إن التجارة العالمية من نواح عديدة تجعل العالم يمضي قدمًا. فكر في أي سلعة إلكترونية أو قطعة ملابس أو ربما قطعة شوكولاتة، جميع البنود اليومية التي هي في أيدي المستهلكين والمنازل هي بسبب التجارة العالمية، التي توفر عددًا لا يحصى من الوظائف.

يحاول العالم جاهدًا الحفاظ على ديمومة التجارة العالمية بشتّى السبل، إيمانًا بضرورة بقائها واستمراريتها، ولكن يبدو أن الكثير من المشكلات تراكمت في الآونة الأخيرة.

فشل المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية في أبوظبي في حل أي قضايا ذات أهمية، ما يثير سؤالًا لا مفر منه حول ماهية مستقبل منظمة التجارة العالمية.

كان الحفل الختامي كئيبًا، وكان الإعلان الوزاري لطيفًا مجردًا من المحتوى الموضوعي الذي اقتُرح سابقًا. وأُرجعت القضايا المعلقة إلى قاعدة منظمة التجارة العالمية في جنيف لإجراء مزيد من المناقشات، أو للمؤتمر الوزاري المقبل في عام 2026.

وفي إحاطة للصحفيين في الساعات الأخيرة للإغلاق، أشار متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إلى مدى صعوبة تجميع القطع في جنيف بعد فشلها في خلق زخم في المؤتمر الوزاري.

وقد أصبح هذا الاختلال في التوازن واضحًا بالفعل، إذ ميّزت سياسات القوة (الهيمنة) المؤتمر منذ البداية. ووجهت اتهامات بفرض قيود غير مسبوقة على المنظمات غير الحكومية المسجلة للمشاركة في المؤتمر. ولهذه الهيئات أهمية بالغة في جلب تأثيرات منظمة التّجارة العالمية على المزارعين والصيادين والعمال والمجتمعات الأخرى إلى ساحة المفاوضات.

وقد تقدمت عدد من المنظمات غير الحكومية بشكاوى رسمية بشأن المعاملة التي تلقاها من قبل الدولة المضيفة للمؤتمر، الإمارات العربية المتحدة. ويقولون إنّهم عُزلوا عن الوفود، ومُنعوا من توزيع الأوراق، واحتُجز بعض الأشخاص تعسفيًا بسبب توزيع بيانات صحفية.

أجريت مفاوضات حاسمة في “الغرف الخضراء” المثيرة للجدل. كانت هذه هي الأماكن التي حاول فيها الأعضاء المختارون بعناية، وهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل التوسط في النتائج لتقديمها إلى البقية من أجل الشفافية.

تأثير سياسة القوة على التجارة العالمية:

لقد حددت هذه الدول القوية النتائج إلى حد كبير. وبدت الولايات المتحدة، التي كانت تاريخيًا الجهة التي تحدد جدول الأعمال في المؤتمرات الوزارية لمنظمة التجارة العالمية، غير مهتمة إلى حد كبير بالاجتماعات، مع مغادرة الممثلة التجارية كاثرين تاي مبكرًا.

ولا يذكر الإعلان الختامي شيئًا عن استعادة هيئة النزاع المكونة من مستويين، التي أصيبت بالشلل منذ عام 2019 بسبب رفض الإدارات الأمريكية الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة تعيين قضاة جدد في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية.

وفشل الاتحاد الأوروبي في ضمان التقدم في إدخال تحسينات على عملية الاستئناف. وقد أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري المحتمل: دونالد ترامب بالفعل أنه سيفرض تعريفات ضخمة غير قانونية لمنظمة التجارة العالمية على الصين إذا تم انتخابه.

وقد منعت الصين واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي -وجميعهم من كبار الداعمين لأساطيل الصيد في المياه البعيدة- التوصل إلى نتيجة تهدف إلى حماية المخزونات السمكية العالمية، وهي القضية المؤجلة بالفعل من الاجتماع الوزاري السابق.

