شهِد علماء الفيزياء للمرة الأولى، اكتشافًا مدهشًا يتمثل في تشكيل الإلكترونات دواماتٍ مائية. لقد تنبأ العلماء بإمكانية حدوث هذه الظاهرة منذ فترة طويلة، لكنهم لم يشهدوا حدوثها من قبل، وقد يكون هذا الاكتشاف مفتاحًا لتطوير الجيل القادم من الأجهزة الإلكترونية عالية الأداء والسرعة.

يقول الفيزيائي لونيد ليفيتوف من MIT، أحد الباحثين في هذه الدراسة الجديدة: «يُفترض أن الإلكترونات تستطيع تشكيل دوامات، ولكننا طالما افتقدنا دليلًا مباشر يثبت ذلك، والدليل الآن أمام أعيننا. نرى هذه الظاهرة بوضوح الآن، وهذا يُوضح النظام الجديد الذي تتصرف فيه الإلكترونات كسائل، لا كجسيماتٍ فردية».

مع أن هذا الاكتشاف قد لا يبدو مهمًا، فإن الواقع يُخالف ذلك، فقدرة الإلكترونات على التصرف كسائل تعني وصول قدر أعلى من الطاقة إلى نهاية نقطة ما، بدلًا من أن تتبدد في أثناء انحراف الإلكترونات عن مسارها بسبب الشوائب الموجودة في مادة ما أو بسبب اهتزازات الذرات.

يُضيف ليفيتوف: «نعلم أن تحرك الإلكترونات كسائل يعني انخفاض تبدد الطاقة، وهذا مهم لصنع الأجهزة الإلكترونية منخفضة الطاقة، وملاحظة هذه الفائدة تمثل الخطوة التالية في الاستفادة منها».

ساهم كلٌ من معهد MIT، ومؤسسة وايزمان للعلوم في إسرائيل، وجامعة كولورادو في دينفر في إجراء هذه التجربة.

نعلم طبعًا أن الإلكترونات تصطدم ببعضها وتتدفق دون مواجهة أيّ مقاومة في أثناء عبورها في النواقل المثالية، ويعود سبب هذه الظاهرة إلى قدرة الإلكترونات على تشكيل ما يُسمى أزواج كوبر، ولا صلة لهذا بمشاهدتنا الحديثة المتمثلة في تشكيل الإلكترونات موجات مائية وتحركها كسائل.

لنأخذ الماء مثالًا لتوضيح الأمر، إن جزيئات الماء منفصلة، لكنها تتحرك معًا نظرًا لما تفرضه مبادئ السوائل الحركية التي تنص على أن هذه الجزيئات تلتصق ببعضها على سطحٍ ما وتُشكل تيارات ودوامات مائية.

يفترض أن تتصرف شحنة الكهرباء مثل جزيئات الماء، لكن الشوائب الموجودة في المعادن العادية والاهتزازات تعوق حدوث ذلك، ويشمل أنصاف النواقل أيضًا.
تؤدي هذه المُشتتات إلى دحر الإلكترونات عن موضعها وتحرمها من إمكانية التصرف كسائل.

لطالما افتُرضت إمكانية إزالة هذه التأثيرات الخارجية وجعل الإلكترونات تتصرف كسائل، وذلك عند وضعها ضمن مواد خاصة في درجات حرارة قريبة من الصفر، وكانت المشكلة الوحيدة وراء عدم تنفيذ مثل هذه التجربة هو عدم وجود إثبات لفرضية الإلكترونات شبيهة السوائل حتى الآن.

يملك كل سائل خاصيتين أساسيتين، أولهما التدفق الخطي، أي تدفق الجسيمات موازية لبعضها، أما الثانية فهي التدويم.

لاحظ لفيتوف وزملاؤه في جامعة مانشستر سنة 2017 الخاصية الأولى باستخدام الغرافين، إذ أظهروا أن الشحنة الكهربائية يُمكن أن تتدفق مثل سائل عبر النقاط المكتظة بدلًا من تدفقها كحبات الرمل، وذلك عند إجراء التجارب على صفيحات من الكربون ثخانتها كثخانة الذرات.

لكن لم ير أحد تطبيقًا عمليًا للخاصية الثانية، ويكتب الباحثون عن هذا: «لم نشهد من قبل خاصية التدويم في سياق الحديث عن الإلكترونات رغم التنبؤ بإمكانيته فترة طويلة، وهي خاصية موجودة وواضحة في جميع السوائل».

من أجل الوصول إلى النتيجة الحالية، أخذ الفريق كريستالات مفردة شديدة النقاوة تُسمى ثنائي تيلوريد التنغستن (WTe2) وقطعوها إلى رقائق أحادية الذرات رفيعة، ورسموا بعد ذلك بنية بغرفتين دائريتين على جانب قناة مركزية، لتكوين متاهة مُفترضة تمر عبرها الشحنة الكهربائية، ووضعوا هذه البنية على رقائق من الذهب لها خصائص مغايرة لخصائص معدن ثنائي تيلوريد التنغستن لكي تُتيح التحكم بحركة الشحنات.

في الأعلى: يُظهر المخطط الأيسر تدفق الإلكترونات ضمن رقائق الذهب. أما المخطط الأيمن فيُظهر الحركة المفترضة للإلكترونات كسائل.

بعد تبريد المادة إلى -269 درجة مئوية سمحوا للشحنة الكهربائية بالعبور وقاسوا التدفق في نقاط محددة ليتمكنوا من تحديد مسار الإلكترونات المتدفقة.

تدفقت الإلكترونات ضمن رقائق الذهب عبر المتاهة دون تغيير جهتها، وحتى بعد عبور الشحنة للغرفتين الدائريتين وعودتها للمنبع.

أما عند تدفق الإلكترونات ضمن ثنائي تيلوريد التنغستن، فقد عبرت القناة وانعطفت إلى الغرفتين الدائريتين وصنعت بحركتها تلك دوائر مائية، قبل عودتها إلى القناة الرئيسية، وهذا يحاكي تمامًا ما يحدث للسائل.

يقول ليفتوف: «لاحظنا تغيرًا في حركة تدفق الإلكترونات ضمن الغرف، إذ تدفقت الإلكترونات في جهة معاكسة خلافًا لما حدث في مركز البنية، وهذا مدهش للغاية ويحاكي الفيزياء التي تقوم عليها السوائل العادية، ولكنها الآن تحدث مع الإلكترونات على مستوى نانوي، وهذا دليل واضح على إمكانية تصرف الإلكترونات في الطبيعة مثل السائل».

في الأعلى: يُظهر العمود الأيسر تدفق الإلكترونات عبر ثنائي تيلوريد التنغستن (WTe2) بالمقارنة مع تجارب المحاكاة الهيدرودينامية في العمود الأيمن.

أُجريت هذه التجربة في ظروف شديدة البرودة باستخدام مواد خاصة، أي أننا لا نتوقع إجراء هذه التجربة منزليًا في المستقبل القريب. هذا وقد وضعت قيود على الحجم المسموح لبناء هذه الغرف والقناة الواقعة في منتصفها.

يوضح فريق الباحثين في تصريحهم: «تبقى هذه التجربة أول مشاهدة مباشرة لتشكل دوامات عائمة لشحنة كهربائية». كل ما سبق ليس مجرد تأكيد على استطاعة الإلكترونات التصرف كسائل، بل قد يُساعد هذا الاكتشاف أيضًا المهندسين على فهم هذه الخاصية وتسخيرها في صنع أجهزة أفضل في المستقبل.

اقرأ أيضًا:

اكتشف العلماء حالة جديدة لإلكترونات المادة

ما هي الإلكترونات ؟ – تعريف الإلكترون

ترجمة: طاهر قوجة

تدقيق: سمية بن لكحل

مراجعة: لبنى حمزة

المصدر