يعود سبب 20% من حالات السرطانات حول العالم إلى الفيروسات، إذ تسبب السرطان بعد فترة طويلة من الإصابة بها. تدرب الفيروسات الخلايا المُصابة بها كيفية التهرب من العمليات البيولوجية الطبيعية الهادفة إلى موت الخلية، وعليه تؤدي هذه الاستراتيجية إلى تغيرات جينية فيها تسبب سرطانًا شاملًا على مدار السنين.

سعى علماء الأحياء الدقيقة والباحثون في علم الفيروسات إلى فهم كيفية تأثيرها في الخلايا الحية وفي صحة الشخص المصاب به، إذ اهتموا بطرق معالجتها والوقاية منها أيضًا.

نظرة على الفيروسات

يمكن تصنيف جميع الفيروسات المعروفة إلى 22 عائلة مختلفة، وتُعرف خمسة منها بالفيروسات المستمرة، إذ يستمر وجودها ما إن حدثت الإصابة بها في المرة الأولى ويساعدها ذلك في الانتشار من شخصٍ لآخر واتساع دائرة العدوى.

على سبيل المثال يسبب فيروس الحلأ جدري الماء لدى الأطفال الذي يعاود الظهور لاحقًا مسببًا داء الحلأ النطاقي. توجد سبعة فيروسات ذات قدرة مسرطنة تسمى بالفيروسات المسببة للأورام.

فمثلًا ينتمي فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) -الذي يسبب سرطان عنق الرحم- إلى عائلة فيروسات الأورام الحليمية (الثآليل)، في حين ينتمي فيروس إبشتاين بار (EBV) المسبب للمفوما هودجكن وكذلك الفيروس المرتبط بساركوما كابوزي إلى عائلة الفيروسات الحلئية (الهربس).

أما فيروس الخلايا اللمفاوية التائية البشري (HTLV) الذي يسبب أحد أنماط ابيضاضات الدم (اللوكيميا) فهو ينتمي إلى الفيروسات الراجعة، بينما ينتمي فيروس خلية ميركل الورمي المسبب لسرطان خلايا ميركل إلى عائلة الفيروسات الورمية.

تحتوي جميع هذه الفيروسات الخمسة على شيفرة جينية لواحد أو أكثر من البروتينات التي تساعد الخلية على التهرب من الموت الخلوي، مؤدية إلى خلودها واستمرار نموها الذي يتطور إلى السرطان، وتحتوي جميع الخلايا السرطانية على المعلومات الجينية للفيروسات الأصلية، حتى لو ظهرت هذه السرطانات بعد سنوات من العدوى الفيروسية الأولية. ولكن تُطوّر نسبةٌ صغيرة فقط من الأشخاص المصابين بأحدها سرطانًا شاملًا بسببها.

أما فيروس التهاب الكبد ب فينتمي لعائلة فيروسات الكبد، وينتمي فيروس التهاب الكبد ج إلى عائلة فيروسات flavi.

يقاوم معظم المصابين بأحدهما العدوى عبر جهازهم المناعي ويتمكنوا من القضاء عليهما، ولكن تؤدي الإصابة بهما لدى الأشخاص ضعيفي المناعة غير القادرين على مواجهة العدوى إلى إزمانها وحدوث أذية كبدية كبيرة، ما يزيد تعرضهم إلى خطر تطور أحد أنواع سرطان الكبد وهو سرطان الخلية الكبدية (HCC).

وذلك لأن محاولات الجسم لإصلاح النسيج الكبدي تزيد من احتمالية الإصابة بطفرات متعلقة بالسرطان، أي أن آلية التسرطن مختلفة عن الفيروسات المستمرة الخمسة التي ذُكرت آنفًا.

تعد السرطانات المحرضة بالفيروسات تهديدًا خطيرًا على الصحة، إذ يقتل سرطان الخلية الكبدية ما يقارب 800000 شخص سنويًا حول العالم، ما يجعله في المرتبة الثالثة بين السرطانات القاتلة عالميًا، لكن حوالي ثلاثة أرباع هذه الحالات مسببة بالتهاب الكبد الفيروسي.

ويصيب سرطان عنق الرحم سنويًا 311000 امرأة حول العالم، منها 36000 امرأة في الولايات المتحدة الأمريكية ما يجعله السرطان الأكثر فتكًا عند النساء حتى الآن. يعد فيروس الورم الحليمي البشروي المسبب الرئيسي له، إلا أنه يسبب أيضًا العديد من سرطانات الحلق والشرج التي يموت منها الكثيرون.

عام 2006، تمت الموافقة على استخدام أول لقاح فيروسي يقي من عدوى فيروس الورم الحليمي البشري والسرطانات المرتبطة به في الولايات المتحدة، وقد أُثبتت فعاليته في الوقاية منها، وهو الآن متوفر وآمن ويُنصح يإعطائه للأطفال بعمر 11 أو 12 حتى عمر 26 سنة قبل بدء النشاط الجنسي، إذ تدوم مناعة اللقاح نحو 10 سنوات مع توفر جرعات داعمة منه. ويقي اللقاح من الإصابة الفيروسية ومن ثم الوقاية من تطور السرطانات اللاحقة.

وحقق لقاح التهاب الكبد ب نجاحًا مماثلًا فترة زمنية أطول، فقد أظهر فاعليةً وأمانًا وعُرف كأول لقاح مضاد للسرطان منذ إنتاجه عام 1986، وعليه تلقى اللقاح أكثر من مليار شخص حول العالم.

اللقاحات تنقذ الحياة

تقي اللقاحات من الكثير من الأمراض والسرطانات وتنقذ حياة العديد من الأشخاص، لكن ما زال الكثيرون يترددون في تلقيها، وقد تجلى ذلك حديثًا في لقاحات COVID-19.

رفض 46% من المراهقين ممن تراوحت أعمارهم بين 13 و 17 عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية تلقي لقاح فيروس الورم الحليمي البشري الموصى به عام 2019. ووصلت نسبة متلقيه عام 2020 في ولاية ميسيسيبي إلى 32%.

لكن تبقى هذه النسبة أفضل من غيرها في الدول الأخرى، فمثلًا بلغ معدل تغطية اللقاح لدى المراهقين في اليابان عام 2013 أقل من 1%، بسبب ادّعاء بعض التقارير الكاذبة وجود تأثيرات ضارة له.

ورغم التكشيك القطعي والمحاولات المتكررة لدحض هذه الادعاءات، فما تزال النسبة منخفضة.

أخيرًا، لا بد من ذكر أن حملات التلقيح أدت إلى تخفيف شدة الجدري والقضاء بشكل فعال على كل من شلل الأطفال والحصبة وبعض الأمراض المعدية الأخرى. ونأمل في أن تصبو جهود التلقيح المستمرة إلى جعل السرطانات التي يسببها فيروس الورم الحليمي البشري وفيروس التهاب الكبد ب شيئًا من الماضي أيضًا.

اقرأ أيضًا:

أول لقاح للحماية من سرطان الثدي سيدخل مرحلة التجارب في الولايات المتحدة

ما هي لقاحات السرطان؟ وما دورها في علاج الأمراض الخبيثة والوقاية منها؟

ترجمة: تيماء الخطيب

تدقيق: يمام بالوش

المصدر