تعلمنا في المدارس المبادئ الأساسية للفيزياء، وتضمن ذلك مفهوم السكون والحركة والزمن والسرعة، ولكن يبدو أن ما تعلمناه لا يصلح في كل الظروف، نتعرف في هذا المقال على حدود هذه المعارف.

تخيل أنك تقود سيارتك ضمن طريق مستقيمة مستمتعًا بمشاهدة المساحات الخضراء على جانبي الطريق. وفجأة لاحظت أن هناك شجرة، على أحد جانبي الطريق، تقترب من سيارتك، ومن ثم تجتازك وتبتعد عنك خلفًا.

من المؤكد أن تلك الشجرة لا تستطيع المشي أو الحركة، بل على العكس، فبينما تشعر بأن تلك الشجرة تتحرك بالنسبة لك، فما يتحرك هو سيارتك باتجاهها. هذا هو المفهوم الذي يُسميه الفيزيائيين بالنسبية. وفيما لو وقف شخص ما بجانب تلك الشجرة فإنّه سيشاهدك تتحرك نحوهما بنفس مقدار السرعة التي تختبرها بنفسك عند مشاهدتك لهما.

إنّ أول من وصف مبدأ النسبية هو عالم الفلك غاليليو غاليلي في كتابه (حوار حول النظامين الرئيسيين للكون) عام 1632. يتمحور فحوى الكتاب على فكرة أن الكون يجب أن يتصرّف بنفس الطريقة في كل زمن، حتى وإن كان شخصان يشهدانه كلٌّ من منظوره الخاص. وللتوضيح، لو كنت تقود سيارة وقذفت كرة للأعلى في الهواء، فإنّها ستصبح خاضعة لقوانين الفيزياء، كقوة الجاذبية مثلًا، وهي نفس القوى التي يخضع لها شخص يقف جانب الطريق. بكلمات أخرى، عند مراقبتك لصعودها ونزولها، يراها الشخص الآخر وكأنها تقترب أو تبتعد إضافةً إلى حركة الصعود والنزول تلك.

النسبية الخاصة وسرعة الضوء

اقترح ألبرت أينشتاين فكرة النسبية الخاصة؛ وذلك بهدف تفسير بعض الأمور غير الواضحة التي كان لابد من تفسيرها آنذاك. إذ وضع أينشتاين نظريته عام 1905 وذلك بالاستعانة بأعمال من سبقه من علماء فلك وفيزيائيين كانت تعود لأواخر القرن التاسع عشر، وانطلق من مبدأين أساسيين هما مبدأ النسبية وتلك الفرضية الغريبة بإنّ سرعة الضوء هي نفسها ثابتة لكل مراقب لها، فكل شخص يقيس سرعة الضوء يحصل على نفس النتائج بغض النظر عن مكانه أو سرعة حركته.

بالعودة إلى مثال قيادة السيارة، فعلى فرض أنّك تقود سيارتك بسرعة 60 ميلًا في الساعة الواحدة، وبجانب الطريق يقف صديقك بمحاذاة شجرة. إذا أُلقيت كرة باتجاه سيارتك المتحركة وبالسرعة نفسها 60 ميلًا في الساعة الواحدة. فمنطقيًا بهذه الحالة ستراودك فكرة بأنّ صديقك والشجرة يتحركان باتجاهك بسرعة 60 ميلًا بالساعة الواحدة، وبالنسبة للكرة فهي تتحرك باتجاهك بضعف سرعتك وهي 120 ميلًا في الساعة الواحدة. ومع إن في هذا الكلام بعضًا من الصحة، لكنه خاطئ عمليًا.

كلما تقاربت سرعة الأجسام من سرعة الضوء، يتعاظم التفاوت بين ما يمكن توقعه لدى جمع العددين والإجابة الحقيقية. فمثلًا، فيما لو كنت مسافرًا على متن صاروخ يتحرك بسرعة 75% من سرعة الضوء، وبنفس الزمن ألقى صديقك باتجاهك كرةً بسرعة الضوء. عندها لن ترى الكرة تتحرك باتجاهك بسرعة 150% من سرعة الضوء؛ يعود ذلك لسبب عدم وجود سرعة أعلى من سرعة الضوء، هذا يعني أنّ الكرة ستتحرك باتجاهك بسرعة أقل من سرعة الضوء. لا شك أن كل هذا يبدو غريبًا جدًا ولكن توجد عدة أدلة تجريبية تستحضر هذه التجربة وبنفس المشاهدات.

الإبطاء الزمني (تمدد الزمن) ومفارقة التوأم

ليست السرعة وحدها العامل الوحيد المتغيّر بالنسبة لأطراف المشاهدات. فهناك تداعيات مهمة أخرى حاصلة ضمن إطار النسبية وهي مبدأ تمدد الزمن، إذ يقيس الناس عادة كميات الزمن المستغرق اعتمادًا على السرعة المُتحرك بها باتجاه بعضهم. فيستغرق مثلًا كل شخص وقته نسبيًا وفقًا لمنظوره الخاص، لكن الشخص الذي يتحرك أسرع يستغرق وقتًا أقل مقارنة بمن يتحرك أبطأ. ولا يستطيعون الشعور بذلك إلا عند اجتماعهما سويةً ومقارنة ساعاتيهما اليدويتين وملاحظة الفروقات بينهما.

يؤدي ذلك إلى أغرب نتائج النسبية وهي مفارقة التوأم، إذ تفترض وجود توأمين متماثلين يسافر أحدهما برحلة إلى الفضاء بواسطة مركبة تتحرك بسرعة الضوء، فعند عودته إلى الأرض سيجد توأمه قد تقدّم بالعمر مقارنة به. من المهم الإشارة إلى أنّ الزمن يتصرف بشكل طبيعي لكل واحد منهما (تمامًا كما نشعر نحن الآن) حتى لو اختلفت قياساتهما له.

قد نتساءل عن حالة فيما لو كان أحد التوأمين يرى نفسه ثابتًا بالنسبة للآخر الذي يتحرك نحوه، وهل يقيس كل منهما مدى تقدّمه بالعمر مقارنة بالآخر؟

الجواب هو لا؛ لأنه لا يمكن لأحدهما أن يكون أكبر سنًا من الآخر.

لا يتحرك التوأم المسافر على متن المركبة الفضائية فقط بسرعة معينة، إذ يظل (الإطار المرجعي- the frame of references) نفسه لكن بالمقابل يتسارع لدى توأمه على الأرض. على عكس السرعة التي تكون نسبية للمراقب، فإنّ التسارع مطلق، فمثلًا: عند وقوف شخص ما على جهاز قياس الوزن، فالوزن الظاهر هو بالحقيقة تسارع الشخص بالنسبة للجاذبية. لا تتغير هذه القياسات بغض النظر عن السرعة عندما تدور الأرض ضمن النظام الشمسي، أو عندما تدور المجموعة الشمسية ضمن المجرة، أو حتى المجرة ضمن الكون.

في النهاية لابد من الإشارة إلى إنه عند اقتراب أحد التوأمين من سرعة الضوء لا يختبر أية شذوذ أو غرابة في أداء الساعة، فكلاهما يكون على دراية كاملة بالزمن بطريقتنا نفسها. ولكن الغرابة تحدث عند اجتماعهما ومقارنة ساعتيهما، فعندها فقط سيلاحظان فرقًا، فرقًا لا يحدد إلا من خلال الرياضيات النسبية.

اقرأ أيضًا:

يبدو أن السفر عبر الزمن اعتمادًا على تجاوز سرعة الضوء مستحيل

هل يمكن إيقاف الزمن؟

ترجمة: علي الذياب

تدقيق: دوري شديد

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر