اكتشف علماء الفيزياء في أثناء دراستهم لمادة غريبة ظاهرةً كموميةً تنبؤوا بها منذ عقود. تسمّى هذه الظاهرة بـ شيطان باينز نسبة للعالم دافيد باينز الذي تنبأ بها عام 1956. ويُعد اكتشافها في مادة روثينات السترونتيوم المرة الأولى التي حُدِّدَ فيها وجود تلك المادة في معدن ثلاثي الأبعاد في حالة توازن.

ونظرًا لأنه من المتوقع أن يلعب شيطان باينز دورًا مهمًّا في مجموعة واسعة من الظواهر، مثل الانتقالات في أنواع محددة من أشباه المعادن والموصلات الفائقة، كان لاكتشافه أثر واضح في تطبيقات مهمّة في فيزياء المواد.

يقول الفيزيائي بيتر أبامُونتي من جامعة إلينوي في حديث لِمجلة ذا ديسكوفري: «لقد وجدنا هذا الشيء مصادفةً. رأينا هذا التحفيز عام 2018، واستغرقنا بعض الوقت لمعرفة ماهيته بالضبط، وتبين أنه تحوّل ليأخد ذاك الوضع الشيطاني».

عادةً في العلوم يُطلق مصطلح (شيطانيّ) على المعاكس الافتراضي يمكن للعلماء والفلاسفة إثارة الجدل ضده في تجربة فكرية، ولكن شيطان باينز مختلف تمامًا.

في الواقع، إنه نوع من البلازمونات -وحدة منفصلة من الموجات تنتقل عبر مجموعة من الإلكترونات-. وقد وُصِفَت البلازمونات على أنها التمثيل الكمي للصوت في غازٍ كلاسيكيّ.

أطلق باينز على هذا البلازمون اسم (شيطان) تكريمًا لـ جيمس كلارك ماكسويل؛ الذي صاغ فكرة (شيطان ماكسويل)، وذلك لأنه يمثل حركةً إلكترون متميزةً D.E.M.

عندما تمر موجة صوتية عبر مجموعة من الجسيمات، تتلاشى تدريجيًا حتّى تتوقف. ومع ذلك، وبوصفها صوتًا كموميًّا، فإن البلازمون يخضع لمفهوم كل شيء أو لا شيء؛ إذ يحتاج إلى كمية محددة جدًا من الطاقة لكل زيادة في التردد.

شيطان باينز هو تردد بلازمون لا يتطلب أي شحنة كهربائية؛ يحدث عندما تنتقل الإلكترونات في مادة ذات مجالات طاقة أو نطاقات طاقة مختلفة خارج الطور.

لا يوجد نقل للطاقة، ولكن هناك تحوّل في ملء النطاقات وإِشغالها. والشيطان هنا هو وضع جماعيّ محايد أُخمد أو حُجب بواسطة نطاق آخر من الإلكترونات.

لقد رصد العلماء البلازمونات ودرسوها بشكل واسع في المعادن ثنائية الأبعاد، لكن نظرًا لكونها محايدةً كهربائيًا، ولا ترتبط بالضوء، فمن الصعب اكتشافها. وهذا يقودنا إلى روثينات السترونتيوم.

عند درجات حرارة منخفضة، تعمل المادة مثل موصل فائق. وعند درجات الحرارة المرتفعة، تتحول إلى شيء غريب قليلًا، ما يُعرف بالمعدن السيئ؛ وهو معدن لا تتصرف خصائصه بالضرورة بالطريقة التي نتوقعها.

وفقًا لِفريق بقيادة الفيزيائي علي حسين، الذي كان يعمل سابقًا في جامعة إلينوي في الولايات المتحدة، ويعمل الآن في جامعة بريتش كولومبيا في كندا، فهو أيضًا مرشح ممتاز لتحديد الشياطين -إذ يحتوي على ثلاث مجموعات متداخلة من الإلكترونات، اثنان منها يتناقضان بشكل مشابه للتصور الأصلي للشيطان في عام 1956.

كان حسين يدرس رُوثينات السترونتيوم باستخدام التحليل الطيفي للإلكترونات، عندما اكتشف شيئًا في البيانات يبدو مثل جسيم -وهو إثارات مجمعة تتصرف مثل الجسيم.

هناك عدد كبير من أشباه الجسيمات المعروفة، ولكن ما وجده الباحثون لم يتطابق مع أي منها. كانت سرعته أعلى مما يمكن اعتباره فونونًا صوتيًا؛ وأبطأ من أن يكون بلازمونًا سطحيًا.

أظهر تحليل المتابعة أن المرشح الأكثر ترجيحًا هو الشيطان. وكان الفريق قادرًا على تكرار الاكتشاف. وأثارت دراسة بعض خصائصه بعضًا من التساؤلات.

على سبيل المثال، كان تأثير التخميد أصغر من المتوقع، وكانت هناك ثغرات غريبة في النطاقات المختلفة للإلكترونات.

في الوقت الحالي، هذا هو ما يقرب من مستوى البحث، ولكنه بالتأكيد مستعد للبحث والمتابعة، وبخاصة أن هذه الشياطين قد تلعب دورًا حاسمًا في الموصلات الكهربائية الفائقة.

يعتقد الباحثون أن المعادن الأخرى متعددة النطاقات قد تكون أماكن جيدةً لدراستها ومراقبة كيفية تغير سلوكها في مجموعة من السياقات. وأن دراسات عالية الدقة قد تكون ممكنةً باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح.

ويأمل الباحثون أن هذا قد يجيب عن أسئلتهم الجديدة، ويساعدهم على وضع نظرية أكثر اكتمالًا وتطورًا لـ شياطين باينز.

نُشِرَ هذا البحث في مجلة (Nature).

اقرأ أيضًا:

اكتشاف طور غريب للمادة في حاسوب كمومي

لأول مرة على الإطلاق، فيزيائيون يرصدون تشكل الجزيئات عبر النفق الكمومي

ترجمة: محمد فواز السيد

تدقيق: منال توفيق الضللي

المصدر