كشف تحليل أُجري على 12 بردية قديمة بعض التفاصيل المفاجئة عن كيفية مزج المصريين القدماء أحبارهم الحمراء والسوداء، وقد تعطينا هذه الاكتشافات الجديدة معلومات مهمة للغاية عن طريقة تدوين الكتاب القدماء كلماتهم على الصفحات.

من المعروف استعمال قدماء المصريين لأحبار الكتابة منذ 3200 ق.م، لكن عينات البردي التي شملتها الدراسة ترجع إلى فترة من قرن إلى قرنين بعد الميلاد، وقد جُمعت من مكتبة معبد تبتونس -أم البريجات- الشهيرة، وهي المكتبة المؤسسية الكبرى الوحيدة الباقية من تلك الفترة على قدر علمنا.

كشف الباحثون عن العناصر والجزيئات والتركيب البنيوي للأحبار بتفاصيل غير مسبوقة، وقد استعملوا تقنيات متنوعة من الإشعاع السنكروتروني -إشعاع كهرومغناطيسي يتولد عن تعجيل الجسيمات المشحونة إلى سرعات عالية وتغيير اتجاهات سيرها باستعمال مجال مغناطيسي- واستعمال الأشعة السينية عالية القدرة لتحليل العينات المجهرية.

تقول مارين كوت، الفيزيائية بمنشأة الإشعاع السينكروتروني الأوربية بفرنسا: «بتطبيق التقنيات المتقدمة للقرن الحادي والعشرين للكشف عن أسرار تقنية الحبر القديمة ، استطعنا المساهمة في كشف أصل ممارسة الكتابة».

يخبرنا الباحثون أن لون الأحبار الحمراء التي تُستعمل عادةً لإبراز العناوين والتعليمات أو الكلمات المفتاحية كان -على الأرجح- الصبغة الطبيعية المُسماة بالمغرة، وتُشير إلى ذلك آثار الألمنيوم والحديد وأكسيد الحديد. أما الاكتشاف الأكثر إثارة للاهتمام فهو مركبات الرصاص في كل من الأحبار الحمراء والسوداء دون أثر لصبغات الرصاص المستعملة تقليديًا للتلوين، ويوحي ذلك بأن إضافة الرصاص كانت لأغراض تقنية عملية، لا جمالية.

كتب الفريق في دراسته: «المجففات المعتمدة على الرصاص تمنع المادة المالئة من الانبساط كثيرًا حين يُوضع الحبر أو الصبغ على سطح الورقة أو البردية، هذا دور الرصاص في البرديات التي درسناها، إذ يكوّن الرصاص هالة شفافة تحيط بجزيئات المغرة».

تشرح هذه التقنية كيف تجنب كُتّاب وادي النيل تكوّن البقع واللطخات على أوراق بردياتهم، وتقترح كذلك معرفتهم ببعض تقنيات صنع الأحبار المتخصصة، وأغلب الظن أن كهنة المعابد الذين استعملوا الحبر للكتابة لم يكونوا هم الذين يمزجونه.

يقول عالم المصريات توماس كريستنسين -جامعة كوبنهاغن، الدنمارك: «حقيقة إضافة الرصاص بوصفه مجففًا، لا صبغة، تقودنا إلى استنتاج أن الحبر كان وصفة معقدة فلا يستطيع الشخص العادي -غير المختص- صناعته. نفترض وجود ورشات مختصة لتحضير الأحبار».

تظهر خرائط الأشعة السينية الفلورية الحديد (الأحمر) والرصاص (الأزرق) في الحبر الأحمر

تظهر خرائط الأشعة السينية الفلورية الحديد (الأحمر) والرصاص (الأزرق) في الحبر الأحمر

ذكرت وثائق إغريقية ترجع إلى القرن الثالث الميلادي وجود ورشات خاصة لتحضير الأحبار، ما يدعم فكرة وجود مختصين بمزج الأحبار في مصر وبلدان البحر المتوسط.

تبنت أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي تقنية استعمال الرصاص عاملًا مجففًا مع ظهور اللوحات الزيتية، لكن يبدو أن المصريين القدماء عرفوا هذه الحيلة قبل ذلك بأربعة عشر قرنًا على الأقل.

يخطط الباحثون لإجراء المزيد من الاختبارات والتحاليل، مع أن ما اكتشفوه حتى الآن مذهل بما يكفي، ويُعد عملهم مثالًا على قدرة الأدوات العلمية الحديثة على كشف أسرار الماضي متضمنةً تقنية الحبر الملون، يقول كريستنسين: «وفرت لنا تقنية التحليل المجهري المعتمدة على السنكروترون معلومات قيمة عن تحضير الحبرين الأسود والأحمر قبل ألفي عام في مصر القديمة وروما».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف أقدم البرديات المصرية بعمر 4,500 سنة

لوح لعبة قديم قد يكون الحلقة المفقودة في كتاب الموتى المصري

ترجمة: الحسين الطاهر

تدقيق: نغم رابي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر