تتزايد أعداد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض بمعدل كبير، بفضل الشركات الخاصة مثل شركة سبيس إكس، لكن إلى أي عدد ستصل هذه المجموعات الضخمة، وما نوع المشكلات التي قد تسببها ؟!
تضاعف عدد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض في آخر خمسة سنوات، بل ستتضاعف مرة أخرى في نفس المدة الزمنية. كل هذا بفضل الجهود التي تبذلها شركات القطاع الخاص مثل شركة سبيس إكس.
ومع أن وجود مركبات فضاء كهذه يوفر مزايا هائلة، لكنها من الممكن أن تسبب مشاكل عديدة أدركها العلماء مؤخرًا. لذا كم من الأقمار الصناعية المتوقع أن نراها في سمائنا في العقود القادمة؟ والأهم من ذلك كم هو العدد الذي يُعد كبيرًا جداً؟
بلغ عدد الأقمار الصناعية نحو 11700 قمر اصطناعي نشط يدور حول الأرض في مايو 2025، ما بين الأقمار ذات أغراض التجسس العسكري والأغراض العلمية، وشبكات الأقمار الصناعية المدعومة من القطاع الخاص، تلك التي تنمو سريعًا. ومع ذلك يتزايد معدل إطلاق سفن الفضاء عاماً بعد عام.
وتعد شركة سبيس إكس أكبر المساهمين في هذا الصدد من حيث العدد، إذ تمتلك عددًا من الأقمار يصل إلى 7500 قمر يدور في مداره، أي أكثر من 60% من إجمالي الأقمار المشغلة، وهذا ما قاله جوناثان ماكدويل لموقع لايڤ ساينس وهو عالم فضاء في جامعة هارفارد ومعهد سميث سونيان لعلوم الفضاء، كان يتتبع الأقمار الصناعية منذ عام 1989.
وقد أُطلق هذا الكم من الأقمار الصناعية منذ مايو 2019 .
مع ذلك بدأت المؤسسات الأخرى في تطوير مشاريع إطلاق الأقمار الصناعية العملاقة كمشروع أمازون كويبر ومشروع دولة الصين (كوكب الألف شراع). وما يساعد على ذلك هو أن إطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء أصبح أكثر سهولة من ذي قبل بفضل قابلية الصواريخ لإعادة الاستخدام مثل صاروخ شركة سبيس إكس فالكون 9، واستخدامه لإطلاق الكثير من شبكات الأقمار الصناعية المتنافسة.
تستكشف الشركات الأخرى طرقًا جديدةً لإطلاق أقمار صناعية ذات وزن أكبر متضمنة إطلاق المئات من الأقمار الصناعية دفعة واحدة باستخدام مدفع دوار عملاق.
كل هذه الأنشطة التي تزيد يوماً بعد يوم تجعل الباحثين يتساءلون عن عدد الأقمار الصناعية التي يمكننا الوصول إليها في النهاية كحد لهذه الأنشطة، وما هي المشكلات التي قد تظهر في أثناء تلك المرحلة.
قالت فيونا تومسون، باحثة بارزة في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة والمتخصصة في علوم الفضاء، لموقع لايف ساينس: «يخطط المسؤولون عن تلك الأقمار الصناعية العملاقة لتغطية معظم أرجاء سطح الأرض بالأقمار الصناعية. وأضافت أنه ما زال هناك شك كبير حول عدد الأقمار الصناعية الذي سوف يصبح عليه الوضع، وما الأضرار التي قد تسببها».
من الصعب توقع عدد الأقمار الصناعية التي سوف تنطلق في المستقبل، لأن شركات تلك الأقمار عادةً ما تغير خططها. هذا وفقًا لما جاء عن أرون بولي، عالم فضاء في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا، والمتعمق في دراسة التأثيرات المحتملة على إطلاق شركات القطاع الخاص للأقمار الصناعية العملاقة إلى الفضاء، في موقع لايف ساينس: «تُغير الشركات خططها، لأنها تطور من أنظمتها، بل إن الكثير من المشاريع المحتملة لن يتم إطلاقها، لكن سوف يحدث أيضًا إطلاق عدد كبير من المشاريع الأخرى».
وفقًا للدراسة التي شارك فيها بولي عام 2023، أضافت المشاريع المقترحة ما يزيد عن مليون قمر اصطناعي مملوك لنحو ما يزيد عن 300 شركة من شركات القطاع الخاص إلى الإتحاد الدولي للإتصالات، الهيئة المسؤولة عن تنظيم عملية إطلاق الأقمار الصناعية إلى الفضاء. لكن بعضاً من هذه الأقمار الصناعية والمتضمنة حوالي 337,000 قمر اصطناعي عملاق من دولة رواندا من المحتمل ألا تتحقق، وفقًا لما جاء في ملاحظات العلماء.
يُعد هذا العدد من الأقمار الصناعية ضخمًا، لكن كثيراً من الأقمار الصناعية المملوكة للقطاع الخاص تكون قصيرة العمر، على سبيل المثال متوسط عمر الأقمار الصناعية المملوكة لشركة ستارلينك نحو خمس سنوات قيد التشغيل، بعد ذلك تعود إلى الأرض وتحترق بمجرد دخولها المجال الجوي للأرض. لذا، حتى إن حدث إطلاق نحو مليون قمر صناعي مقترح، فهي لن تدور كلها في المدار حول الأرض في نفس التوقيت.
مع أن عدد الأقمار الصناعية التي ستُطلق لا يستطيع أحد التنبؤ به بالتحديد، فقد استطاع الباحثون تقدير أقصى عدد لمركبات الفضاء التي ستوجد في المجال الأرضي المنخفض، ويبعد هذا المجال نحو 2000 كم عن مستوى سطح الأرض حيث توجد معظم الأقمار الصناعية الخاصة بشركات القطاع الخاص في هذا المدار. ومتى حدث التجاوز لهذا الحد الذي أعده العلماء فسوف تتصادم الأقمار مع بعضها.
يظن جميع العلماء المتخصصون في علوم الفضاء من ضمنهم ماكدويل وبولي وفيدريكو دي فرونو، من المرصد الدولي لعلوم الفضاء (SKA)، وبينجانين وينكل من معهد ماكس بلانك لدراسة علم الفلك الراديوي في ألمانيا، أن السعة الاستيعابية للمدار الأرضي المنخفض حوالي 100,000 قمر اصطناعي فعال. إن زاد الرقم عن ذلك، فمن المحتمل أن تكون الأقمار المطلقة جديداً بديلًا لتحل محل الأقمار التي وصلت إلى نهاية مدة تشغيلها.
ولا يزال من غير الواضح توقيت الوصول للسعة المذكورة ، مع ذلك يمكننا التنبؤ بعدد الأقمار الصناعية التي ستصل للحد بمعرفة معدل تزايد إطلاق الأقمار الصناعية السنوي. وقد أخبر العديد من الخبراء موقع لايف ساينس أننا من المحتمل أن نصل لهذا الحد قبل عام 2050.
مشاكل ضخمة
يعمل الباحثون بجد لاكتشاف المشكلات التي قد يواجهونها نتيجة الزيادة المتوقعة في أعداد الأقمار الصناعية.
واحدة من أكبر المشكلات المتعلقة بالأقمار الصناعية العملاقة هي الخردة الفضائية متضمنة الصواريخ المطلقة والأقمار الصناعية عديمة الفائدة، التي سوف تسبب ازدحامًا بدرجة كبيرة في المدار الأرضي المنخفض قبل أن تعود إلى الأرض. وإن حدث تصادم بين تلك القطع من الخردة، سوف ينتج آلاف القطع الصغيرة التي تزيد من خطر وقوع مزيد من الاصطدامات. وإذا تركت هكذا فقد يؤدي هذا التأثير المتسلسل إلى أن يصبح المدار الأرضي المنخفض غير قابل للإستخدام. ويطلق العلماء على هذه المشكلة اسم “متلازمة كيسلر” إلى جانب تحذيرهم بضرورة التعامل معها قبل أن يفوت الآوان.
