على مر التاريخ أدت الحرائق إلى إحداث تغيرات جوهرية في أنماط السكان والبنية التحتية ومسار الأحداث العالمية. ونعرض لكم الآن سبعة حرائق غيرت التاريخ.

1- حريق مكتبة الإسكندرية:

كانت مكتبة الإسكندرية جزءًا من دار علوم الإسكندرية، وهو معبد مكرَّس لآلهة الوحي والإبداع. احتوت هذه المكتبة ثروة هائلة من المعلومات والمعارف عن العالم القديم مدونة في مخطوطات من آشوريا واليونان ومصر وفارس والهند. قدم الباحثون من جميع أنحاء العالم إلى الإسكندرية للدراسة والعمل، ومنهم إقليدس وبطليموس. بُنيَت المكتبة في أثناء حكم بطليموس الأول «سوتر»، أحد جنرالات الإسكندر الأكبر ومؤسس دولة مصر البطلمية عام 283 قبل الميلاد.

كان لدمار المكتبة أثر هائل، لدرجة أن بعض كتاب المسرحيات قد خلدوا هذا الحريق في كتاباتهم، مثل شكسبير في مسرحيته «كما تحب» التي نجد فيها الشطر التالي: «أيها القيصر العظيم، ليس لديك الحق لا أنت ولا أي همجي آخر في تدمير فكرة إنسانية واحدة». وتوم ستوبارد: «العدو أحرق مكتبة الإسكندرية العظيمة دون أن يحاسب على ما فات!».

ما زال سبب الحريق موضع جدال، فيزعم بلوتارخ أن يوليوس قيصر بدأ الحريق عندما أشعل سفنه في الميناء حين كان يحاول السيطرة على المدينة عام 48 قبل الميلاد. يعتقد أكثر الباحثين أن قسمًا من المكتبة قد نجا من الحريق في معبد سيرابيوم عام 391 قبل الميلاد، ليدمره ثيوفيلوس أسقف الإسكندرية وأتباعه المسيحيون وبنوا كنيسة على أنقاضه لاحقًا. بصرف النظر عن المسؤول عن هذا الحريق، فقد خسر التاريخ للأبد مخطوطات لا تقدر بثمن عن معارف ومعلومات العالم القديم.

2- حريق لندن:

ليست حرائق كاليفورنيا عام 2020 هي الحرائق الأولى التي تحدث في أثناء انتشار جائحة، فقد وقع حريق لندن في أثناء تفشي الطاعون الأسود ودمر أكثر من 13 ألف منزل وترك أكثر من 100 ألف شخص بلا مأوى. استمر الحريق من 2 إلى 6 سبتمبر 1666، وقد أتى على أغلب المدينة التي تعود إلى العصور الوسطى وألحق أضرارًا بأبنية أيقونية ككاتدرائية القديس بول. فر الناس من المدينة مصطحبين معهم كل ما يستطيعون حمله من الممتلكات، وكان من بينهم كاتب اليوميات سامويل بيبس الذي فر في الرابعة صباحًا بواسطة عربة وهو في رداء النوم. كتب سامويل عن الحريق: «يا إلهي! أرى الشوارع والطرق السريعة مزدحمة بالناس الراكضين والراكبين ومستقلي العربات من أي نوع لإنقاذ الأشياء».

استغرق إعادة بناء المدينة أكثر من 30 عامًا، ويبقى تخطيط المدينة الذي أنجزه السير كريستوفر رين واضحًا حتى يومنا هذا في أبنية المدينة الحجرية وفي الشوارع الأوسع التي حلت مكان الأزقة الضيقة والأبنية الخشبية التي أتى عليها الحريق. شهدت لندن بعد الحريق بروز مهنتين حديثتين وهما تأمين الممتلكات وفرق الإطفاء.

3- حريق نيويورك:

بدأ الحريق العظيم عام 1835 في أثناء تفشي جائحة الكوليرا في مدينة نيويورك. في ليلة 16 سبتمبر شديدة البرودة اشتعل مستودع في وسط المدينة، وأسهمت الرياح القوية في تأجيج النيران وتدمير أكثر من 17 مربعًا سكنيًا في المدينة واشتعال الجزء الشرقي المتجمد من نهر إيست بسبب تسرب زيت تربنتين من المستودعات إلى المياه.

سبعة حرائق غيرت مجرى التاريخ - حرائق تاريخية أدت إلى إحداث تغيرات جوهرية في أنماط السكان والبنية التحتية ومسار الأحداث العالمية

لم يسعف مخزون المدينة من المياه غير الكافي في إبطاء الدمار. كان عدد سكان نيويورك قد ازداد بنسبة 60% في العقد السابق بفضل التجارة النشطة على امتداد قناة إيري، قابل ذلك عجز متزايد في نظام الصرف الصحي والمياه النقية.

من رماد المدينة انبثق ابتكار جديد وهو إنشاء قنطرة كورتون في مايو 1837. يقول دان ليفي مؤلف كتاب «مانهاتن فينيكس»: «أمنت هذه القناة 12 مليون غالون من المياه يوميًا، ما مكَّن رجال الإطفاء من مكافحة النيران، ومد مالكي المنازل بمصدر نقي وآمن من المياه، وهذا أمر ضروري جدًا في مدينة تواجه جائحة. لقد أحدثت هذه القناة ثورة في نظام المياه الأمريكي وأصبحت مكانًا يتدرب فيه جيل كامل من المهندسين الأمريكيين الذين سيواصلون إنشاء خطوط السكك الحديدية والقنوات المائية في البلاد».

4- حريق شيكاغو:

استمر حريق شيكاغو العظيم من 8 إلى 10 أكتوبر 1871. خلف الحريق 300 قتيل وأكثر من 90 ألف مشرد ودمر ثلث المدينة. يقول كارل س. سميث في كتابه «حريق شيكاغو العظيم: دمار مدينة أمريكية أيقونية وبعثها»: «كانت شيكاغو مركز شبكة البرق الأولى في البلاد، التي ارتبطت لاحقًا بأوروبا، وكان الحريق الخبر الأول العاجل لهذه الشبكة. إعادة الإعمار العظيمة التي بدأت في أعقاب الحريق حوَّلت شيكاغو وجعلتها مركزًا حديثًا وقويًا للأعمال والشركات.

تلقى المجتمع تبرعات تجاوزت عشرة ملايين دولار. ورافق فترة إعادة الإعمار قدر كبير من الاستثمار الرأسمالي. ولأن شيكاغو تحتل موقعًا يتوسط المناطق الداخلية الأمريكية الغنية بالمصادر الطبيعية، ومستهلكي الحبوب واللحوم وسواها من البضائع في الشرق وأوروبا، فإن إعادة بنائها مثل أولوية كبيرة واستثمارًا منطقيًا. أصبح حريق المدينة جزءً أساسيًا من صورة شيكاغو، وكان تجسيدًا لقوة الحداثة الأمريكية».

5- حريق معمل تراينغل للأثواب النسائية:

قضى حريق معمل تراينغل للأثواب النسائية -25 مارس 1911- على 146 موظفًا من شركة تراينغل ويست حوصروا في بناء آش في بلدة غرينويش- نيويورك. قفز الكثيرون في مجموعات ليلقوا حتفهم واحترق آخرون بأعداد ضخمة بسبب المخارج المقفلة. تقول شاهدة العيان فرانسيس بيركنز: «كل من قفز مات. كان ذلك مشهدًا مروعًا».

أغلب الضحايا كنَّ نساء شابات ومهاجرات قدمن إلى الولايات المتحدة بحثًا عن حياة أفضل. أدت ضغوط العمال -الذين توحدوا بعد الحريق- واحتجاجات العامة إلى إجبار الحكومة الوطنية لاتخاذ خطوات لحماية العمال، ما قاد إلى وضع قوانين سلامة جديدة في ميادين العمل.

كانت بيركنز جد غاضبة لدرجة أنها كرَّست حياتها للدفاع عن حقوق العمال، وساهمت أيضًا في تأسيس فريق للتحقيق في حريق المصنع، وأصبحت لاحقًا وزيرة العمل في عهد فرانكلين روزفلت خلال «الصفقة الجديدة»، مغيرة بذلك مشهد ميدان العمل في أمريكا.

(الصفقة الجديدة: هي سلسلة من البرامج والمشاريع التي سنَّها الرئيس فرانكلين د. روزفلت في أثناء الكساد العظيم بهدف إعادة الازدهار).

6- حريق الرايخستاغ:

أشعل مخربون النار عمدًا في مقر البرلمان الألماني، الرايخستاغ في 27 فبراير 1933. ألقى أدولف هتلر السياسي الصاعد -الذي عُيِّن مستشارًا للرايخ قبل شهر من الحريق- اللوم على الشيوعيين في حريق البرلمان.

يقول بنجامين هيت مؤلف كتاب «حريق الرايخستاغ»: «كان حريق البرلمان ذا أهمية قصوى لهتلر من أجل تثبيت حكمه. قدم الحريق ذريعة لهتلر لإعلان قانون الطوارئ الذي عُرف بمرسوم حريق الرايخستاغ، الذي أطاح بدستور فايمار الديمقراطي ووضع نهاية لحرية التعبير والاجتماع وخصوصية البريد وإخلاء سبيل المعتقلين الذين لم تُوجَه تهم إليهم».

لا نعرف سوى القليل عن هذا الحريق، لكنه مهم لدرجة أن المرسوم سمح لحكومة الرايخ تحت إدارة هتلر بالاستيلاء على أي حكومة لا تخضع للنظام من حكومات الولايات الفيدرالية. وكان على رأس بعض هذه الحكومات أنداد أقوياء للنازيين، ما يفسر أهمية هذه السلطة التي منحها المرسوم لهتلر.
ما زالت هوية مشعلي الحريق مجهولة حتى الآن.

7- حريق نهر كوياهوغا:

بُنيَت أول مصفاة نفط لجون د. روكفلرر على طول جدول مائي يصب في نهر كوياهوغا. وبينما كانت شركة روكفلر النفطية تتخلص من البنزين في النهر، استُخدِم النهر أيضًا لتصريف مياه مجاري كليفلاند. وقعت 9 حرائق بين عامي 1868 و1952.

وقع حريق في 22 يونيو 1969، وكان صغيرًا نسبيًا مقارنةً بالحرائق السابقة، لكن مع اختلاف جوهري عنها. يقول جون إتش هارتيج، وهو أستاذ حائز على الدكتوراه ومستشار لدى الرابطة الدولية لأبحاث البحيرات العظمى: «تلوثت الأنهار بشدة في الستينيات، وتزامن حريق نهر كوياهوغا مع بدء الإعلام الوطني بالحديث عن البيئة بوصفها قضية خطيرة، واعتراف الرأي العام المتزايد بالحاجة الماسة والملحة إلى حماية البيئة».

غدا حريق نهر كوياهوغا وغيره من الكوارث البيئية، مثل حادثة تسرب النفط من سانتا باربرا عام 1969، رموزًا وطنية لعدم مبالاة الصناعيين وضعف التشريعات العامة. واحتاجت الحركة البيئية إلى شيء يجمع الناس ويوحدهم، وكان هذا الحريق نقطة تحول.

ذكرت مجلة التايمز حادثة حريق يوكاهوغا وقرنتها بأحداث مهمة أخرى مثل الهبوط على القمر وفضيحة تيد كينيدي في جزيرة تشاباكويديك، وبلغ عدد قرائها 8 ملايين شخص.

ساهمت ردة فعل الرأي العام على حادثة نهر يوكاهوغا في تأسيس وكالة حماية البيئة، وصياغة تشريعات بيئية مهمة، مثل قانون السياسة البيئية الوطني عام 1970، وقانون المياه النظيفة عام 1972، واتفاقية الحفاظ على جودة مياه البحيرات العظمى الموقعة بين كندا وأمريكا عام 1972، وقانون السلالات الحية المهددة بالانقراض عام 1973.

اقرأ أيضًا:

ثلاث عشرة طريقة أظهرت بها الأرض غضبها في عام 2020 – وكأن الوباء لم يكن كافيًا

كيف نطفئ الحريق سريعًا، بالماء الحار أم البارد؟

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر