لطالما زاد تقبّل الأطباء لفكرة أهمية الطعام الذي نتناوله في علاجه ومكافحته الأمراض، وتعزيز المناعة في الجسم.

ولم تكن هذه استراتيجية جديدة، فقد أخبرت باحثة السرطان (سيدهارثا ماكِرجي -Siddhartha Mukherjee) صحيفة (Business Insider) مؤخرًا: «لقرونٍ خلت، كان النظام الغذائي هو العلاج الوحيد».

مؤخرًا، بدأت سيدهارثا وأطباء آخرون بالاتجاه نحو استخدام أنظمةٍ غذائيةٍ مستهدفين علاجًا لكل شيء من إطالة العمر إلى عنايةٍ أفضل لمرضى السرطان، وقد بدا لهم طعامٌ صحيٌّ يأتي من جذورٍ نخرجها من تحت الأرض.

نباتٌ أصفر اللون، فاقع، ورخيص الثمن يُدعى الكُرْكُم، بإمكانك شراؤه من البقالة مطحونًا في جناح البهار، أو حبة كاملة قرب البصل والثوم والزنجبيل.

استُعمل الكُرْكُم على مدى قرون من قبل مجتمعاتٍ كثيرة من الناس حول العالم، إذ يُطبخ مع أطباق الكاري ويُرتَشف مع الشاي والحليب الكريمي أو الذهبي، ولكنه لا يُعدُّ مُنكِّهًا فحسب.

يخبر أجاي جويل (Ajay Goel) صحيفة (Business Insider)، وهو أخصائي في الفيزياء الحيوية وباحثٌ في مرض السرطان: «يمكن أن يكون على حدِّ علمي أقوى مضاد التهابٍ طبيعيّ».

تساءل جويل، والذي نشأ في الهند لكنه بدأ بحثه في الولايات المتحدة الأمريكية قبل عقدين من الزمن، عن سبب ازدياد معدلات السرطان والأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية قِبلة (عاصمة) الأبحاث الطبية مقارنةً ببلده الهند.

تقول أبحاثه خلال العقدين الماضيين إن لـ (الكُرْكُمين – curcumin) المادة الكيميائية -ذات اللون الأصفر الفاقع التي تعطي الكُرْكُم لونه- خصائص صحية تلعب دورًا هامًا في حماية الناس من الأمراض.

وجد أن الكُرْكُم يقلل من الالتهاب والجذور (الشوارد الحرة) في الجسم والتي يمكنها تدمير خلايانا، ولكن هذا ليس كل شيء.

ماذا يفعل الكُرْكُم لجسمك ودماغك؟

لمركب الكُرْكُمين الموجود في الكُرْكُم قوةٌ كافية يمكنها تهدئة آلام المفاصل، وتبديد الأورام، وضبط السكري.

يحسّن تدفق الدم؛ ما يساعد على الحماية من أمراض القلب، كما تُحتمل إمكانية حماية هذا النبات للدماغ من تكوّن طبقات البلاك عليه، لكنَّ بحثًا أكثر مطلوبٌ لتأكيد هذا.

تقول بعض دراسات جويل -على كلا الحيوانات والبشر- إن بإمكان الكُرْكُمين المساعدة على قتل الخلايا السرطانية العنيدة المقاومة للعلاج، وربما تجعل بعض السرطانات أقل مقاومة للعلاج الكيميائيّ.

يقول جويل: «على سبيل المثال، يمكن للمرضى تقليل جرعات العلاج الكيميائي السامة لديهم بقدر عشرة أضعاف وذلك بإعطاء العلاج مصحوبًا بالكُرْكُمين».

حتى إنه قال -في إحدى الدراسات عام ٢٠٠٨- : «بإمكاننا إطلاق عليه اسم (الكرمكين الدواء – cure-cumin) لفوائده العلاجية الواسعة، وتعزيزه عملية الشفاء، وتحسينه حالاتٍ متعددة مثل هشاشة العظام وأمراض الكلى المزمنة وألزهايمر».

لم يكن جويل الوحيد الذي اختار دراسةَ فعالية هذا البهار الطبية، يقول المعهد الوطني للصحة: «إن البحث حول المركب الكيميائي محدودٌ، لكنَّ المعلومات حول الكُرْكُم والكُرْكُمين الذي يحتويه قد تساعد في حل بعض مشاكل الهضم والتهابات المفاصل».

في عام ٢٠١٦، جمع فريقا علماء من ولاية شمال كارولينا وكوريا الجنوبية (لم يكن جويل ضمنهم) أدلةً في (دراسةٍ منهجية – systematic review)، ووجدوا أن جرعة جرام واحد في اليوم (نفس الجرعة التي يوصي بها جويل لمرضاه) من الكُرْكُم قد تساعد في علاج التهاب المفاصل.

يضرب الكركم بهذا رقمًا قياسيًا مقارنةً بالمكملات الغذائية الأخرى شائعة الاستعمال في السوق اليوم، ويتضمن ذلك مكملات الفيتامينات، التي أقرّت دراسةٌ علمية مؤخرًا بعدم فائدتها.

يقول جويل: «أرني دراسةً واحدة قالت إن الناس الذين يتعاطون حبوب الفيتامينات تحسنوا! لا توجد أي دراسةٍ قالت ذلك».

وما يزال كثير من الأمريكيين يتعاطون مكملاتٍ غير عشبية مثل الفيتامينات وزيوت السمك، يُقدّر حجم السوق غير الرسمية الأمريكية لهذه المكملات غير العشبية بـ ١١.٣ مليار دولار أمريكي في السنة بحسب موقع (Euromonitor International)، بينما حجم السوق الأمريكي للمنتجات النباتية (من ضمنها الجذور مثل الكُرْكُم) أصغر بكثير، حوالي ٣.٨ مليار دولار أمريكي.

هناك أدلةٌ متزايدة تُظهر أن الناس قد بدؤوا يدركون منافع الكُرْكُم، تُصنّف اليوم حبوب BioSchwartz (ذات النصف جرام من الكُرْكُمين) بأنها ثاني أفضل مبيع من بين الفيتامينات والمكملات الغذائية على موقع أمازون (تأتي بعد الكولاجين، وأكثر شعبية من البروبيوتك (كائنات حية دقيقة تعطي عند تناولها بكمياتٍ مناسبة فائدة صحية للمضيف)، وزيت السمك، والفيتامينات).

لن تصبح المكملات الغذائية بفائدة الطعام الحقيقي

تناول المكملات الغذائية لن يصبح أبدًا مفيدًا كأكل الطعام كاملًا، إذ وجدت دراساتٌ أن نبات الكُرْكُم كاملًا يعطي دفعًا مضادًا للالتهاب أكثر من الكُرْكُمين لوحده.

لكن جويل يقول إن تناول جرام واحد من المكمل الغذائي أفضل بكثير من لا شيء، وليكون واقعيًا، يدرك أن الأمريكيين لن يتناولوا الكاري الأصفر كل يومٍ في طعامهم، وهو عكس ما يحدث في الهند.

يقول جويل: «كل الطعام في الهند أصفر اللون، وهو جزءٌ من نظام الأكل مثله مثل الملح والفلفل، هم لا يدركون هذا، لكنه يحميهم من كثيرٍ من الأمراض».

هذا الجذر الأصفر منتشرٌ في الأطعمة في قارة آسيا، يُطلق الصينيون عليه اسم (جيانغ خوانغ)، كما يوجد في كمٍّ هائل من الأطباق التايلاندية أيضًا، من حساء الدجاج حتى السمك المقليّ.

يوصي جويل كل شخص بالغ بتناول كمية يومية من الكُرْكُم أو مكملات الكُرْكُمين بعد استشارة طبيبه الخاص، كما إنه مكوّنٌ مهمٌ جدًا للشيوخ؛ فهو مضادٌّ قوي للأكسدة يساعد على حماية الخلايا، ومضاد للجراثيم أيضًا.

يعطي جويل الكُرْكُم في المنزل لطفليه ذوي ١٣ و١٥ سنة، ويقول إنه لا يرغب أن يبدو كبائع كُرْكُم، يشدّد قائلًا: «أنا لست كذلك»؛ لكن منافع ذاك الشيء البرتقالي الأصفر الصحية لا يمكن إنكارها.

يقول جويل: «إنها آمنةٌ جدًا، لا تحتوي على سموم، وبرخص التراب، وتأتي من الطعام، فما المانع إذن؟».


  • ترجمة: لُبيد الأغبري
  • تدقيق وتحرير: تسنيم المنجّد
  • المصدر