بذل أعضاء منظمة التجارة العالمية الستة في جزر المحيط الهادئ جهودًا حثيثة من أجل تجميد الإعانات وخفضها في نهاية المطاف. ولكن النّص تم تخفيفه إلى درجة أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ، وكان الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وسويسرا وغيرهم من منتجي الأدوية قد منعوا بالفعل الإجماع على رفع براءات الاختراع الخاصة بعلاجات وتشخيصات كوفيد-19 التي تسعى إليها 65 دولة نامية. فالصفقة بشأن لقاحات كوفيد-19 في عام 2021 معقدة للغاية ولم تستخدمها أي دولة.

الأجندة المحلية والعالمية:

عكست مواقف الهند المتصلبة أيضًا الأولويات المحلية. وقد وعد المؤتمر الوزاري الذي انعقد في بالي عام 2013 البلدان النامية بحل دائم لمنع التحديات القانونية التي تواجه مخزونات الهند المدعومة من الغذاء من أجل برامج مكافحة الجوع.

كان الحل الدائم بمثابة خط أحمر بالنسبة للهند، التي تواجه انتخابات الشهر المقبل واحتجاجات حاشدة من المزارعين الذين يشعرون بالقلق من فقدان الدعم. وقدم المصدّرون الزراعيون -بما في ذلك نيوزيلندا- طلبات مضادة لتوسيع المفاوضات الزراعية. وما تزال قضية التخزين العام في طريق مسدود، دون أي احتمال حقيقي لتحقيق أي انفراجات.

أيضًا اعترضت الهند وجنوب أفريقيا رسميًا على اعتماد اتفاقية متعددة الأطراف غير مفوضة بشأن تيسير الاستثمار.

وكانت المخاوف أقل فيما يتعلق بالاتفاقية نفسها بقدر ما كانت تتعلق بالسّابقة التي قد تخلقها لمجموعات فرعية من الأعضاء لتجاوز كتاب قواعد منظمة التّجارة العالمية. وهذا من شأنه أن يسمح للدّول القوية بتعزيز قضاياها المفضلة في حين تضعف أولويات البلدان النامية.

الأزمة والتحول:

كان لحفظ ماء الوجه التمديد المؤقت للوقف الاختياري المثير للجدل بشأن الحق في فرض الرسوم الجمركية على الحدود على عمليات نقل المحتوى الرقمي. وكان تأمين هذا التمديد -أو بمعنى أدق فرض حظر دائم على الرسوم الجمركية للتجارة الإلكترونية- نيابة عن شركات التكنولوجيا الكبرى هو الهدف الرئيسي للولايات المتحدة من المؤتمر. وعارضت البلدان النامية تجديده، حتى تتمكن من فرض تعريفات جمركية على الإيرادات ودعم التصنيع الرقمي لديها.

من المقرر أن ينتهي التجميد الآن في مارس 2026، وبالتالي ستستأنف المعركة في المؤتمر الوزاري المقبل المقرر عقده في الكاميرون في ذلك العام. ولكن هناك احتمالات كبيرة بأن يستمر الشلل الحالي الذي تعاني منه منظمة التجارة العالمية، وأن سياسات القوة ستشتد حدتها.

من الناحية المثالية، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى إنشاء مؤسسة دولية مختلفة جوهريًا، مؤسسة تقدم حلولًا حقيقية لتحديات القرن الحادي والعشرين التي تعجز منظمة التجارة العالمية عن التصدي لها.

ختامًا، إن عالم التجارة العالمية ليس مجرد عالم بسيط، وهناك قضايا ملحة تجب معالجتها للحفاظ على هذا التفاعل أو العملية التي تمثل بقوتها وتطورها مدى تقدم الحضارة ومتانة الاتصال بين البشر.

اقرا أيضًا:

هل يمكن أن يصدر حكم بتدمير شات جي بي تي؟ صحيفة نيويورك تايمز تعتقد ذلك، وقد يكون صحيحًا!

اقتصاد أوروبا يتجه نحو مسار سيئ، فما الذي يجب فعله؟

ترجمة: دياب حوري

تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت

المصدر