إذا نظرت داخل مصباح أو أنبوب ضوئي فلن تجد جيشًا خفيًا من الفوتونات غير المعدودة جاهزًا.

في المصباح مثلًا فإنّ أكثر ما ستجده هو أسلاك معدنيّة.

أمّا في حالة الأنبوب الضوئي فلن تجد شيئًا.

إذن، من أين تأتي الفوتونات؟ هل تنبع من الهواء؟ في الواقع نعم.

تظهر الفوتونات من اللا شيء على الإطلاق. وإليك الطريقة.

المزيد من الطاقة أيّ المزيد من الضوء

قد اعتبر الإنسان الضوء نعمة منذ زمن بعيد، رغم أنّه لم يعد كذلك منذ أن أشعلنا النار وابتكرنا المصابيح. مع ذلك، نادرًا ما فهم الناس كيفيّة إنتاج الضوء في المصباح.

على سبيل المثال، يُنتِج المصباح ضوءًا عندما يمرّ التيار المغذّي من خلال السلك ويقوم بإنتاج مقاومة حراريّة بحيث يسخن سلك التنغستن المعلّق في الوسط. يسخن التنغستن إلى درجة حرارة 2500 درجة مئوية وبهذا يُنتج تدفّقًا من الإلكترونات التّي تملأ غرفتك.

ولكن، لماذا تُنتج الأجسام المسخّنة الضوء؟ وإذا كانت الأجسام الساخنة تصدر الضوء فلماذا لا يصدر البشر وغيرهم من الحيوانات ذوات الدم الحار الضوء في غرفة مظلمة؟

الجواب هو أنّهم ليسوا ساخنين بما فيه الكفاية، إذ تُعتبر حرارة أجسام المخلوقات ذات الدم الحار ضئيلة، وليست كافية لإصدار الضوء.

نتيجة لذلك فإنّ الضوء المنبعث منها ليس مرئيًا، مع هذا فإنّه من غير المنطقي تفسير هذه الظاهرة بناءًا على كميّة الحرارة فقط. هذا المنطق غير مكتمل. ضوء LED أو أنابيب CFL ليست ساخنة كالمصابيح المتوهّجة، مع ذلك فهي تنير بنفس القدر.

تَسخن أسلاك التنغستن داخل المصباح المتوهج حتى 2500 درجة مئوية لإنتاج الضوء.

على الرغم من أننا نميل لرغباتنا كي نفهم الضوء منذ آلاف السنين، إلّا أنّنا حصلنا فقط في القرن الماضي على فهم شامل لكيفيّة إنشاء الفوتونات.

فوتون الضوء هو موجة كهرومغناطيسيّة. ويوصَف الفوتون بأنّه إثارة للحقل الكهرومغناطيسيّ. بحيث تُكوّن إثارة الحقل الكهربائي حقلًا مغناطيسيًا وفقًا لقوانين ماكسويل، التّي تعيد إثارة المجال الكهربائي وما إلى ذلك، لهذا يجب علينا أولًا أن نثير الإلكترونات!

تتواجد الإلكترونات داخل الذرات في مستويات طاقة مختلفة. عندما نثير الإلكترونات، على سبيل المثال في حالة المصباح، يتمّ تسخين ذرات التنغستن، فنرفع الإلكترونات إلى مستويات طاقة أعلى. لكنّ الطبيعة تسعى إلى الاستقرار.

تكره الإلكترونات الصعود إلى مستويات أعلى.

لتحقيق الاستقرار تنزل الإلكترونات إلى مستوياتها الأصلية أو حتى أقل.

عندما يقوم إلكترون بهذه القفزة نحو الأسفل، تطلق الذرة فوتونًا. ومع هبوط الملايين والمليارات من الإلكترونات في الوقت نفسه إلى مستويات طاقة أقل يطلق التنغستن العنان لسيل ضخم من الفوتونات.

كيف يتمّ إنتاج الفوتونات؟

كون الضوء الذّي يتمّ إنتاجه مرئيًا أم غير مرئي يتعلّق بتردد الموجة الكهرومغناطيسيّة أو طاقة الفوتون.

يمكن تقسيم الطيف الكهرومغناطيسيّ إلى سبع فئات. يمكن للعين المجرّدة الكشف عن واحد منهم فقط، لذلك يطلق عليه الطيف المرئي.

إنّ تردد الموجة الكهرومغناطيسيّة أو طاقة الفوتون يتناسب طرديًا مع المسافة التّي قفزها الإلكترون. عندما تقوم الإلكترونات، مثل إلكترونات أسلاك التنغستن، بقفزة هبوطيّة فإنّها تترجم إلى تردد يقع داخل هذا الطيف، فإنّ الفوتونات المتكوّنة تكون مرئية.

أمّا القفزات إلى فراغ خارج هذا النطاق، سواء كانت أكبر أو أصغر ستنتج فوتونات غير مرئيّة.

هذا هو السبب في كون الضوء الذّي تنتجه الأجسام الدافئة غير مرئي للعين المجردة، لكن يمكن الكشف عنه بواسطة الأجهزة المتوافقة مع موجات الأشعة تحت الحمراء منخفضة التردد. القفزات التّي تقوم بها الإلكترونات التّي تُنتج هذه الفوتونات ليست كبيرة بما يكفي.

كذلك الحال مع موجات الراديو التّي تنتقل وتستقبلها هواتفنا.

إلى جانب الطيف المرئي، توجد موجات تتميز بقفزات أطول مثل الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة السينية والموجات المنبعثة من النجوم وغيرها، لا فرق إذا كانت الإلكترونات تُثار عن طريق إخضاعها للحرارة أو الكهرباء.

ما يهم هو مستوى ارتفاعها. أدّى هذا الإدراك إلى التخلي عن مفهومنا بأنّ المزيد من الحرارة يعني مزيدًا من الضوء.

في حين أنّه صحيح في حالة النجوم، إلّا أنّه غير فعّال.

لهذا السبب إنّ اللمبات المتوهجة التّي تهدر كمية هائلة من الطاقة الحراريّة تُعتبر غير فعّالة بشكل كبير مقارنةً مع المصابيح الفلوريّة والتي تثير وترفع الإلكترونات ببساطة عن طريق تمرير الكهرباء عبر أنابيب تحتوي على أبخرة من الأرجون والزئبق.

لذلك، يتمّ إنتاج الضوء أو الفوتون عند انتقال الإلكترون من مستوى طاقة أعلى إلى مستوى طاقة أخفض.

لكن، إذا كنت تنظر إلى داخل ذرة، فهل ستجد جيشًا خفيًا من الفوتونات مستعدة ومتربصة لإلكترون.

حسنًا، لا.

كما هو موضّح يقفز الإلكترون إلى مستوى طاقة منخفض لتحقيق الاستقرار أيّ يفقد الطاقة التّي أجبرته على الصعود في المقام الأول.

على عكس حالة الطاقة الحراريّة فإنّ الكون لا يمكنه أن يهدر هذه الطاقة المنظمة. يجب أن تُوجّه الطاقة الإضافية لاستخدام آخر.

والنتيجة هي الإنشاء الفوري للفوتون. إنّه حرفيًا ينبثق في الوجود من أيّ شيء مهما كان.

البشر فضوليون بشكل غريب، قد يرغب المرء في التعمق أكثر، لكنّ هذا هو أعمق ما يمكن أن يتواجد، إنّ السؤال لماذا هو الأعمق، هو بمثابة السؤال لماذا تنجذب الأجسام الصغيرة إلى الأجسام الضخمة؟ أو لماذا تكون سرعة الضوء حوالي 300،000 كم / ثانية.

بهذا الشكل تعمل الجاذبيّة أساسًا، وهذه هي السرعة التّي تنتقل بها الموجات الكهرومغناطيسيّة في الفراغ.

يتمّ إنشاء الفوتونات عندما تقوم الإلكترونات بالانتقال إلى المدارات الأسفل لأنّ هذه هي الطريقة التّي تعمل بها الديناميكا الكهربائيّة الكموميّة على الأقل في هذا الكون.

في مثل هذا المستوى العالي جدًا من التعمّق يقول الفيزيائيون كما قال الفيزيائي كورنيل ديفيد ميرمين – وتسند المقولة إلى ريتشارد فاينمان وأحيانا بول ديراك – : «اسكت واحسب».


  • ترجمة: أحمد طريف المدرس
  • تدقيق: آية فحماوي
  • تحرير: صهيب الأغبري
  • المصدر