كيف تعمل أجسادنا؟ (البنكرياس)


تعتبر المُعَثـْكِلة أو البنكرياس (Pancreas) إحدى أضخم الغدد في الجهاز الهضمي وعضوًا حيويًا هامًا جدًا، وتُعرَّف على أنّها غدة مختلطة أو مزدوجة الإفراز، فالجزء الأكبر منها ذو وظيفة خارجية الإفراز، له دور كبير في عملية هضم الشحوم والكربوهيدرات والبروتينات والجزء الآخر هو عبارة عن مجموعات (جزر) من الخلايا ذات وظيفة داخلية الإفراز، إذ تفرز هرمونات مسؤولة عن تنظيم مستوى السكر في الدم وضبط وظيفة وحركة الجهاز الهضمي العلوي.

تبدو المعثكلة ذات الصحة الجيدة بلون زهري كريمي بطبيعة رخوة متماسكة وسطح مفصص، ويمكن تقسيمها بالاعتماد على علاقاتها أو مجاوراتها التشريحية إلى رأس وعنق وجسم وذيل وناتئ شِّصِّي (Uncinate process)، تتوضع بشكل معترض إلى مائل قليلًا على الجدار الخلفي للبطن خلف المعدة بمستوى الفقرات القطنية الأولى والثانية (L1-2) وبجوار الأمعاء الدقيقة، وهي عضو خلف بريتواني يتراوح طولها بين 12-15سم عند البالغين ويبدو شكلها الخارجي مشابهًا للحرف (J) أو بشكل لسان مسطح بحيث تكون سميكة في جزئها الإنسي (الرأس) وتصبح أرفع بالاتجاه الوحشي (الذيل).

يتوضع رأس البنكرياس وهو الجزء الأوسع والأغلظ منها إلى أيمن الخط الناصف أمام وأيمن العمود الفقري داخل عروة الإثني عشر (العفج) وهو الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة الذي تفرغ فيه المعدة محتوياتها المهضومة جزئيًا وهو أيضًا المكان الذي تفرغ فيه المعثكلة أنزيماتها الهاضمة، بينما يشكل العنق والجسم الجزء المركزي والنهاية الرفيعة، الذيل الذي يمتد للجهة اليسرى.

يحاط البنكرياس بعناصر وعائية رئيسية وهامة كالشريان والوريد المساريقي العلوي والوريد البابي والجذع الزلاقي، تغذي هذه الأوعية البنكرياس والأعضاء البطنية الأخرى.

يزداد حجم البنكرياس مع التقدُّم في العمر إلى أن يبلغ ذروته في العقد الرابع، ثم تبدأ في الضمور حوالي الستين من العمر تقريبًا حيث يُستَبدَل النسيج الإفرازي بنسيج ضام شحمي.

وظائف المعثكلة:

المعثكلة السليمة تقوم بإفراز المركبات الصحيحة بالكمية المناسبة والوقت الصحيح، وكما ذكرنا لها وظيفتين داخلية وخارجية الإفراز، وبشكل عام الغدد خارجية الإفراز هي التي تقوم بإفراز المواد إلى سطح أو قناة بينما الغدد داخلية الإفراز هي التي تطرح المواد المفروزة إلى الدم مباشرةً.

الوظيفة خارجية الإفراز:

مسؤول عنها الجزء الأعظم من الغدة وتشمل إفراز إنزيمات هاضمة للبروتينات وهي التربسين(Trypsin)  والكيموتربسين (Chymotrypsin) وإنزيمات الأميلاز(Amylase)  الهاضمة للكربوهيدرات وإنزيمات الليباز(lipase) الهاضمة للدسم.

عندما يدخل الطعام المعدة تقوم المعثكلة بإفراز هذه الإنزيمات إلى أقنية تنتهي بالقناة البنكرياسية الرئيسية التي تنظم إلى القناة الصفراوية الرئيسية مشكلةً أمبولة فاتر أو الأمبولة الكبدية البنكرياسية (Ampulla Of Vater) التي تصب في الإثني عشر.

تأتي القناة الصفراوية المشتركة من الكبد والحويصل الصفراوي (المرارة) حاملةً مفرزات هامة للهضم تدعى الصفراء، وبهذا تساعد العصارة البنكرياسية والصفراوية الجسم على هضم المواد المختلفة.

الوظيفة داخلية الإفراز:

مسؤولة عنها مجموعات من الخلايا تدعى جزر لانغرهانس (Islets Of Langerhans) وتشمل إنزيمات هامة على رأسها الإنزيمات المنظمة لمستوى السكر في الدم وهي الإنسولين(Insulin) الذي يساعد بإدخال الغلوكوز إلى خلايا الجسم وبالتالي يُنْقِص سكر الدم عندما يرتفع والغلوكاكون(Glucagon) الذي يعمل بطريقة معاكسة للأنسولين إذ يعمل على تحفيز الخلايا على تحرير الغلوكوز وبالتالي يرفع سكر الدم عندما ينخفض، بالإضافة إلى هرمونات أخرى كالسوماتوستاتين (Somatostatin) وعديد الببتيد البنكرياسي (Pancreatic Polypeptide)والغيريلين (Ghrelin).

أبرز الأمراض الذي تصيب المعثكلة:

التهاب البنكرياس الحاد(Acute pancreatitis) :

يحدث كنتيجة للتفعيل المبكر للحبيبات المولدة للإنزيمات مما يطلق إنزيمات هاضمة للبروتين (البروتياز) التي تقوم بهضم البنكرياس والنسيج المحيط بها، وشدة الالتهاب تعتمد على النسبة بين إفراز الإنزيمات الهاضمة للبروتين وبين العوامل المضادة لها، وهو في الغالب محدد لذاته إلا أنّه عند البعض يكون شديد ويسبب مضاعفات موضعية كالتَنَخُّر(Necrosis) والكيسات الكاذبة(Pseudocyst) والخراجات ومضاعفات جهازية تؤدي إلى فشل أعضاء متعدد.

التهاب البنكرياس المزمن(Chronic pancreatitis) :

التهاب مزمن يتمثَّل بتليُّف وتخرُّب في البنكرياس ويؤدي في المراحل المتقدمة إلى السكري نتيجة لتخريبه خلايا جزر لانغرهانس.

الداء الليفي الكيسي(Cystic Fibrosis) :

مرض وراثي مميت يطال أجهزة متعددة، وفي إصابته الهضمية يؤدي إلى قصور بنكرياس وعلوص عقي(Meconium Ileus) بالإضافة إلى حدوث قرحة هضمية وأمراض كبدية مرارية، تكون فيه المفرزات البنكرياسية كثيفة مما يؤدي إلى انسداد القنيات البنكرياسية وبالتالي تخرُّب متقدم في النسيج البنكرياسي، يؤدي القصور البنكرياسي إلى براز دهني كبير الحجم وقد يحدث انسداد في المستقيم مما يقود إلى هبوط المستقيم، كما يحدث سوء تغذية وداء سكري.

سرطان البنكرياس(Pancreatic Carcinoma) :

معظم السرطانات غدية تنشأ على حساب الأقنية البنكرياسية، وتتضمن هذه الأورام غزو موضعي وانتقالات إلى العقد اللمفية الناحية في مرحلة مبكرة لذا معظم هؤلاء المرضى يكونون قد وصلوا إلى مراحل متقدمة من المرض عند التشخيص.

الداء السكري (Diabetes mellitus):

متلازمة سريرية تتظاهر بارتفاع سكر الدم الناتج عن خلل مطلق أو نسبي يتعلق بالإنسولين، وله نمطين أول وثاني بالإضافة لسكري الحمل.

في النمط الأول تهاجم الخلايا المناعية في الجسم خلايا بيتا البنكرياسية المنتجة للأنسولين وتظهر الأعراض بعد تدمير حوال70-90% من خلايا بيتا وفيه يكون على المريض أخذ حقن لتعويض الأنسولين، بينما في النمط الثاني يكون إفراز الأنسولين طبيعي في البداية والمشكلة تكمن في حدوث مقاومة للأنسولين من قبل خلايا العضلات أو الكبد أي خلايا هذه الأعضاء لا تستطيع استخدام الأنسولين ثم ومع تقدُّم المرض يحدث خلل في إنتاج الأنسولين، أمّا السكري الحملي فهو السكري الذي يشخص لأول مرة خلال الحمل ويُعرَّف على أنّه عدم تحمُّل للغلوكوز بدرجات متنوعة وقد يتطور إلى سكري دائم وخاصةً مع الحمل المتكرر وعند النساء البدينات.

(لمزيد من المعلومات عن الداء السكري http://172.104.145.106:8080/ibelieveinsci.com/?p=20219 )


  • إعداد: دانيا الدخيل
  • تدقيق: أسمى شعبان
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر: Gray’s Anatomy The Anatomical Basis of Clinical Practice [2016]-41th edition