تبدو الفيزياء الكمية بالفعل كأنها لغز، لكن العلماء جعلوها كذلك حرفيًا هذه المرة، فقد صمّم فريق من الرياضيين في جامعة كولورادو بولدر مكعب روبيك كمي، يحتوي على عدد لا نهائي من الحالات الممكنة، ويتيح حركات جديدة وغريبة يمكن استخدامها لحلّه.
مكعب روبيك الكلاسيكي (المبني على المفاهيم الكلاسيكية) يُعرف بأنه لغز تبديل، إذ يحتاج اللاعب إلى تنفيذ مجموعة من الحركات لإعادة ترتيب واحدة من بين عدد كبير من التباديل الممكنة، وصولًا إلى الحالة المحلولة.
في حالة مكعب روبيك الشهير، يوجد نحو 43 كوينتليون تركيبة ممكنة لترتيب القطع الملوّنة الصغيرة، تنظم في ستة أوجه موحدة اللون عن طريق سلسلة من الحركات المحدودة والمقيدة.
لكن مكعب روبيك الكمي يرفع مستوى الاحتمالات إلى ما لا نهاية. كل ما يتطلبه الأمر هو منح اللاعب حركة كمية جديدة وهي القدرة على إدخال قطعة في حالة تراكب كمّي، تكون في وضعين في الوقت نفسه: قد تحركت ولم تتحرك في آن واحد.
كتب الباحثون: «بفضل حالات التراكب الكمي يصبح عدد الحالات الفريدة المسموح بها في هذا اللغز لا نهائيًا، على عكس ألغاز التبديل الشائعة الموجودة في متاجر الألعاب».
اختبر الفريق فكرتهم على نسخة بسيطة من لغز تبديل: شبكة ثنائية الأبعاد مكونة من مربعات 2×2، تحتوي فقط على قطعتين زرقاوين وقطعتين خضراوين، وكانت الحالة المحلولة هي ترتيب القطعتين الخضراوين فوق القطعتين الزرقاوين.
في شكله الكلاسيكي، لا يملك هذا اللغز سوى ستة تبديلات ممكنة، بما في ذلك الحالة المحلولة، ويمكن الانتقال من أي حالة إلى أخرى عن طريق سلسلة من تبديل القطع عموديًا أو أفقيًا، أما تبديل القطع قطريًا فممنوع، وكذلك تدوير اللغز بأكمله.
يمكن إضفاء طابع كمّي على هذا اللغز البسيط عن طريق عد الألوان بمثابة جسيمات، والإشارة إلى أن كل قطعة لا يمكن تمييزها عن الأخرى ذات اللون نفسه، ما يجعلها بطريقة ما في حالة من التشابك الكمي.
رغم اللمسة الكمّية للجسيمات، فإن اللغز نفسه لا يزال يُلعب بحركات كلاسيكية عمليًا، أما النسخة الكمّية الحقيقية فتظهر عندما يُسمح بحدوث تراكب بين جسيمين مختلفين.
أُشرك ثلاثة أنواع مختلفة من اللاعبين في المحاكاة لحل لغز مكعب روبيك بعد 2000 حالة خلط عشوائية. كانت حركة المحلل الكلاسيكي تبادل قطعتين متجاورتين فقط، أما المحلل الكمّي فكان بإمكانه فقط إدخال زوج من القطع في حالة تراكب كمّي، في حين كان المحلل المدمج قادرًا على تنفيذ أي من هاتين الحركتين في كل مرة.
ليس من المستغرب أن يكون أداء المحلل المدمج هو الأفضل، إذ حل اللغز بمتوسط 4.77 حركة، وجاء المحلل الكمي في المرتبة الثانية بمتوسط 5.32 حركة، في حين حل المحلل الكلاسيكي في المرتبة الأخيرة بمتوسط 5.88 حركة.
مع ذلك، لا يعني ذلك أن عالم الفيزياء الكلاسيكية يخلو من المزايا: فالمحلل الكلاسيكي يستطيع فعليًا الوصول إلى الحل لمكعب روبيك في أقل من خمس حركات أكثر من المحلل الكمي. لكن هذا يرفع من معدل حركاته، إذ قد يستغرق أحيانًا ضعف ذلك، في حين يكاد المحلل الكمّي دومًا ينجز اللغز في ثماني حركات أو أقل.
يقول الفريق إن ما يسمى بالتفوق الكمي يجب أن يصبح أكثر وضوحًا مع الألغاز الأكثر تعقيدًا.
بعد أن يمر المحلل بجميع التباديل باستخدام الحركات المسموح بها، سواءً الكلاسيكية أم الكمّية أم كليهما، يراجع الحكم بعد ذلك الحل ويتحقق منه.
بالرجوع إلى تجربة قطة شرودنجر الشهيرة، فإن عملية القياس نفسها تتسبب في انهيار حالة التراكب لتسفر عشوائيًا عن إحدى الحالتين. من الناحية المثالية ستكون تلك هي الحالة المحلولة، ولكن إن لم يحدث ذلك، يُعاد خلط اللغز ويضطر المحلل لبدء المحاولة من جديد.
هذه هي الطريقة التي يتمكن بها المحلل الكلاسيكي من مقاربة حل لغز كمي، ما لم يحالفهم الحظ بشدة، وتبين أن الحالة العشوائية تنتمي إلى إحدى الاحتمالات الكلاسيكية الست (من بين عدد لا نهائي من الاختيارات الكمية)، فيتعين عليهم تنفيذ حركات تقربهم قدر الإمكان من الحل، على أمل أن يؤدي القياس إلى انهيار حالة التراكب إلى الحالة المحلولة.
مع أن المحلل الكمي يبدو وكأنه يملك أفضلية ميدانية، يوجد عائق واحد أمامه، إذ يتطلب منه إجراء عملية التبديل الكلاسيكية حركتين، وهذا يفسر كيف يحصل المحلل الكلاسيكي على أفضلية في بعض نسخ اللغز، ويبين سبب تقدم المحلل المدمج دائمًا.
أنشأ الفريق أيضًا نسخة ثلاثية الأبعاد من اللغز الكمي وإن لم تكن مكعب روبيك كاملًا، فقد كانت تتألف من قطع بأبعاد 2×2×1، وتمتلك إمكانيات لا نهائية، ويمكن حلها عبر حركات مماثلة.
عمليًا من الممكن بناء ألغاز التباديل الكمية باستخدام مصفوفات عبر الذرات فائقة البرودة المعلقة في الشبكات الضوئية، لكنها في الغالب تظل مجرد تجربة فكرية لعشاق الرياضيات.
اقرأ أيضًا:
مكعب روبيك: اللغز الذي ما زال يجذب الناس بعد عقود من اختراعه
أصغر مكعب روبيك في العالم بحجم ثلاث حبات أرز!
ترجمة: أمير المريمي
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: ميرڤت الضاهر