الفيزياء تبقى على حالها في كل الحالات والطرق.


  • ترجمة: حبيب بدران
  • تدقيق: تسنيم المنجّد
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر