قد يبدو تصنيف مجموعة أشكال لعبة للأطفال؛ نضع الدوائر هنا، والمربعات هناك، والمثلثات في مجموعة أخرى. لكن عند أخد المهمة بجدية، هنالك الكثير لفعله. في الواقع، تعد الطوبولوجيا إحدى أكبر التخصصات الفرعية في الرياضيات، تخصص لهذا الغرض بالضبط، وبعد قرون من الجهود المتضافرة، لم يقترب علماء الرياضيات من نهايته. يدرس علماء الطوبولوجيا خصائص نسخ الأشكال التي تسمى طيات أو عديد التفرع، بهدف تصنيفها. مع هذا الجهد، هناك فروق رئيسية قليلة؛ ما هي الطيات بالضبط، وما هو مفهوم التشابه الذي يدور في الأذهان عند مقارنتها؟

قد تكون الطيات أشكالًا بأبعاد مختلفة، من نقاط صفرية الأبعاد إلى خطوط أحادية الأبعاد إلى أسطح ثنائية الأبعاد (مثل الكرة) إلى مساحات بمئة بعد (أو أكثر)، التي يصعب تصورها ولكنها حقيقة رياضيًا مثل أي شيء آخر. يدرسها علماء الرياضيات لأسباب عدة، منها تشكيل الطيات ثلاثية ورباعية الأبعاد لظروف حياتنا.

تقول ماغي ميلر باحثة ما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد: «إنها تبدو مثل المكان الذي نعيش فيه، الأرض أو الفضاء حيث نعيش. ربما الكون طية مثيرة للاهتمام».

الشيء المشترك بين جميع الطيات هو السطح العام. إذا نظرت من على سطح طية، سيبدو الفضاء حولك مسطحًا. في الواقع، تملك الأرض هذه التجربة. من سطحها ذو الطية ثنائية البعد، يمكن غفران الاعتقاد (لفترة قصيرة!) أن الأرض مسطحة.

عمومًا، لا يمكن تحديد السمات الكونية للطية من منظور أرضي، أكانت منحنية كالكرة أم تحوي ثقبًا كحلوى الدونات. يستبعد هذا التعريف الأشكال التي تشبه مخروطين متلامسان طرفًا لطرف، مثل الساعة الرملية، فستعرف أن شيئًا غريبًا يحدث في نقطة تلاقي الأطراف، إذا كنت تعيش في هذا الفضاء.

تنقسم الطيات إلى ثلاثة أنواع رئيسية، بعد تحقق شرط السطح أولًا. النوع الأقل تعقيدًا هو الطية الطوبولوجية؛ يملك هذا النوع خاصية بسيطة تمكنك من تتبع إصبعك عبر كامل الشكل دون الحاجة إلى رفع إصبعك، ويعني هذا أنها مستمرة، لا تظهر أي قفزات مفاجئة من نقطة إلى أخرى. الاستمرارية هي جزء من تعريف الطية أساسًا، لذا كل الطيات هي طيات طوبولوجية تلقائيًا.

النوع الأكثر تعقيدًا هو الطية المستوية؛ تملك كل سمات الطية الطوبولوجية، أي السطح والاستمرارية، لكنها تملك أكثر من ذلك أيضًا. تتبَّع إصبعك عبرها ستجد المسار مستويًا دائمًا، لن تصطدم بزاوية مفاجئة على عكس الطية الطوبولوجية.

هذا الشكل المستوي له عواقب كبيرة، إذ تسمح لك بربط مستوى ظل مميز لكل نقطة من الطية المستوية، ما يعني أنه يمكنك إجراء حسابات التفاضل والتكامل على الطية المستوية.

يملك النوع الثالث تعقيدًا بين الطيات الطوبولوجية المجردة والطيات المستوية الأكثر تنظيمًا، ويعرف هذا النوع بالطية الخطية المتعددة، ويساعد على تصورها أنها مكونة من بلاطات متعددة. قد يكون للطية الخطية المتعددة زوايا، مثل الطية الطوبولوجية، ولكن تقيد البنية المتعددة المكان الذي يمكن أن تتشكل فيه تلك الزوايا، فقط عند القمم حيث تلتقي البلاطات.

تقول ميلر: «لا تعزل الزوايا في الطيات الطوبولوجية مثل طريقة الطية الخطية المتعددة، التي لها حافة صغيرة تفصل الزوايا».

تقع الطيات الخطية المتعددة بين الطيات الطوبولوجية والمستوية من حيث التعقيد، لكنها تنحرف قليلًا أيضًا. تركز الكثير من الأسئلة المهمة في الطوبولوجيا حول التمييز بين الطيات الطوبولوجية والمستوية، مع استبعاد الطيات الخطية المتعددة، ولكنها
تصبح أكثر أهمية في دراسة الطيات متعددة الأبعاد، خماسية الأبعاد وما فوق.

فور معرفة ما هي الطيات، يمكن السؤال متى تتشابه طية مع أخرى.

الفكرة الأساسية الأهم للتشابه تدعى مثلية التوضع أو التكافؤ، وتعد طيتان متشابهتان وفق هذا المعيار عندما يمكنك سحب وضغط وتوسيع إحداهما لتأخذ شكل الأخرى دون تمزيقها.

وفقًا لهذا المعيار الفضفاض، العديد من الأشكال التي لا تشبه بعضها تعد متكافئة، فالكرة ثلاثية الأبعاد (مثل كرة البيسبول) تكافئ نقطة واحدة، لأنه يمكن تشويهها باستمرار إلى نقطة واحدة دون تمزيقها. مع ذلك، حلوى الدونات (الشكل الدائري المجوف) لا تكافئ نقطة بسبب الثقب في مركزها، الذي لا يمكن التخلص منه بصرف النظر عن مدى إحكام تقليصها.

بعيدًا عن معيار مثلية التوضع أو التكافؤ، هنالك مفهومان آخران أكثر تعقيدًا للتشابه. كل منهما يتطابق مع نوع مختلف من الطيات، أحداهما مع الطيات الطوبولوجية والآخر مع المستوية. من المنطقي أن يكون لكل منها مفهومه عن التكافؤ. في نهاية الأمر، لا يمكن استخدام المقياس الذي تُقارن به الروايات لمقارنة اللافقاريات.

تقول سارة بلاكويل، طالبة دراسات عليا في جامعة جورجيا: «عند تعلم تعريف لنوع جديد من الفضاء، يمكن تقريبًا تخمين تعريف التكافؤ لأنه ينبغي أن يعكس بطبيعة الحال تعريف الفضاء».

يسمى المعيار المرتبط بالطيات الطوبولوجية تشابه الشكل البلوري (تماثل طوبولوجي). هذا التحول (التشكل) يربط كل نقطة في الطية الطوبولوجية بنقطة فريدة في طية أخرى، بطريقة تحافظ على المسافة بين النقاط.

تقول بلاكويل: «إذا كان لديك نقطتان قريبتان من بعضهما هنا. عندما تنظر إلى صورتيهما هناك، يجب أن تكونا متقاربتين».

يسمى معيار التكافؤ للطية المستوية بالتماثل التفاضلي وهو أكثر تعقيدًا. كما في السابق، فإن النقاط القريبة في طية واحدة تحتاج للاقتران بنقاط قريبة في طية أخرى، لكنها وفق هذا المعيار يجب أن تقترن بطريقة تحافظ على الهيكل المستوي لكلا الطيتين.
بعبارة أخرى، إذا لم توجد طريقة لاقتران النقاط دون تشكل زاوية مثلًا، فإن الطيتين ليستا متماثلتين تفاضليًا.

هذه الفوارق تدعم مشروع التصنيف الكبير للطوبولوجيا، وقد حقق علماء الرياضيات تقدمًا كبيرًا في هذا التصنيف في جميع الأبعاد باستثناء البعد الرابع، إذ إنه في الأساس بعد واسع.

أهم نتيجة تصنيفية كانت مبرهنة (حدسية بوانكاريه – Poincaré conjecture) رباعية البعد لمايكل فريدمان عام 1981، التي أسست أن أي طية طوبولوجية رباعية الأبعاد تكافئ كرة رباعية الأبعاد، فهي أيضًا تشابه كرة رباعية الأبعاد.

أوضحت مجلة كوانتا في مقالة حديثة، أن البرهان كان معقدًا جدًا، وإيضاحه ضعيف أيضًا، حتى أنه كان سيتلاشى من الرياضيات حتى أعاده تدوينه في كتاب.

ربط عمل فريدمان بين شكلين مختلفين من أشكال التكافؤ: مثلية التوضع، الذي تكون فيه الكرة مساوية لنقطة، الذي يختلف تمامًا عن تشابه الشكل البلوري أو التماثل الطوبولوجي، الذي يتطلب ربط نقاط بطريقة دقيقة جدًا. أثبت فريدمان مع ذلك في ظروفه الخاصة، أن الشكل الأول الفضفاض من التكافؤ يعني دائمًا أن الشكل الثاني، أقوى بكثير.

لكن برهان فريدمان ترك الباب مفتوحًا أمام حدسية بوانكاريه رباعية الأبعاد المستوية، التي تقول أن أي طية مستوية رباعية الأبعاد تكافئ كرة رباعية الأبعاد فهي أيضًا تماثل تفاضلي لكرة رباعية الأبعاد.

هذا البيان أقوى من الذي أثبته فريدمان، إذ إن التماثل التفاضلي أقوى من مثلية التوضع، ولا يملك علماء الرياضيات اليوم أي فكرة عن كيفية حسم هذا النقاش.

هذا يجعلهم في وضع محرج لعدم قدرتهم على تحقيق واحدة من أهم المهام التصنيفية الأساسية على الإطلاق: تمييز متى تكون الطية المستوية رباعية الأبعاد هي حقًا كرة.

اقرأ أيضًا:

أنت كعكة دونات هذا ما فسرته الطوبولوجيا

من قال ان الرياضيات مملة ؟ خمس حقائق محيرة جدًا في الرياضيات

ترجمة: عمرو أحمد حمدان

تدقيق: سماح عبد اللطيف

مراجعة: حسين جرود

المصدر