يُستخدَم الرادار في العديد من المجالات، مع أنك لا تراه في الحالة الطبيعية. يستخدم مركز مراقبة الحركة الجوية الرادار لتتبع مسار الطائرات على الأرض وفي أثناء تحليقها، وأيضًا لإرشاد الطائرات لضمان هبوط سلس وآمن. أما شرطة المرور فتستخدم الرادار لكشف سرعة سائقي السيارات على الطرق السريعة، وتستخدمه وكالة ناسا لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد لكوكب الأرض والكواكب الأخرى، ولتعقب الأقمار الصناعية والحطام الفضائي، وللمساعدة في عدة وظائف مثل المناورة والالتحام، وفي المجال العسكري يستخدمه الجيش لتحديد مواقع العدو ولتوجيه القاذفات والصواريخ.

مختص التشغيل Gilbert Lundgren يشغل تجهيزات الرادار في مركز معلومات المدمرة الأمريكية Carney

مختص التشغيل Gilbert Lundgren يشغل تجهيزات الرادار في مركز معلومات المدمرة الأمريكية Carney

يستخدم خبراء الأرصاد الجوية الرادار لتتبع العواصف والأعاصير. وأنت بالتأكيد رأيت إحدى صور الرادار في بعض المتاجر وذلك عندما يُفتح الباب آليًّا! تُعَد تقنية الرادار مفيدة بالفعل ولها العديد من الاستخدامات في حياتنا.

يُستخدم الرادار عادةً لتحقيق أحد 3 أشياء:

  •  اكتشاف الأجسام: عادةً يكون هذا الجسم متحركًا، مثل طائرة، لكن يمكن أيضًا اكتشاف الأجسام الثابتة المدفونة تحت الأرض، ويستطيع الرادار التعرف على هذه الأجسام جيدًا، مثلًا يمكنه التعرف على نوع الطائرة وليس اكتشاف وجودها فقط.
  •  تحديد السرعة: يساعد الشرطة في عملها لكشف المخالفات المرورية.
  •  رسم الخرائط: تستخدم المركبات الفضائية والأقمار الصناعية الرادار الصناعي المفتوح Synthetic Aperture Radar لرسم خرائط طبوغرافية مفصلة لأسطح الكواكب والأقمار.

يحقق هذه الوظائف الثلاث تقنيتان نراهم في حياتنا اليومية: الصدى Echo وإزاحة دوبلر Doppler shift. يسهل فهم هذين المفهومين فيما يتعلق بالصوت، إذ تسمع أذناك الصدى وتدرك تأثير دوبلر يوميًّا، لكن الرادار يوظفهما في مجال موجات الراديو.

سنتناول آلية عمل الرادار في هذا المقال، لكن لنلق الضوء أولًا على طبيعة الصوت فهو أمر مألوف أكثر.

الصدى

الصدى Echo هو ظاهرة تختبرها يوميًّا. فإذا صرخت في بئر أو واد ضيق، ستسمع الصدى بعد لحظات. يحدث الصدى لأن موجات صوتك ستنعكس على السطح المقابل لها (حتى لو كان سطح الماء أسفل البئر أو على الجانب الآخر من الوادي) وترتد إلى أذنيك مباشرةً، وتتوقف المدة الزمنية بين لحظة إطلاق الصرخة ولحظة سماعك للصدى على المسافة بينك وبين السطح الذي انعكست عليه الموجة الصوتية مسببةً الصدى.

إزاحة دوبلر

يسمع الشخص خلف السيارة نغمة أبطأ من السائق لأن السيارة تتحرك مبتعدة عنه، أما الشخص أمام السيارة فيسمع نغمة أسرع لأن السياة تتحرك تجاهه

يسمع الشخص خلف السيارة نغمة أبطأ من السائق لأن السيارة تتحرك مبتعدة عنه، أما الشخص أمام السيارة فيسمع نغمة أسرع لأن السياة تتحرك تجاهه

تأثير دوبلر Doppler shift هو أيضًا مفهوم شائع، وربما تختبره يوميًّا (غالبًا دون أن تدرك ذلك). تحدث إزاحة دوبلر عندما يصدر صوت من جسم متحرك أو ينعكس عليه، ويُسبب عندما يصل إلى حدوده القصوى طنينًا صوتيًّا أو فرقعة sonic booms.

لنفترض إن سيارة قادمة تجاهك بسرعة 90 كيلومتر في الساعة، إذا كانت صفارة إنذارها تدوي فستسمعها بنغمة note تتناسب مع تقدم السيارة تجاهك، ولكن بعد أن تتجاوزك السيارة سينزاح صوت الصفارة فجأة إلى نغمة أبطأ، مع إن الصوت هو نفسه، لكن الاختلاف في النغمة المسموعه سببه ظاهرة إزاحة دوبلر.

ما الذي حدث؟ إن سرعة الصوت في الهواء ثابتة، ولتبسيط الحسابات لنقل إنها 268 مترًا في الثانية (يمكن تحديدها بدقة إذا أخذنا بعين الاعتبار ضغط الهواء ودرجة الحرارة والرطوبة). تخيل إن السيارة متوقفة على بعد 1.5 كيلومتر منك، وتُشغل صفارتها مدة دقيقة واحدة بالضبط.

ستنتشر الموجات الصوتية من الصفارة تجاهك بسرعة 268 متر في الثانية، لذلك ستسمع صوتًا مدته دقيقة واحدة بالضبط، مع تأخير يبلغ 6 ثوان (هو الوقت الذي استغرقه الصوت في الوصول إليك).

والآن لنفترض أن السيارة تتحرك تجاهك بسرعة 90 كيلومتر في الساعة، منطلقةً من مسافة 1.5 كيلومتر، وتُشغل صفارتها دقيقةً واحدةً فقط. ستلاحظ في هذه الحالة أيضًا تأخيرًا صوتيًّا مدته 6 ثوان، لكنك ستسمع صوتًا مدته 54 ثانية فقط لا دقيقة، لأن السيارة ستكون بجوارك بعد دقيقة، وسيصل إليك الصوت في نهاية الدقيقة على الفور.

ولأن السيارة تتحرك تجاهك ولم تتجاوزك بعد، ستنضغط الموجات الصوتية لتنحصر في مجال زمني أقل من دقيقة، وسيزداد تردد الموجات ويبدو أسرع بالنسبة إليك. أما عندما تتجاوزك السيارة مبتعدةً عنك تنعكس العملية السابقة، وتتمدد الموجات الصوتية لتشغل مجالًا زمنيًّا أكبر، وينخفض تواتر النغمة الصوتية lower tone.

يمكن الجمع بين ظاهرة الصدى وانزياح دوبلر كالتالي: افترض أنك قد أصدرت صوتًا تجاه سيارة تتحرك بدورها تجاهك، ستنعكس بعض الموجات الصوتية عن السيارة (بسبب الصدى)، وبما أن السيارة تتحرك تجاهك فستنضغط الموجات الصوتية، وستكون طبقة صوت الصدى أكبر من الطبقة الصوتية التي أصدرتها higher pitch، وبحساب الطبقة الصوتية للصدى يمكنك تحديد السرعة التي تتحرك بها السيارة.

الرادار

على اليسار: هوائيات في مجمع اتصالات الفضاء البعيد وهو جزء من شبكة ناسا للفضاء البعيد التي تساعد على تأمين اتصالات الراديو مع المركبات الفضائية، على اليمين: راديو مسح سطحي وراديو مسح هوائي مثبتان على مدمرة صواريخ موجهة

على اليسار: هوائيات في مجمع اتصالات الفضاء البعيد وهو جزء من شبكة ناسا للفضاء البعيد التي تساعد على تأمين اتصالات الراديو مع المركبات الفضائية، على اليمين: راديو مسح سطحي وراديو مسح هوائي مثبتان على مدمرة صواريخ موجهة

لقد رأينا كيف يمكننا استخدام الصدى لتحديد بعد جسم ما منا، وكيف يمكننا استخدام إزاحة دوبلر لتحديد سرعة تحرك الجسم. أصبح الآن بإمكاننا صنع رادار صوتي sound radar، وهذا هو مبدأ السونار sonar . تستخدم الغواصات والسفن السونار دائمًا. يمكنك استخدام الميزات الصوتية نفسها في الهواء، لكن سيسبب ذلك عدة مشاكل:

  •  لا ينتقل الصوت لمسافات بعيدة، ربما ميل واحد (1.6 كيلومتر) على الأكثر.
  •  بما أن أي شخص يمكنه سماع الأصوات، فحتمًا سيزعج الرادار الصوتي الجيران (يمكن التغلب على هذه المشكلة باستخدام الأمواج فوق الصوتية عوضًا عن الأمواج الصوتية المسموعة).
  •  سيؤدي ضعف كفاءة صدى الموجات الصوتية إلى صعوبة رصده.

ولهذا يستخدم الرادار موجات الراديو لا الموجات الصوتية، فموجات الراديو سريعة جدًّا وغير مرئية للبشر ويسهل رصدها وإن كانت ضعيفة.

لندرس الآن رادارًا نموذجيًّا صُمم خصيصًا لمراقبة الطائرات في أثناء رحلاتها. يشغل هذا الرادار جهاز الإرسال الخاص به ليُطلق سلسلةً قصيرةً عالية الكثافة من موجات الراديو، تدوم هذه السلسلة مدة ميكروثانية فقط، ثم يوقف الرادار جهاز الإرسال، ويشغل جهاز الاستقبال الذي يسجل صدى الموجات التي أُطلقت، ويقيس الزمن الذي استغرقه الصدى وإزاحة دوبلر فيه.

تنتقل موجات الراديو بسرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية)، لذلك إذا كان للرادار ساعة عالية السرعة، يمكنه من طريقها احتساب بُعد الطائرة بدقة عالية، وباستخدام تجهيزات خاصة لمعالجة الإشارة يمكن احتساب إزاحة دوبلر ومن ثم تحديد سرعة الطائرة.

إن احتمالية تعرض الرادارات الأرضية للتداخل أكثر من الرادارات الهوائية (الفضائية)، فعندما تُطلق الشرطة نبضةً موجية، سينعكس صداها على جميع الأجسام التي تعترضها مثل الحواجز والجسور والجبال والبنايات.

لكن يمكن التخلص من هذه الضوضاء بفلترتها، إذ نستبعد الأجسام التي لا تسبب إزاحة دوبلر (أي الأجسام الثابتة)، أي أن رادار الشرطة يبحث عن الإشارات ذات إزاحة دوبلر فقط، والحزمة الرادارية موجهة بإحكام لاستهداف سيارة واحدة في كل مرة.

تستخدم الشرطة الآن تقنية الليزر لقياس سرعة السيارات، وتُسمى تقنية ليدر Lidar، وتستخدم الضوء عوضًا عن موجات الراديو.

اقرأ أيضًا:

كيف يستطيع الرادار الكمومي أن يغير طبيعة الحرب تمامًا؟

ما هي موجات الراديو ؟

ترجمة: فارس بلول

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر