بقيت أسباب مرض التصلب المتعدد (المسبب للإعاقة) غير محددة منذ أن عُرف لأول مرة عام 1868، ولكن تُعد المورثات عاملًا مهمًا، لذا فإن إصابة أحد أفراد الأسرة بالتصلب المتعدد، يرفع خطر إصابة بقية أفرادها.

وجدت دراسة أجراها سكوت مونتغومري مع زملائه مؤخرًا ارتباط الإصابة بأنواع عدة من العدوى خلال سنوات المراهقة بالإصابة بمرض التصلب المتعدد بعد عمر 20 سنة، لم تتحرى الدراسة ما إذا كانت مورثات التصلب المتعدد تزيد خطر الإصابة بعدوى وخيمة.

قد يفسر ذلك سبب إصابة مرضى التصلب المتعدد بعدوى تحتاج إلى علاج في المستشفى.

إذا كان هذا التفسير صحيحًا فإن العدوى ليست عامل خطر يحرض التصلب المتعدد بل يحدد فقط الأشخاص الأكثر عرضةً للإصابة بالتصلب المتعدد.

تتحرى دراسة جديدة نُشرت في مجلة JAMA Network Open ذلك وتوضح أن الإصابة بالحمى الغدية (العدوى الأكثر ارتباطًا بمرض التصلب المتعدد) خلال المراهقة عامل خطورة حقيقي للإصابة بالتصلب المتعدد لاحقًا.

أشار بعض العلماء إلى أن العدوى بالحمى الغدية مثلًا (تسمى أيضًا العدوى بوحيدات النوى أو داء القبل) قد تكون أسوأ عند الناس المؤهبين للإصابة بالتصلب المتعدد لأن جهازهم المناعي يكون غير اعتيادي.

لكن ثمة تفسير آخر، وهو التفسير الذي تحرّته الدراسة: إن العدوى تحرض التصلب المتعدد. يُقال إن العائلات التي تكثر فيها العدوى تختلف في نواح أخرى عن العائلات التي تقل فيها الإصابات، قد تساعد الفروقات بين هذه العائلات -لا العدوى نفسها- على تفسير خطر التصلب المتعدد.

تقارن دراستنا الأخيرة بين إخوة في العائلة نفسها يتشاركون بالبنية الجينية ويعيشون في عائلة واحدة لإثبات أن العدوى -في الحقيقة- عامل خطورة ومحرض لمرض التصلب المتعدد.

تقترح إصابة أحد الأخوة فقط دون أخوته بالحمى الغدية -أي عدم إصابة الآخرين بالحمى الغدية أو التصلب المتعدد- ثم إصابته بالتصلب المتعدد أن الحمى الغدية سببت التصلب المتعدد وليس أي استعداد وراثي. في المقابل، تقترح إصابة أحدهم فقط بالحمى الغدية ثم إصابة جميعهم في وقت لاحق بالتصلب المتعدد أن الاستعداد الوراثي سبب الإصابة.

نستطيع أن نتأكد أكثر من صحة التفسير إذا رأينا المثال نفسه في عائلات عدة.

يدور البحث عن الإصابة بالحمى الغدية في أعمار مختلفة، قد تكون إصابة الناس في عمر المراهقة تحمل خطرًا أكبر للإصابة بالتصلب المتعدد، شملت الدراسة 2.5 مليون شخص يعيشون في السويد، شُخص مرض التصلب المتعدد عند أقل من 6000 منهم فقط بعد عمر 20 سنة.

وجدنا أن الإصابة بالحمى الغدية بين عمر 11 و19 سنة مرتبطة بارتفاع كبير في خطر الإصابة بالتصلب المتعدد بعد عمر 20 سنة، وفقًا لتحليل قارن بين الأخوة في كل عائلة على حدة ثم جُمعت النتائج.

وُضع هذا التصميم لإثبات أن النتائج ليست بسبب كون الأشخاص المؤهبين للإصابة بالتصلب المتعدد أكثر استعدادًا أيضًا للإصابة بعدوى وخيمة بسبب هذه الأهبة إذ تؤكد النتائج -بصفة شبه مؤكدة- أن الحمى الغدية والإصابات الأخرى تشكل عوامل خطر مهمة للتصلب المتعدد وقادرة على تحريض المرض.

أتاحت الدراسة الجديدة أيضًا البحث في تفاصيل أكثر حول العمر الذي تكون فيه الإصابة بالعدوى أكثر قدرةً على تحريض التصلب المتعدد، تحمل الإصابة بالحمى الغدية في الطفولة المبكرة خطرًا أقل مقارنةً بالإصابة بعد عمر 11 سنة.

وبينما تحمل الإصابة بالعدوى بين 11 و15 سنة (قرب سن البلوغ) معدل خطر أعلى، ينخفض الخطر مع تقدم العمر و يختفي تمامًا في عمر 25 سنة غالبًا ،ويُفسر ذلك بتغير الدماغ وجهاز المناعة مع تقدم العمر.

يتطور التصلب المتعدد ببطء شديد. مع أن الإصابة بالحمى الغدية قد تحرض مرض التصلب المتعدد في سن البلوغ غالبًا، قد يشخص التصلب المتعدد بعد عدة سنوات من العدوى، فلم يُشخص معظم الذين أصيبوا بالعدوى بين سن 11 و 15 سنة بالتصلب المتعدد حتى بلوغهم 30 سنة.

يعود ذلك إلى أن تخرب الدماغ بسبب التصلب المتعدد يتطور ببطء حتى يغدو الإنسان مريضًا بصورة كافية لتشخيص التصلب المتعدد.

قد تحرض الإصابة بالحمى الغدية مرض التصلب المتعدد خلال سن المراهقة لأنها قد تصيب الدماغ، ويسبب التخرب الذي تلحقه بالخلايا العصبية تحريض جهاز المناعة ليهاجم الجزء الخارجي من الأعصاب الذي يعزلها، الذي يسمى «غمد النخاعين».

تسمى عملية تفعيل جهاز المناعة بهذه الطريقة «مناعة ذاتية»، وقد تخرب -حالما تبدأ- أعصاب الدماغ وتزداد سوءًا مع مرور السنوات، لحسن الحظ تزداد فعالية الأدوية الحديثة في إبطاء هذه العملية.

تقدم هذه الدراسة دليلًا قويًا يوضح أن الإصابة الشديدة بنوبة حمى غدية وربما عدوى خطيرة أخرى خلال سن المراهقة -خصوصًا حول سن البلوغ- قد تحرض مرض التصلب المتعدد مع أنه -غالبًا- لا يُشخص إلا بعد مرور 10 سنوات على الأقل من الإصابة بالعدوى.

اقرأ أيضًا:

لقاح لمرض التصلب المتعدد يظهر نتائج مثيرة للاهتمام

علاج جديد لمرضى التصلب المتعدد بالخلايا الجذعية

ترجمة: نغم سمعان

تدقيق: لبنى حمزة

مراجعة: حسين جرود

المصدر