تمثل المجموعات الضخمة من الأقمار الصناعية تهديدًا بتقييد علم الفلك الأرضي بدرجة كبيرة عبر طريقتين رئيسيتين:
أولاً:
الضوء المنعكس من الأقمار الصناعية قد يتداخل مع علم الفلك البصري، إذ يحدث تشويه في الصور التي تلتقطها التلسكوبات في أثناء مرور هذه الأقمار في السماء.
ثانياً:
الإشعاع الكهرومغناطيسي المتسرّب عن غير قصد من أقمار الاتصالات قد يتداخل مع علم الفلك الراديوي، ويسبب حجب الإشارات الصادرة عن الأجسام البعيدة، مثل المجرات النائية.
يخشى بعض الخبراء من الوصول إلى الحد الأقصى للطاقة الاستيعابية، لما قد ينتج عن ذلك من تداخل راديوي بدرجة يصبح عندها بعض أنواع الفلك الراديوي مستحيلة تماماً.
وتؤثر الأقمار الصناعية أيضًا في البيئة عن طريق انبعاث الغازات الدفيئة في أثناء عمليات إطلاق الصواريخ، وكذلك عبر التلوث المعدني المتراكم في الغلاف الجوي العلوي نتيجة احتراق الأقمار الصناعية المعطلة والحطام الفضائي عند دخولها مجدداً إلى الغلاف الجوي.
نظرًا لكل هذه التأثيرات المحتملة، يدعو معظم الباحثين الشركات إلى تقليل وتيرة إطلاق الأقمار الصناعية.
قال بولي :«لا أظن أن وقفاً كاملاً لإطلاق الأقمار الصناعية سيكون حلاً فعالاً، ولكن التباطؤ وتأجيل نشر 100,000 قمر اصطناعي إلى أن يتم وضع قواعد دولية أفضل سيكون خطوة حكيمة».
هل نحتاج إلى 100,000 قمر اصطناعي؟
صحيح أن الأقمار الصناعية الخاصة تُساهم في مراقبة الأرض والربط بين المناطق الريفية المحرومة بالإنترنت عالي السرعة، لكن العديد من الخبراء يرون أن هذه الفوائد لا تفوق المخاطر المحتملة.
ويشكك آخرون في جدوى هذه الحمولة الضخمة من الأقمار الصناعية، ويتساءلون عمّا إذا كانت تقدم فعلاً فائدة حقيقية، أم أنها مجرد وسيلة لتحقيق أرباح تجارية لتلك الشركات. وقال تومسون: «هل نحتاج حقاً إلى قمر اصطناعي مكعب جديد في الفضاء يتيح لنا التقاط صور شخصية؟ وهل ربط المجتمعات النائية بالإنترنت يساعد فعلاً في حل المشكلات الجذرية مثل عدم المساواة والفقر والظلم؟».
ويُشير الخبراء إلى أن العديد من هذه الفوائد كان من الممكن تحقيقها بعدد أقل من الأقمار الصناعية، لكن الأرقام المقترحة مرتفعة جداً بسبب كثرة الشركات المتنافسة التي تسعى لتقديم نفس الخدمات.
قال وينكل لموقع ( لايف ساينس): «سيكون من الأفضل أن نتعاون أكثر، من أجل تقليل الحاجة إلى هذا العدد الكبير من الأقمار الصناعية، لكنني أرى أن ذلك غير مرجح على الإطلاق في ظل الوضع العالمي الراهن».
اقرأ أيضًا:
اكتشاف فلكي يُحيي فرضية الكوكب التاسع
الصور الأولى لكوكب نبتون متوهجًا تؤكد وجود الشفق القطبي
ترجمة: أحمد صبري عبد الحكيم
تدقيق: إيمان جابر
مراجعة: باسل حميدي