خلال السنوات الماضية، صب الباحثون اهتمامهم على الصلة بين الجهاز المناعي ومرض الشلل الرعاشي (مرض باركنسون) Parkinson’s Disease. وبإجرائهم للتجارب على الفئران، اكتشف العلماء الدور الممكن الذي تلعبه عدوى الأمعاء البكتيرية للإصابة بهذا المرض.

يظهر مرض الشلل الرعاشي نتيجة الاستنزاف البطيء للخلايا العصبية المنتجة للدوبامين في ذلك الجزء من الدماغ الذي يتولى مسؤولية كبيرة في عملية الحركة المسماة بالمادة السوداء Substantia Nigra لذلك تتضمن أعراض المرض الاهتزاز والارتعاش والصلابة.

عامل الخطر الأساسي لهذا المرض هو الهرم أو الشيخوخة Aging، فتشير الإحصائيات إلى أن حالات المرض بتزايد مستمر وثابت في الولايات المتحدة كون مواطني الولايات المتحدة يشيخون ببطء.

يعتقد بعض العلماء أننا نشهد وباءً لمرض الشلل الرعاشي، فعالميًا بين عامي 1990-2015، تضاعفت حالات المرض لأكثر من ٦ ملايين حالة!

يتنبأ البعض أن هذا الرقم سيتضاعف مجددًا بحلول عام 2040 إلى 12 مليون حالة.

ورغم انكباب العلماء والباحثين على دراسة المرض منذ عقود مضت، إلا إنهم ما زالوا يجهلون الكثير عن كيف أو لماذا تُدمَر خلايا الدماغ على هذا النحو.

الشلل الرعاشي والجهاز المناعي:

ظهرت العديد من الصلات التي تربط هذا المرض بالجهاز المناعي مؤخرًا وببطء تتوالى الأدلة التي تدعم ذلك. أمراض المناعة الذاتية هي مجموعة من الحالات المرضية التي يخلط فيها الجهاز المناعي للفرد خلايا الجسم مع مسببات الأمراض ويدمرها.

كيف يمكن لعدوى في الأمعاء أن تسبب مرض باركنسون الصلة بين الجهاز المناعي ومرض الشلل الرعاشي (مرض باركنسون) Parkinson's Disease

تختبر دراسة حديثة ظهرت في مجلة Nature، أجراها باحثون في كندا من جامعة مونتريال ومعهد مونتريال للأعصاب وجامعة ماكجيل الكندية.

تعزى حوالي 10% من حالات مرض باركنسون (الشلل الرعاشي) لطفرات في الجينات المسؤولة عن تشفير البروتينات PINK1 وParkin، اللذين يقومان بوظيفة إزالة والتخلص من المايتوكوندريا التالفة. فالأفراد الذين يحملون هذه الطفرات سيكون من المحتمل أكثر أن يتطور لديهم هذا المرض في سن مبكرة، قبل الخمسين.

ومع ذلك، حينما حاول العلماء إزالة هذه الجينات من الفئران، لم يتطور لدى هذه الفئران مرض الشلل الرعاشي أو أي أعراض مشابهة.

فقد أربك السبب المجهول الذي يجعل هذه الفئران حصينة ضد المرض بالرغم من إزالة تلك الجينات العلماء، ووفقًا للمسؤولين عن الدراسة، فثمة عوامل أخرى غير فقدان القابلية الوظيفية لتلك الجينات، تكون متطلبة للتسبب بمرض باركنسون.

أراد الباحثون إيجاد أدلة أخرى تظهر الصلة بين البروتينات PINK1 وParkin والمايتوكوندريا والجهاز المناعي ومرض باركنسون.

يعتقد العلماء أن سبب عدم ظهور مرض باركنسون عند الفئران التي انتُزعت منها تلك الجينات يرجع لكيفية تربية هذه الفئران في المختبر، فلم تتعرض الفئران المستخدمة لأي جراثيم، ولكي يختبروا صحة هذه الفرضية أصابوا بعض الفئران اليافعة المُفتفرة لبروتيني PINK1 وParkin ببكتريا Escherichia Coli، الأمر الذي سبب ظهور أعراض طفيفة في أمعاء الفئران.

وكما هو متوقع، أثارت هذه العدوى ظهور أعراض حركية مشابهة لمرض باركنسون كلما تقدمت هذه الفئران بالعمر، وكذلك لاحظ العلماء فقدان أدمغة الفئران لخلاياها المولدة للدوبامين!

وعندما أعطى العلماء الفئران عقار L-DOPA المستخدَم في معالجة أعراض مرض باركنسون، نتج عن ذلك تحسن في الحالة، مستنتجين أن للحالة هذه تشابه كبير مع الحالة البشرية.

تعامل الجهاز المناعي مع البكتريا كما يجب في الفئران التي تملك مستويات طبيعية من بروتيني PINK1 وParkin. مع ذلك، فقد اعتقد العلماء أن العدوى البكتيرية تثير استجابة مناعية غير طبيعية في الحيوانات التي تفتقر إلى الجينات المرتبطة بمرض باركنسون مؤديةً إلى غزو الخلايا السليمة وقتلها.

تستند هذه النتائج الجديدة على عمل سابق قامت به المجموعة ذاتها من الباحثين، أظهر ترابطًا بين الجينات والمايتوكوندريا والجهاز المناعي.

أظهرت الدراسة السابقة أن البروتينين PINK1 وParkin يثبطان مسارًا مايتوكوندري يثبط الاستجابة المناعية للالتهاب. بناءً على ذلك، استنتج الباحثون أن الأفراد الذين يفتقرون إلى هذه البروتينات يكون تحفيز الاستجابة المناعية مستمرًا بالامتداد والاستمرار بلا هوادة.

وفي دراستهم الأخيرة، حدد العلماء الخلايا اللمفاوية التائية T lymphocytes القابلة للاستجابة في الأنسجة المضيفة لأدمغة الفئران المستعملة في التجربة، إذ هاجمت الخلايا التائية الخلايا العصبية السليمة بعد إعدادها في طبق خاص والجمع بين نوعي الخلايا.

يذكر المشرفون على الدراسة أن هذه البيانات توفر لنا الأساس الباثوفيزيولوجي لعدوى الأمعاء التي تعمل بمثابة عامل محفز لمرض الشلل الرعاشي.

في النموذج الكلاسيكي لمرض باركنسون، تموت الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين بسبب تراكم البروتينات السامة داخل هذه الخلايا. ولكن تخبرنا هذه الدراسة أن المسبب هو استجابة مناعية قوية تكون قد اندلعت في سنوات مبكرة، مسؤولة عن تدمير هذه الخلايا العصبية.

لا تخبرنا الدراسة بأن جميع حالات مرض الشلل الرعاشي هي مناعة ذاتية، ولكن النتائج تقتضي وجود دور للجهاز المناعي في كل هذا.

ولا يوجد ضمان أن هذه الاستنتاجات قد تنطبق على الإنسان كون كل ما تقدم ذكره كان مدروسًا على نماذج فئران. وليس كل المرضى المصابين بمرض الشلل الرعاشي يملكون طفرة وراثية في الجينات التي تشفر بروتيني PINK1 وParkin، لذا فليس واضحًا فيما إذا تنطبق كل هذه الآليات في جميع الحالات.

ليس الأمر سوى مسألة وقت قبل أن يفشي مرض باركنسون بجميع أسراره، ولكن يبدو أن القصة ستشمل علاقة بين الجهاز المناعي والوراثة والمايتوكوندريا والدماغ.

اقرأ أيضًا:

العلماء يحذرون من وباء باركنسون في المستقبل.. لا نستطيع الاستمرار بتجاهل الأمر

هل يمكن لحقن الملايين من الخلايا الجذعية في الدماغ بأن يشفي من داء باركنسون؟

مفاجأة: الزائدة الدودية هي مكان نشوء مرض باركنسون

ترجمة: مرتضى أحمد جبار

تدقيق: سلمى توفيق

مراجعة: نغم رابي

المصدر