إنها معضلة رهيبة، علاج قد يشفيك أو قد يقتلك.
هذا ما يواجهه مرضى الحالات الشديدة من التصلب المتعدد اليوم. علاج جذري يمحو الجهاز المناعي ويعيد تشغيله باستخدام خلايا جذعية. العلاج أوقف هذا المرض المدمر في ٧٠ ٪ من الأشخاص الذين جربوه. غير أن واحداً من بين ال٢٤ مريضاً الذين خضعوا للعلاج توفي أحدهم بسبب تضرر الكبد بالإضافة إلى عدوى اكتسبها بينما كان جهاز مناعته معطلاً.
تقول جينيفير مولسن Jennifer Molson التي تلقت العلاج في أونتاريو، كندا “لقد قررت القيام بمجازفة. فقد شعرت أنني سأندم كثيراً إن لم أغتنم هذه الفرصة”. عندما قررَت أخد هذه التجربة منذ ١٤ عاماً، كانت على كرسي للمقعدين، بعد حوالي ١٨ شهراً، بدأت تلحظ تحسناً جسدياً، وفي غضون ثلاث سنوات كانت قد عادت إلى العمل. أما اليوم فقد عادت إلى حياتها الطبيعية.
في التصلب المتعدد، يهاجم الجهاز المناعي الغلاف الحامي للخلايا العصبية في الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب البصرية. ويميل للاختفاء ثم العودة بشكل نوبات تزداد سوءاً في كل مرة، وقد يؤدي تدريجياً إلى فقدان البصر والشلل. إن الأدوية المتوفرة حالياً قد تقلل من حدة وتكرار الهجمات ولكنها ليست علاجاً وليست فعالة عند جميع المرضى.
بالرغم من أن إعادة تشغيل الجهاز المناعي يهدف إلى إيقاف التصلب المتعدد وليس عكس مساره، لكن بعض الأشخاص استعادوا الكثير من وظائفهم في السنوات اللاحقة، ما يقترح أن الجهاز العصبي يرمم نفسه ببطء إن لم يكن الضرر شديداً.
علاج بالصدفة
تم اكتشاف هذا العلاج بالصدفة حيث كان مقرراً لعلاج المصابين بابيضاض الدم leukemia الذين كانوا يعانون من التصلب المتعدد أيضاً. إن ابيضاض الدم هو سرطان في الخلايا المناعية ويمكن علاجه عبر استخراج بعض الخلايا من نقي العظم ومن ثم قتل كل الخلايا المناعية المتبقية في الجسم باستخدام العلاج الكيميائي. يتم بعد ذلك تنقية عينة نقي العظم من الخلايا السرطانية ومن ثم حقنها في دم المريض لإعادة إقلاع الجهاز المناعي. الأمر المثير للدهشة هو أن هذا العلاج لم يعالج السرطان فحسب بل التصلب المتعدد أيضاً.
نحن لا نعلم ما الذي يجعل الخلايا المناعية تهاجم الخلايا العصبية في التصلب المتعدد. احدى النظريات تقول إن بعض الفيروسات التي تملك بروتيناً سطحياً مشابهاً لبروتينات على سطح الخلايا العصبية تحفز الجهاز المناعي. ولذلك فإن إعادة تشغيل الجهاز المناعي يشفي من التصلب المتعدد بما أنه يمحي أي ذاكرة للفيروس عند الخلايا المناعية.
اليوم، تقدم عدة مراكز حول العالم هذه الطريقة كعلاج تجريبي للحالات الشديدة من التصلب المتعدد والذين لم تعط معهم الأدوية التقليدية أي نتائج علاجية. إن المخاطر الشديدة للإصابة في الوقت الذي يكون فيه الجهاز المناعي متوقفاً جعلت العديد من المراكز تقدم علاجاً كيميائياً كحل وسط، ولكن هذه الطريقة قد تبقي على بعض الخلايا المناعية المهاجمة للأعصاب مما يهدد بفشل العلاج بالكامل.
علاج جذري
إن النظام المتبع في هذه الدراسة -التي بدأت عام ٢٠٠٠ وتم نشرها هذا الأسبوع- هو أكثر حدة، إذ أنه مصمم للقضاء على كافة الخلايا المناعية في الجسم. وبحسب مارك فريدمان Mark Freedman الباحث في مشفى أوتاوا للدراسات في أونتاريو، فمن المهم أن يعي المرضى أن هذا العلاج لن يكون نزهة.
بالإضافة لمخاطر العدوى، يخسر المرضى شعرهم وأظافرهم، ويعانون من الغثيان والإسهال. بالإضافة لذلك فالعلاج الكيميائي يجعلهم عقيمين حيث يقتل الحيوانات المنوية أو البويضات، ويدفع النساء لسن الإياس المبكر. يقضي المرضى حوالي الشهر بالمشفى، ويتم حقنهم بنقي العظم الجديد في اليوم الحادي عشر، قبل أن تموت آخر خلية مناعية قديمة متبقية لديهم.
لكن خطر العدوى يبقى أمراً مرعباً، إذ يأمل فريدمان أن نسبة الوفاة ستنخفض مع تحسين المقاربة. بحسب فريدمان فإن نسبة الوفيات الحالية تعادل ١٪ ممن تلقوا العلاج، خلافاً لنسبة ٤٪ التي تبديها تجربة ال٢٤ شخصاً الأخيرة. يستخدم الفريق الآن نوعاً مختلفاً من أدوية العلاج الكيميائي يفترض أن يكون أقل إحداثاً للأذيات الكبدية التي ساهمت بوفاة المريض في الدراسة الأخيرة.
يقول جون سنودن John Snowden من مشفى شيفيلد التعليمي في المملة المتحدة Sheffield Teaching Hospital إن العلاجات الكيماوية الأخف -كالمستخدمة في مركزه- هي خيارات أكثر أماناً. وأضاف: “أعتقد أن علينا إيجاد النقطة المثالية بين الفعالية والسمّية”.
يجري الآن بحث فائدة إعادة إقلاع الجهاز المناعي في علاج أمراض مناعة ذاتية أخرى. مثل داء كرون (Crohn’s disease)، حيث يهاجم الجهاز المناعي الأمعاء، ومرض جلدي نادر يدعى تصلب الجلد (Scleroderma).

إعداد: لمى عنداني
تدقيق: بشار غليوني

المصدر