عرف الباحثون لعقود أنّ الحمى في الثلث الأول من الحمل تزيد من مخاطر تعرّض الجنين لقصورٍ في القلب وتشوّهاتٍ في الوجه مثل فلح الشفة أو الحنك.

إنّ كيفيّة حدوث ذلك غير واضح تمامًا، إذ تجادل العلماء حول كون سبب التشوّه فيروسًا أو مصدر عدوى أخرى، أو في حال كانت الحمى فقط هي سبب المشكلة.

حصل باحثون في جامعة ديوك الآن على أدلّة تشير إلى أنّ الحمى بنفسها، لا مصدرها الأساسي، هي ما يؤثّر على نمو القلب والفك أثناء الأسابيع الثلاثة إلى الثمانية الأولى من الحمل.

ونُشرت نتائجهم – التي أُجريت على أجنّة حيوانية – في العاشر من تشرين الأول عام 2017 في مجلة Science Signaling العلمية.

أشارت النتائج إلى إمكانية منع جزء من العيوب الخلقية بواسطة خفض الحمى عند الأم باستعمال الأسيتامينوفين-Acetaminophen بحكمة خلال الثلث الأول للحمل، بحسب الكاتب الأساسي للدراسة إريك بِنر Eric Benner، الحائز على إجازة الدكتوراه، والأخصّائي في طبّ حديثي الولادة والأستاذ المساعد في طب الأطفال في جامعة ديوك.

يقول بِنر: «أملي حاليًّا، حين تخطّط النساء للحمل وينصحهنّ أطباؤهنّ ببدء أخذ الفيتامينات وحمض الفوليك، أن يُعلِموهنّ أيضًا أنّه في حال إصابتهنّ بالحمى يجب ألّا يخشَيْنَ من الاتّصال والاستعلام عن أخذ خافضات الحرارة، وخصوصًا الأسيتامينوفين (تيلينول-Tylenol)، والذي أُجريت عليه دراسات على نطاق واسع وثبتت سلامته خلال الثلث الأول للحمل.

ففي حين ينصح معظمُ الأطباء النساءَ بعدم تناول أيّ دواء خلال الحمل، فقد تكون هناك فوائد من تناول الأسيتامينوفين لخفض الحرارة.

يجب على النساء مناقشة كلّ المخاطر والمنافع مع أطبائهنّ».

يحذّر بِنر من أنّ مضادّات الالتهاب اللاستيروئيدية (NSAIDS) مثل الإيبوبروفين والأسبرين تخفض الحرارة أيضًا إلّا أنّ بعضها غير آمن للاستعمال خلال مراحل الحمل المتأخّرة.

وهناك نقاش دائر حول ما إذا كان استعمال الأسيتامينوفين المتواصل آمنًا خلال الحمل لعلاج الحالات المستمرّة مثل التهاب المفاصل، بحسب بِنر.

يقول بِنِر: «مع ذلك، فإنّ استعماله بحكمة في حالات طارئة مثل الحمى يُعتبَر آمنًا.

تقترح هذه النتائج قدرتنا على تقليص خطر التشوّهات الخلقية والتي إذا حدثت ستقود إلى مضاعفات صحية خطيرة تتطلّب تداخلًا جراحيًّا».

ولملاحظة كيفية تأثير الحمى على نمو الجنين، درس الباحثون أجنّة دانيو مخطّط-Zebrafish (نوع من السمك) وأجنّة دجاج.

ومن بين اكتشافاتهم، وجد العلماء أنّ خلايا العُرْف العصبيّ-Neural crest cells – التي تشكّل لَبِنةً أساسيّةً للقلب والوجه والفك – تملك خصائص حسّاسة للحرارة.

يقول بِنِر: «وجدنا أنّ خلايا العرف العصبي هذه تحوي قنواتٍ أيونيّة حسّاسة للحرارة والتي تُوجد عادةً في أعصابك الحسية.

وهي تلك القنوات التي حين تضع يدك على كوب ماء حارّ تُخبِر جسدَك أنّ الحرارة قد تغيّرت».

صمّم الباحثون في جامعة ديوك تقنية غير جراحية على أساس مغناطيسيّ ليصنعوا ظروفًا شبيهة بالحمى في قناتين أيّونيتين حسّاستين للحرارة محدّدتين تُدعيان (TRPV1) و(TRPV4) وموجودتين في خلايا العرف العصبي المسؤولة عن نمو القلب والوجه.

حين استُهدِفت خلايا العرف العصبي هذه بظروف تُحاكي حمى عابرةً، طوّرتِ الأجنّة تشوّهاتٍ قحفيّةً وجهيةً-Craniofacial وعيوبًا في القلب تضمّنت البطين الأيمن ثنائي المخرج (DORV)، ورباعي فالو-Tetralogy of Fallot وانسدادات أخرى مُعيقة لتدفّق الدم.

ويعتمد نوع التشوه على ما إذا كانت الحمى قد حصلت أثناء تطوّر القلب أو الرأس والوجه.

وما لا يعلمه الباحثون بعد هو كيف تؤثّر شدّة الحمى أو فترتها على النمو، بحسب بِنر.

يقول بِنر: «عرفنا منذ بدايات ثمانينيّات القرن الماضي أنّ الحمى تصحب التشوّهات الخلقية، ولكنّ كيفية حصول ذلك كانت لغزًا كبيرًا».

إنّه لأمرٌ صعبٌ وأشبه بتحدٍّ أن تستطيع جمع معلوماتٍ من الأمّهات حول ظروف الحمى وشدّتها وفترتها بعد حصولها منذ عدّة أشهر، بحسب قوله.

يقول بِنر:«آمل أن نحرز تقدّمًا، نستطيع تثقيف نساء أكثر حول الحمى وكونها عامل خطر في التشوّهات الخلقية ونعلّمهن أنّه حين تظهر لديهنّ الحمى فلا يجب أن يجبرْن أنفسهنّ على تحمّلها فقط، بل يجب أن يسألن طبيبهنّ قبل الحمل حول منافع أخذ أدوية خافضات الحرارة مثل الأسيتامينوفين وقت الحمى».


  • ترجمة: لُبيد الأغبري.
  • تدقيق: اسماعيل اليازجي.
  • تحرير: عيسى هزيم.
  • المصدر