علم التخلق أو الإيبيجينية Epigenetics في مواجهة السرطان


يمكن تعريف المعلومات الإيبيجينية بأنها المعلومات المتوارثة التي لا توجد على هيئة تتابع الحمض النووي «DNA»، وتظهر في صورة «المَثـْيَلَة- methylation» للحمض النووي (إضافة مجموعة ميثيل لقاعدة نيتروجينية)، أو تعديل كروماتيني (كون الكروماتين نشط «Euchromatin»، أو مثبط «Hetrochromatin»).

فعلى سبيل المثال عندما تحدث عملية «methylation» لموقع «CpG» (تحدث لقاعدة السيتوزين المجاورة لقاعدة الجوانين والمرتبطة بها بمجموعة فوسفات)، تحدث لقاعدتي السيتوزين في كِلا الشريطين، وأثناء عملية نسخ الـ «DNA» فإن قواعد السيتوزين التي تحمل مجموعات ميثيل تنتقل على نفس الهيئة إلى الجيل التالي من الـ «DNA»، وذلك عن طريق أنزيم «DNA methyltransferase/ DNMT» والموجود في موقع النسخ، يتعرف هذا الإنزيم على مواقع «CpG» التي يحمل فيها أحد الشريطين مجموعة ميثيل ولا يحملها الشريط الآخر – بسبب عملية النسخ – {الشكل 1}.

وبهذه الطريقة تنتقلل قواعد السيتوزين المحملة بالميثيل إلى الأجيال المتتابعة من الحمض النووي «DNA».

وعلى الرغم من ندرة مواقع «CpG» في الحمض النووي «DNA»، إلا أن هناك تجمعات من هذه المواقع موجودة في الجينوم تُعرف بجُزر «CpG»، والتي عادةً ما تكون خالية من الميثيل.

وعندما تحدث عملية «Methylation» لجزيرة «CpG» الموجودة في موقع بدء لجينٍ ما (موقع البدء هو موقع يرتبط به الحمض النووي الريبوزي الرسول «mRNA» لبدء عملية الترجمة وإنتاج البروتين الخاص بهذا الجين»، يتوقف التعبير الجيني لهذا الجين.

وبسبب طبيعية التغيرات الإيبيجينية الوراثية وقدرتها على الإنتقال من جيل إلى التالي، فإن هذه العملية تؤثر بشكل عميق في نشوء الأورام السرطانية، وذلك عن طريق إيقاف التعبير الجيني للجينات الكابحة للسرطان «tumor suppressor genes» بإضافة مجموعة ميثيل لموقع بدء جين من هذه الجينات.

على سبيل المثال تأثير عملية الـ «methylation» في الجينات: (RB و p16 و VHL و hMLH1 و E-cadherin و BRCA1) «جينات كابحة للسرطان»، يظهر في سرطانات مثل سرطان المعدة والقولون والكبد والثدي والرحم والكلية وسرطانات الدم.

وعلى الرغم من أن عملية الـ «methylation» الزائدة (Hypermethylation) لمواقع بدء لجينات معينة أكثر وضوحًا من نقص الـ «Methylation» (Hypomethylation)، إلا أن هناك أدلة على تأثير الأخير في تشكُّل أورام سرطانية معينة.

على سبيل المثال فإن نقص الـ «Methylation» لجين إنزيم «urokinase» (PLAU/uPA) مقترن مع زيادة نشاط هذا الجين وسرعة نمو الورم وانتشاره في سرطانات الثدي والبروستاتا.

ويمكن توظيف هذه المعلومات في تشخيص السرطان عن طريق الكشف عن مواقع جزر «CpG» المرتبطة بمجموعات ميثيل بشكل شاذ، إذا علمنا أن السرطان الذي نكشف عنه يحتوي مثل هذا الشذوذ وذلك عن طريق فحص النسيج المراد تشخيصه أو الكشف عن هذه التتابعات في الحمض النووي الموجود في بلازما الدم.

إن تشخيص السرطان بالكشف عن الحمض النووي الذي مرَّ بعملية «methylation» بشكل شاذ يتفوق على تشخيص السرطان بالبحث عن الطفرات لعدة أسباب:

أولًا: فرصة حدوث شذوذ في عملية الـ «methylation» لجزر «CpG» معينة أعلى من فرصة حدوث الطفرات التي قد تتسبِّب في حدوث السرطان.

ثانيًا: يمكن الكشف عن جزيء الحمض النووي الذي مرَّ بعملية «methylation» واحد وسط كمية كبيرة من جزيئات الحمض النووي الطبيعية عن طريق تفاعل البوليميريز المتسلسل المحدد لعملية الـ «methylation»، «methylation-specific polymerase chain reaction (PCR) (MSP)».

ثالثًأ: يحدث الشذوذ في عملية الـ «methylation» عادةً في صورة (الكل أو لا شيء) مما يجعل الكشف عليه أسهل من الطفرات التي تحدث في تتابعات محددة لجين معين.

رابعًا: يمكن الكشف عن جزيء الحمض النووي الذي مرَّ بعملية «methylation» في المراحل المبكرة من نشوء الورم السرطاني، على سبيل المثال فإن الـ «methylation» لجين p16 يمكن ملاحظته في (فرط التنسج الرئوي- pulmonary hyperplasia) بنسبة 17%، وفي (خلل التنسج الرئوي- pulmonary dysplasia) بنسبة 24%، وفي سرطان الرئة بنسبة 50%.

ولم تقتصر تطبيقات فهمنا لميكانيكية عمل الإيبيجينية على التشخيص فحسب، بل امتدت للعلاج أيضًا، فعن طريق تعطيل عمل أنزيمات «DNMTs» المهم لعملية الـ «methylation» يمكن لنا تثبيط هذه العملية.

وفي عام 2000 اختبرت مادة مثبطة لأنزيمات «DNMTs» تٌسمى «5-aza-dc» بتركيزات قليلة تصل إلى 45-50 مجم/م2/يوم، أثبتت كفاءتها في مواجهة سرطانات الدم وحثت الباحثين على البحث عن مثل هذه المواد المثبطة لـ «DNMTs».

بعض الأمثلة على مثل هذه المواد المستخدمة بشكل طبي أو موجودة في الأطعمة:
procainamideو procaine و (−)-epigallocatechin-3-gallate (EGCG).

وعلى الرغم من أنه يمكننا القول بأن هذه المواد يمكن أن تقي من الإصابة بالسرطان – حيث أن بعض جزيئات الحمض النووي الذي مرَّت بعملية «methylation» قد تكون موجودة في المراحل المبكرة من السرطان – إلا أن الجزم بذلك يتطلب المزيد من الدراسات على حيوانات مناسبة.


إعداد: محمد صادق
تدقيق: هبة فارس

المصدر