تأتي بعض الاكتشافات العلمية بعد العمل الشاق في مسعىً باتجاه معينٍ، ولكن العديد من الاكتشافات المذهلة في العالم قد أتت عندما وجد شخصٌ ما أمرًا لم يكن يبحث عنه بالأساس.

ففي بعض الحالات، تكون الاكتشافات نتاجًا للصدفة البحتة.

وسمحت “بعض الحوادث غير المتوقعة” للناس باكتشاف تأثيرات جانبية للأدوية وهذا ما حدث مع الفياجرا.

وعلى سبيل المثال فقد عثر كيميائي روسي على مادة التحلية الاصطناعية “السكرين” بعدما نسى غسل يديه لأيام من العمل.

لربما في أغلب الأحيان، تكون الاكتشافات المغيرة للعالم نتيجة عقلٍ إبداعيٍ مدرك أن مادةً أو اختراعًا ما، يمكن إعادة توجيهه إلى شيءٍ لا يُصدق.

في العديد من هذه الحالات لا يَصِف الباحثون اكتشافهم بـ “حادث أو صدفة”، لأنه تطلب عقلًا مستعدًا لمتابعة هذا الاكتشاف وتحويله لشيءٍ مفيد.

لكن ما وجِدَ ليسَ ما كان يُبْحَثُ عَنهُ في المقامِ الأولِ.

يمكن أن يساعد اليأس أو الحاجة لاكتشاف طريقة استخدام جديدة لمنتجٍ ما، كما حدث مع مخترع عجين اللعب فقد حاول أن ينظف السخام من بيوت الناس، ثم أزال التحول من الفحم للغاز الحاجة لعجين التنظيف هذا، ولكن تبين أن عجينة التنظيف هذه يمكن أن تصبح لعبةً رائعةً “Play-doh عجين اللعب”.

لا يمكن لهذه الحوادث أن تغير العالم لولا وجود الشخص المناسب ليعي قيمتها، ولكن تظهر لنا أن أفضل الاختراعات يمكن أن تأتي من الحوادث غير المتوقعة.

1- فرن الميكروويف:

في عام 1945، عمل المهندس بيرسي سبينسر على مشروع متعلق بالرادار، وأثناء اختباره لأنبوبٍ فراغيٍ جديدٍ، اكتشف أن قطعة الشوكولاته في جيبه ذابت بسرعةٍ أكبر مما كان يتوقع، مما أثار فضوله وبدأ يُجرب تصويب الأنبوب نحو أشياءٍ أخرى كالبيض وحبات الفشار.

استنتج سبنسر أن سخونة الأشياء التي سلط عليها الأنبوب أتت من طاقة الأشعة الميكروية microwave.

وبعدها بمدةٍ قصيرة، في 8 أكتوبر 1945، قدمت شركة رايثيون براءة اختراع لأول ميكرويف.

و وصل وزن أول فرن ميكروويف إلى 340 [Kg] وطوله 168 [cm] وكلف 500 دولار.

2- الكينين:

الكينين هو مركب مضاد للملاريا مستخلص من لحاء الشجر، نجده اليوم في المياه المنشطة tonic water، على الرغم من أنه لايزال يستخدم في الأدوية التي تعالج الملاريا أيضًا.

استخدم المبشرون اليسوعيون في أمريكا الجنوبية الكينين لعلاج الملاريا في وقتٍ مبكرٍ من عام 1600، لكن المكتشف الأصلي وجد بالصدفة أن مادة الكينين تساعد في علاج مرض شخصٍ من سكان الأنديز الأصليين، وتقول الأسطورة أن رجلًا أنديزيًا ضاع في الغابة وكان يعاني من حمى الملاريا وشرب من بركة ماءٍ بجانب شجرة كوينا-كوينا، وخاف الرجل من أن تزيد حدة مرضه بسبب مرارة الماء الذي شربه، ولكن ما حدث كان العكس، فقد خفت الحمى لديه واستطاع أن يجد طريقه للمنزل ويحكي قصته عن شجرة الشفاء (الكوينا – كوينا).

3- الأشعة السينية (أشعة X):

عمل الفيزيائي الألماني فيلهيلم رونتجن في العام 1895 على أنبوب أشعة الكاثود (Cathode Ray)، وعلى الرغم من أن الأنبوب كان مغطى إلا أنه رأى توهج شاشة الفلورسنت القريبة كلما شغل الأنبوب والغرفة مظلمة.

لقد كانت الأشعة تضيء الأنبوب بطريقة ما..!

حاول رونتجن أن يوقف الأشعة، ولكن معظم الأشياء التي وضعها أمام الأنبوب لم تُظهر أي فرق، وعندما وضع يده أمام الأنبوب لاحظ أن بإمكانه رؤية عظامه على الشاشة المقابلة.

فاستبدل الأنبوب بصفيحة فوتوغرافية لالتقاط الصور التي تصنعها الأشعة السينية.

وقد تم اعتماد هذه التكنولوجيا في وقتٍ قريبٍ من قِبل المؤسسات الطبية والأقسام البحثية، ولسوء الحظ استخدمت هذه التقنية قبل الفهم الكامل لمخاطر الأشعة السينية.

4- النشاط الإشعاعي (Radioactivity):

أدهش اكتشاف الأشعة السينية العالم هنري بيكيريل وقرر في العام 1896 التحقيق في العلاقة ما بين الأشعة السينية والتفسفر (phosphorescence)، وهي خاصيةٌ طبيعيةٌ لبعض المواد التي تجعلها مضيئة.

حاول بيكيريل تعريض صفائح فوتوغرافية لأملاح اليورانيوم التي أمل أنها ستمتص طاقة الأشعة السينية من الشمس.

اعتقد أنه يحتاج ضوء الشمس ليكمل التجربة ولكن السماء كانت ملبدة بالغيوم.

وعلى الرغم من أن التجربة لم تكتمل، فقد طور الصفائح ووجد أن الصور ظهرت بوضوح، حيث أن اليورانيوم قد أطلق أشعة إشعاعية.

ففكّر وأظهر فيما بعد أن الأشعة جاءت من أملاح اليورانيوم المشع.

5- نظام التثبيت الذي نعرفه باسم الماركة (Velcro):

في العام 1941 انطلق المهندس السويسري جورج دي ميسترال في نزهة مع كلبه لجبال الألب، ولدى عودته للمنزل نظر لما علق على ثيابه من نبات الأرقطيون، ولاحظ أن البذور الصغيرة العالقة لها خطافات صغيرة وهي ما تسمح لها بالتعلق في القماش والصوف.
لم ينفك يحاول إنشاء نظام تثبيت مشابه، وبعدما لاحظ مدى قوة تثبيت هذه البذور بالقماش، قرر أن يصنع المادة التي نعرفها اليوم باسم الماركة (Velcro).

وأصبحت مشهورة بعد تبنيها من قبل وكالة الفضاء الأمريكية (NASA)، وشاع استخدامها في الأحذية الرياضية والمعاطف.

6- السكرين (المحلي الاصطناعي):

السكرين مادة مُحلية أكثر بـ400 مرة من السكر الطبيعي، وقد اكتشفت في العام 1878 من قِبل قسطنطين فالببرج الذي كان يعمل على تحليل قطران الفحم في جامعة جونز هوبكنز.

و بعد يومٍ طويلٍ في المختبر، نسى أن يغسل يديه قبل تناوله للعشاء ولاحظ أن كل شيءٍ أمسكه بدا طعمه حلوًا ..!

عاد لمختبره وبدأ يتذوق المركبات الكيميائية في مختبره الواحد تلو الآخر حتى عثر على نتيجة تجربته (حمض سولفوبنزويك مع كلوريد الفوسفور والأمونيا)، (لا يُعتبر تذوق المواد الكيميائية عشوائيًا ممارسةً مختبريةً آمنة).

وفي العام 1884 قدم فاهلبيرغ سكرين على براءة اختراع (حارمًا ريمسين من براءة الاختراع، على الرغم من أنهما قد شاركا في نشر أول ورقةٍ بحثيةٍ عن التجربة)، وبدأ الإنتاج الضخم وأصبحت المادة المحلية الجديدة تستخدم على نطاقٍ واسعٍ خلال فترة تقنين السكر في الحرب العالمية الأولى.

أظهرت الدراسات أن جسم الإنسان لا يستطيع استقلاب السكرين، لذلك لن يحصل الناس على أية سعراتٍ حراريةٍ لدى تناولهم لها.

وفي العام 1907 بدأ مرضى السكر باستخدام السكرين كبديل للسكر، سرعان ما وُصفت بأنها خالية من السعرات الحرارية من قبل أخصائيي الحميات.

7- منظم ضربات القلب:

في عام 1956، كان ويلسون جريت باتش يبني جهازًا لتسجيل ضربات القلب.

وصل لصندوق للمقاومة لإكمال الدارة، ولكنه سحب الصندوق الخطأ (لم يكن حجمه مناسبًا).

قام بتركيبه ولاحظ أن الدارة تنتج نبضات كهربائية، مما جعله يفكر في توقيت ضربات القلب.

اعتقد جريت باتش أن التحفيز الكهربائي قد يكون قادرًا على تحفيز دائرة القلب، ومن الممكن إنشاء نسخةٍ مصغرةٍ من هذا الجهاز ويكفي لتوفير هذا التحفيز.

وبدأ يحاول تقليص حجم الجهاز إلى أن استطاع في العام 1958 أن يزرع منظم القلب بنجاحٍ في كلب.

8- LSD:

درس ألبرت هوفمان حمض الليسرجيك، مادة كيميائية قوية استخلصت لأول مرة من الفطريات التي تنمو على خبز الجاودار ( الجاودار نبات يشبه القمح)، والذي تم تصنيعه لأول مرة في عام 1938.

هذه المواد الكيميائية التي درسها سوف تُستخدم كمستحضرات صيدلانية، ولا تزال العديد من مشتقاتها تُستخدم اليوم. وفي عام 1943 تذوق منتجه عن طريق الخطأ، وأبلغ هوفمان أنه شعر بالقلق والدوار.

وفقًا لمذكراته، فقد ذهب لمنزله وغرق في نوع من السكر الذي لم يكن سيئًا على حد قوله وتميز بالنشاط المفرط في الخيال.

يقول: «عندما استلقيت كنت في حالة ذهول وأغلقت عيني، لقد عاينت ضوء النهار بسطوعٍ لا يصدق، وسَرَت عليَّ دفقات من الصور المذهلة وصاحبتها لعبة ألوان شبيهة بالمشكال» (المشكال: رسم متغير الألوان).

وقد أثار اهتمامه بتعمد المخدر في 19 أبريل 1943 لمعرفة آثاره ، ثم ركب دراجته وعاد لمنزله، كانت أول تجربةٍ مخططًا لها مع LSD ولكنها ليست الأخيرة.

وكما العديد من المخترعين، لم يصف ألبرت هوفمان اكتشافه كحادث، ولكنه قرر متابعة النتائج التي وصل إليها.

9- عجين اللعب:

يمتد تاريخ هذا العجين (أو طين اللعب) للعام 1930، ولم يكن الهدف منه أن يكون لعبة.

تم تصميمه لأول مرة من قبل نوح مكفيكر، الذي عمل مع أخيه “كليو” في معمل صابون، لكنهم لم يصنعوا لعبة أطفال.

بدلًا من ذلك، فقد أنشأوا منظف ورق الجدران.

اعتاد الناس على استخدام الفحم في تدفئة المنازل وكان السخام هو أحد نواتج احتراق الفحم الذي يلتصق بورق الجدران، ولإزالته استُخدم الطين.

ومع ذلك، بعد إدخال ورق الجدران الفينيل، والتي يمكن تنظيفها بالماء، لم يعد منظف ورق الجدران ضروريًا، لأن الإسفنج الرطب يمكنه القيام بالمهمة.

وقبل خروج الشركة المصنعة له عن العمل، جاءت مُدرسة روضة الأطفال تدعى كاي زوفال بفكرةٍ أخرى لاستخدامه، فقد

سمعت أن الأطفال يمكنهم صُنع الزخارف من نظافة ورق الجدران، لذا جربتها في الفصل وأحبها طلابها. فأخبرت صهرها جو مكفيكر، الذي عمل مع عمه نوح.

فقررت الشركة إزالة المنظف وإضافة الصبغة، وبعد أن اقترح كاي اسم (Play-doh) تمت صناعة الطين الذي نعرفه ونحبه.


  • ترجمة: عصام خلف
  • تدقيق: حسام التهامي
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر